المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أطروحة المقاومة المدنية السلمية (2)
نشر في هسبريس يوم 26 - 08 - 2013

أطروحة المقاومة المدنية السلمية -جين شارب نموذجا- (الجزء الثاني)
يحدد (جين شارب) أربع نتائج للتغيير في حال الحراك الشعبي السلمي؛ فإما أن يحصل التحول conversion أو التكيف accommodation أو الإرغام اللاعنيف non violent coercion أو التحلل disintegration ؛ ففي حالة التحول يتبنى النظام جانبا من وجهة نظر الحراك ويقر بجودة أهدافه ومشروعيتها. وفي حالة التكيف يقدم تنازلات غالبا ما تكون محدودة لا تحدث تغييرا جذريا حقيقيا في مواقفه وبنيته، لكنه يلجأ إلى هذا الخيار اعتمادا على دهائه العقلاني، قاطعا الطريق على أي تزلزل في بنيته الداخلية وتفاديا لأية خسائر قد تحدث نتيجة صمه آذانه عن ضربات طبول المنتفضين السلميين، وأخيرا لإنقاذ ماء وجهه؛ وهذا نموذج شائع كثيرا وبدأ يبرز مع الحراك الشعبي في بلدان الحراك أو المتخوفة منه. وفي هذه الحالة قد تتغير بعض الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولكن لا يتغير موقف النظام ذاته كما هو الحال في حالة التحول.
وفي حالة الإرغام اللاعنيف تتحقق الأهداف ضد إرادة النظام؛ إذ تصل الحركة الشعبية السلمية إلى قطع مصادر قوته بدرجة كبيرة، وتصبح سلطته مقيدة بشكل كبير جدا. وفي هذه الحالة لم تعد المجموعة الحاكمة قادرة على الحركة والفعل، وتصبح مشلولة وغير قادرة على الاستمرار في العنف وتحمل تكاليفه المادية والسياسية بسبب انشقاقات تحدث هنا وهناك في القوى الأمنية (خصوصا الجيش والشرطة والسلك الدبلوماسي في الخارج)، ولكن النظام يبقى قائما من الناحية المادية والشكلية، وفي هذه الحالة غالبا ما يكون مسنودا من قوى خارجية لأهداف ومصالح كثيرة.
أما في حالة التحلل فتقطع مصادر قوة النظام بالكامل، ولم يعد مستطيعا البقاء والاستمرار، بل لا يبقى الجهاز قائما ومتماسكا ،ولا يستطيع حتى قبول الهزيمة فيتحلل ويذهب لأن الحراك الشعبي استطاع زرع عدم الطاعة العامة في موارد الحاكم البشرية التي كانت تعمل في كل وقت لتشغيل آلته والحفاظ على استمراره.
كما يتخلى عن الحاكم مؤيدوه التقليديون؛ فعدم طاعة الموارد البشرية يعني فقدان المعرفة والمهارة والموارد المادية. وبقدر ما يكون الحاكم في حاجة إلى قوة إضافية تتقلص هذه القوة في كل لحظة وحين أمام توسع الحراك الشعبي ونمو قدرته على تعديل شبه جذري في عادات الطاعة والولاء للسلطة، مع كسب معركة الاتصالات وشل نظام النقل وحدوث انشقاق في الأجهزة الأمنية وحصول أنواع مختلف من التمرد. يضاف إلى هذا أن العامل الحاسم في إحداث التغيير الجذري وتحلل النظام هو موقف أطياف المنتفضين السلميين من بعضهم البعض وتوزيع القوة بينهم، وطبيعة العلاقات بينهم، ومدى قدرة هذا النموذج الانتفاضي السلمي على إحداث تحولات بنيوية في حركة الوعي عند المواطنين وإكسابهم الاعتزاز بالنفس والثقة بقراراتهم وطموحهم في صناعة الأحداث وتفسير التاريخ، فيصبحوا أكثر وعيا بما لديهم من قوة؛ قوة الإيمان والعزيمة والإصرار والتضامن .
إن الحراك الشعبي السلمي وفق أطروحة (جين شارب)، يملك القدرة الكبيرة على إحداث التغيير من خلال تفجير مصدر طاقة الطغاة والمستبدين وهي طاعة المحكومين والاعتماد عليهم؛ هذا الأسلوب ذو طبيعة إنسانية لا تحتكره ثقافة أو قومية؛ إنه الأسلوب الأمثل للتحرير واسترجاع السلطة المغتصبة في كل أنحاء العالم إلى حظيرة الشعب والإنسان.
إن الحراك الشعبي السلمي الذي لجأت إليه الشعوب الان لإسقاط الفساد والاستبداد منهج ممتد ومعروف في التاريخ الإنساني، كان قد لجا إليه الرسول (ص) في فتح مكة كعملية سلمية ضخمة. كما استخدمته الشعوب الأوربية كالألمان ضد كاب بوتش Kapp putsh سنة 1920م وضد الاحتلال الفرنسي والبلجيكي، كما استعملته شعوب النرويج والدنمارك وهولندا ضد الاحتلال النازي سنوات 1940 و 1945 م، كما لجأ إليه الصينيون ضد الاحتلال الياباني أعوام 1908 و 1915 و 1919. وبسبب من حراك شعبي سلمي ضخم وهادر أسقطت شعوب السالفادور وكواتيمالا الدكتاتورية العسكرية في ربيع 1944. كما استعمل الحراك السلمي مناضلو الحقوق المدنية في أمريكا ضد الميز العنصري. كما لا يمكن نسيان الحراك الشعبي في أوروبا الشرقية سابقا خاصة في تشيكوسلوفيا منذ سنوات1968و1986،ليتوج ذلك الحراك بإسقاط الأنظمة الشيوعية ونظام الاتحاد السوفياتي ومحمايته من الأنظمة الديكتاتورية في ألمانيا الشرقية ولاتفيا ولتوانيا. كما كانت المظاهرات السلمية والمقاومة الشعبية السلمية مدعومة بإرادة حديدية على الصمود والتحمل، جسدها مانديلا، حاسمة في تقويض سياسات الميز العنصري والسيطرة الأوروبية على جنوب إفريقيا بين أعوام 1950 و 1990. كما أسقط الحراك الشعبي السلمي الفيليبني ديكتاتورية ماركوس عام 1986م . كما تحرر الألبان من ديكتاتوريا القمع الصربي عبر التظاهر السلمي وعدم التعاون والاستمرار في التحدي.
لقد عمل (جين شارب)، أحد منظري الحراك الشعبي السلمي، في كتابه (البدائل الحقيقية) على وضع أساليب للنضال السلمي غير العنيف عبر استقراء آليات حركات الحراك الشعبي السلمي عبر التاريخ الإنساني، انطلاقا من المظاهرات الرمزية التي تستمر فيها الشعارات والصور والألوان إلى رفض التعاون والمشاركة مع النظام في الحفلات والأنشطة والامتناع عن الذهاب إلى المدارس وتعطيل الأعمال الاعتيادية للنظام. وتصنف أعمال الحراك الشعبي السلمي، عند (جين شارب)، بناء على نوعية العمل وفعاليته ومناسبته للخطة والمطالب الإنسانية، وليست بناء على المعتقدات أو الدوافع أو الأشخاص؛ فأعمال الحراك الشعبي السلمي، بنظر (جين شارب)، لا تحتاج إلى إيمان مسبق في طبيعته بناء على رؤية أخلاقية أو دينية، ولكن بناء على الأهداف الحقيقية التي يسعى جميع المنتفضين السلميين إلى تحقيقها وهي إسقاط الفساد والاستبداد وإزالة الديكتاتور. وسعى (جين شارب) إلى الدفاع عن أطروحة الحراك الشعبي السلمي ورفض رأي الذين يدعون أنه يأخذ وقتا طويلا لتحقيق أهدافه، مشيرا إلى أن الحراك الشعبي السلمي يعبر عن القوة الحقيقية لشل آلة الأنظمة العنيفة، كما أن هذا النموذج لا يحتاج إلى قائد ساحر يلهم الجماهير؛ فهو أسلوب ممتد في كل الثقافات وليس غريبا عن وجدان الشعوب وخيالها وطموحها أينما كانت وحيثما توفرت الشروط الموضوعية للنضال الشعبي السلمي الهادر. كما أن الحراك الشعبي لا يحتاج إلى دوغما أو إطار عقدي للتحريض والتأطير، رغم أن الحراك الشعبي في العديد من البلدان العربية كانت دوافعه ومحفزاته الدينية بارزة لبروز التيار الإسلامي وتجذره وسط الجماهير، ولتاريخه في مقاومة الاستبداد والاحتكاك بالمجموعة الحاكمة في البلاد العربية، وباعتباره الفاعل الأساس في الواقع الاجتماعي والسياسي لتلك البلدان، ولتوفره على رصيد من الدعم السيكولوجي والقدرة التنظيمية الحديدية المنضبطة والفاعلة.
كما يرفض (جين شارب) القول بأن الحراك الشعبي السلمي ينفع فقط مع الأنظمة الديمقراطية التي تقر مبدئيا بحقوق الإنسان، أو الأنظمة التي فيها نسب معينة من الحرية، ويؤكد على أن الحراك الشعبي السلمي وسيلة فعالة بالدرجة الأولى مع الأنظمة الأكثر وحشية وديكتاتورية؛ إذ أسقط الحراكفي بعض البلدان العربية أنظمة بوليسية مغرقة في الانغلاق الأمني والاعتداء على حقوق المواطنين وكرامتهم وممتلكاتهم، (تونس نموذجا).
ويحذر جين شارب من عدم استكمال نضال اللاعنف والحراك الشعبي بتعزيز المؤسسات ومواجهة التحديات الجديدة؛ فالتاريخ يذكرنا بمجموعة من الحراكات الشعبية التي حققت تحولات كبيرة وأسقطت أنظمة فاسدة وديكتاتورية، لكنها لم تحقق أهدافها كاملة، ونشأت من داخلها ديكتاتوريات جديدة. ويحصل هذا عبر انحراف الحراك الشعبي نحو قضايا ثانوية لا تحقق تقدما حقيقيا في تنزيل مطالب الناس وأهدافهم، وعدم تبين الوضع بدقة بين طبيعة ما كان الوضع عليه وما هو الوضع المرغوب فيه؛ أي (الإستراتيجيا الكبرى).
وقد عمل (جين شارب) على وضع استراتيجيا النضال السلمي في كتابه (البدائل الحقيقية) تستقرئ تاريخ الحراك الشعبي السلمي في التاريخ الحديث في العالم. وقدم خططا عملية صغيرة وفعالة ومحددة لإنجاز مجموعة المهام التقنية والعملية الخاصة بالحراك. وحث على ضرورة إتباع مراحل أساسية تقوم على التحليل الدقيق للأنظمة الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية الموجودة في المجتمع، والاعتماد على معرفة دقيقة بتوزيع السكان، وتحليل موازين القوة ومصادرها، وتقدير الأدوار الحقيقية والواقعية والمحتملة، مع التأكيد على أن الحراك الشعبي في إطار النضال غير العنيف لا يخضع لاستراتيجيا عمل واحدة وموحدة،بل تبقى أشكاله مختلفة ومتفاوتة باختلاف السياقات وطبيعة الخصم وشكل تعامله مع الانتفاضة السلمية.
ويركز (جين شارب) على أن استراتيجيا النضال السلمي والحراك الشعبي المؤدي إلى العصيان وعدم التعاون يقتضي من القوى الشعبية وضع استراتيجيتها الخاصة بها ليكون النجاح ممكنا اعتمادا على النفس، بناء على القولة المشهورة الواردة في رسالة تشالز ستيوارت بارنل للفلاحين الايرلنديين خلال إضرابهم عام 1879- 1880 بقوله : "اعتمدوا على أنفسكم"؛ فالنجاح تحققه المجموعة المناضلة بقوتها الذاتية.
وفصل (جين شارب) في كتبه التي اعتمدناها في هذه القراءة خطوات التخطيط الاستراتيجي وبناء القدرة والنضال المفتوح إلى نهاية الصراع. كما وضع مسردا خاصا بمصطلحات الحراك الشعبي السلمي مثل : المقاطعة، والامتناع المدني والإجراء المدني والتحدي المدني والمقاومة المدنية والإضراب المدني والعصيان المدني، والتحول والتفكك والإغلاق الاقتصادي، والحرية السياسية والاستراتيجيا العظمى، والمجموعة المنتظمة، والمصادر البشرية والمصادر المادية وآليات التغيير والأساليب، وعدم التعاون، واللاعنف، والتمرد باستخدام اللاعنف، والتدخل باستخدام اللاعنف، والاحتجاج، والإقناع باستخدام اللاعنف، والنضال غير العنيف وأسلحة اللاعنف، والتحري السياسي وسياسة المصارعة اليابانية (جيو جتسو سياسي) والقوة السياسية، والعقوبات، والاعتماد على النفس، ومهارات المعرفة، ومصادر القوة، والنضال الاستراتيجي باستخدام اللاعنف، والاضراب، والتكتيك. كما حدد أساليب هذا الحراك الشعبي السلمي؛ وهذا مفصل في كتابه gene sharp, the politics of non violent action) ) الذي صدر سنة 1973م ؛ ومن هذه الأساليب: الخطابات العامة، ورسائل المعارضة، والتصريحات العلنية، وتقديم العرائض الجماهيرية، والشعارات، والكاريكاتور، والرموز، واللافتات، والملصقات، وإعلانات تظاهرية، والنشرات، والكتيبات، والصحف، والدوريات، والكتابات في الجو وعلى الأرض، والاعتصامات، ورفع الأعلام، وعرض الألوان الرمزية، وارتداء الرموز الخاصة، والصلاة والعبادة، وتوزيع مواد تحتوي على رموز خاصة، والتعري تعبيرا على الاحتجاج، وإتلاف الشخص لممتلكاته الخاصة، واستخدام أضواء رمزية، وعرض اللوحات الفنية، واستخدام الطلاء للاحتجاج، واستخدام إشارات وأسماء جديدة، وممارسة الضغط النفسي على المسؤولين بملازمتهم وتوبيخهم، والمآخاة والاعتكاف، وعرض المسرحيات في الشارع، وعزف الموسيقى، واستعمال المواكب؛ كالمسيرات الدينية وقافلة السيارات، وتكريم الموتى؛ كالحداد السياسي، والجنازات الرمزية، والجنازات التظاهرية، وزيارة المقابر، والتجمعات الشعبية، والانسحابات، والضغط بالصمت، ورفض التشريعات، والجوائز، وإدارة الظهر، وعدم التعاون، ونبذ الأشخاص، وحجب العواطف، والحرمان والتحريم، وتعليق الأنشطة الاجتماعية والرياضية، وإضرابات الطلاب والتلاميذ، والانسحاب من النظام الاجتماعي بالبقاء في المنزل، وهروب العمال، والخلوة، والاختفاء الجماعي، والهجرات الاحتجاجية، واللاتعاون الاقتصادي، وعدم استهلاك منتوجات معينة، ومقاطعة المستهلكين، ومقاطعة التجار، ومنع التوظيفن وإغلاق المؤسسات، وسحب الودائع البنكية، والامتناع عن دفع المداخيل الحكومية، وإضراب الفلاحين، والإضراب التصاعدي، واللاتعاون السياسي بنبذ السلطة، وسحب الولاء، ورفض التأييد العام، ومقاطعة المؤسسات الرسمية، والاختباء، والهروب، واستخدام الهويات الزائفة، والمماطلة، والإعاقة، وعدم الفعالية المقصودة، والتأخيرات شبه القانونية، والصيام، والإضراب عن الطعام، والتحرش باستخدام اللاعنف، والمقاطعة الكلامية، وكشف هويات العملاء الرسميين، والرغبة في السجن، وغيرها من الأساليب وأشكال العمل المحددة، مما يؤكد بأن الحراك الشعبي عبر التاريخ الإنساني كان مؤطرا داخل نموذج فكري إنساني يعتبر اليوم (جين شارب) أبرز المنظرين له، وكذا المفكر العربي الإسلامي جودت سعيد (من سوريا)، مما يتطلب من الباحثين الاجتماعيين المواكبين للحراك الشعبي السلمي جمع المتن الفكري الذي يؤطر هذا الفعل المنتفض والسلمي، ورفض مقولة أن الحراك الشعبي والربيع الديمقراطي مجرد مؤامرة صنعت في دهاليز المخابرات الغربية، أو بدافع من قوى شريرة قادمة من كواكب أخرى.
وقد تفاعلت مع هذه الأفكار مجموعة من المؤسسات التي نشأت في أكثر من منطقة مثل "أكاديمية التغيير" (www. a o c . f m) التي نشأت سنة 2006 في لندن، وأنشئ فرعها في الدوحة سنة 2009، تقدم دروسا تطبيقية وتوجيهات فكرية في كيفية وضع استراتيجيا الحراك الشعبي السلمي لمقاومة الفساد والاستبداد في البلاد العربية. فهدف المؤسسة وفق ورقتها التعريفية التي وضعت سنة 2006 هي تزويد العقل العربي بأدوات الفعل الاجتماعي والسياسي لممارسة التغيير والتحول الحضاري، وتوفير الأدوات العلمية المساهمة في إحداث ثورات حضارية، وتدريب كوارد مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والأفراد على استراتيجيات ووسائل التغيير. وتشتغل الأكاديمية على ثلاثة مستويات هي : ثورة العقول، وأدوات التغيير، وثورة المشاريع، مع استخدام أحدث وسائل الاتصال والتواصل الرقمي. وتتوفر الأكاديمية على مكتب في لندن (تأسس سنة 2006) وآخر في فيينا (تأسس سنة 2010). كما تقدم الأكاديمية دبلوما في التغيير السلمي، بعد التدريب والتعلم وفق برنامج مكثف يهدف إلى التدريس المنهجي للتغيير السلمي. وأصدرت الأكاديمية كتبا معبرة على خطتها وطريقة عملها وأهدافها مثل: "حرب اللاعنف... الخيار الثالث،" "وحلقات العصيان المدني"، "والدروع الواقية من العنف"، "وأسلحة حرب اللاعنف" ،و"خارطة العمليات والتكتيكات"، و"خارطة الصراع"، و"التظاهرات" و "أهم أفكار اللاعنف". كما تتفاعل الأكاديمية مع كتب (جين شارب) مما اعتمدناه في هذه الدراسة الأولية مثل : " من الديكتاتورية إلى الديموقراطية" و " البدائل الحقيقية" و "دور القوة في الكفاح اللاعنيف"، وكتاب مناضل السلم المهاتما غاندي "في سبيل الحق"، وكتاب العقاد "روح العظيم المهاتما غاندي" . كما تتفاعل أفكار الأكاديمية مع المشروع الثقافي للمفكر العربي الإسلامي جودت سعيد (www.jawdatsaid.net) الذي ألف كتابه " مذهب ابن آدم الأول: مشكلة العنف في العالم الإسلامي" سنة 1964م، والذي رد فيه على أطروحة سيد قطب التي فهم منها أنها تشرع العنف لنصرة الدين. ويقوم مشروع جودت سعيد كله على التأصيل للنضال السلمي والصبر في مقاومة الطغيان وتحريض الناس للحراك الشعبي الهادر والسلمي. ويؤسس لأطروحته من تاريخ الأنبياء وتاريخ الإسلام وتجربة الرسول (ص)، كما استفاد من أطروحة التغيير الاجتماعي للمفكر الجزائري المهندس مالك بن نبي في مشروعة حول " مشكلات الحضارة"، وكذا من الخبرة الفكرية والفلسفية للمفكر الباكستاني محمد اقبال في سفره العظيم " تجديد التفكير الديني". وطور أطروحة جودت سعيد المفكر السوري خالص جلبي والذي أصبح رمزا فكريا ومنظرا بارزا لتيار النضال السلمي في العالح العربي اليوم.
كل هذا ينتهي بنا إلى أن الحراك الشعبي السلمي في الربيع الديمقراطي كان مسبوقا بأفكار عميقة كتبت خلال النصف الثاني من القرن العشرين وتفاعلت معها حركات شعبية في أماكن مختلفة من العالم. ولما نضجت الظروف الموضوعية والذاتية في العالم العربي خرجت هذه الأفكار في شكل ربيع ديمقراطي، متنوع المظاهر والأشكال، ولكنه يقوم في عمومه على النضال السلمي والتغيير الحضاري لاستعادة ريادة الأمة وقيمة الإنسان التي أهانها الطغيان والاستبداد واستباحها الفساد، مما يصلح أن يكون أصولا فكرية وعملية لهذا الحراك الشعبي السلمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.