يوسف أيت أقديم يكتب: هل تٌنذر إدانة مارين لوبان بنهاية الديمقراطية في فرنسا؟    الجيش الملكي يرفع التحدي أمام بيراميدز المصري في ربع نهائي الأبطال    أكثر من 1500 شخص يستفيدون من عفو ملكي بمناسبة عيد الفطر    الادخار الوطني بالمغرب يستقر في أكثر من 28 في المائة على وقع ارتفاع الاستهلاك    انخفاض جديد مرتقب في أسعار الغازوال بداية أبريل    أمير المؤمنين يؤدي صلاة عيد الفطر بمسجد أهل فاس بالرباط ويتقبل التهاني بهذه المناسبة السعيدة    مسيرة حاشدة في طنجة تُحيي عيد الفطر تضامناً مع غزة    الرئيسان الفرنسي والجزائري يؤكدان عودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها بعد أشهر من التوتر    أكثر من 122 مليون قاصد للحرمين الشريفين في شهر رمضان للعام 1446    العفو الملكي يشمل عبد القادر بلعيرج بعد 17 عامًا من السجن بتهمة الإرهاب    الجيش يختتم الاستعدادات في القاهرة    منتخب الفتيان يستعد لمواجهة زامبيا    أكثر من 122 مليون مسلم اعتمروا بالحرمين الشريفين في شهر رمضان    عامل إقليم بولمان يؤدي صلاة عيد الفطر وسط حشود كبيرة من المصلين بمصلى ميسور    اختتام فعاليات الدورة الرابعة لملتقى تجويد وحفظ القرآن الكريم في اكزناية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    بعد إدانتها.. التجمع الوطني الفرنسي يطلق عريضة لدعم لوبان    الطقس غدا الثلاثاء.. سحب كثيفة وأمطار متفرقة    ارتفاع عدد الحجاج والمعتمرين إلى 18.5 مليون في 2024    الجزائر ترضخ للضغوط الفرنسية وتنهي أزمتها مع باريس    القهوة في خطر.. هل نشرب مشروبًا آخر دون أن ندري؟    حادث خطير في طنجة يوم العيد.. إصابة شابين في اصطدام دراجة نارية بسيارة مركونة    في ظل تراجع الصادرات إلى المغرب.. مربو المواشي الإسبان يطالبون بفتح أسواق جديدة    تعزيزات مشددة ليلة عيد الفطر تحبط محاولات للهجرة السرية إلى سبتة المحتلة    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة (الجولة 1/المجموعة 1).. منتخب زامبيا يفوز على تنزانيا (4-1)    "المطارات" ينبه إلى التحقق من رحلات    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال ميانمار إلى 2065 قتيلا    اتفاق ينصف حراس أمن مطرودين    الإمارات تقضي بإعدام قتلة "كوغان"    الجيش الملكي في اختبار صعب أمام بيراميدز بالقاهرة    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    المصور محمد رضا الحوات يبدع في تصوير إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة العرائش بلمسة جمالية وروحية ساحرة    ترامب يزور السعودية منتصف ماي المقبل    ست حالات اختناق بسبب غاز أحادي أكسيد الكربون ليلة عيد الفطر    نبيل باها: الانتصار ثمرة عمل طويل    الملك محمد السادس يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك بمسجد أهل فاس بالمشور السعيد بالرباط    الملك محمد السادس يتوصل بتهانئ ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية بمناسبة عيد الفطر المبارك    وكالة بيت مال القدس تتوج عمليتها الإنسانية الرمضانية في القدس بتوزيع 200 كسوة عيد على الأيتام المكفولين من قبل المؤسسة    كأس العالم لسلاح سيف المبارزة بمراكش: منتخبا هنغاريا (ذكور) والصين (سيدات) يفوزان بالميدالية الذهبية في منافسات الفرق    صفقة ب367 مليون درهم لتنفيذ مشاريع تهيئة وتحويل ميناء الناظور غرب المتوسط إلى قطب صناعي ولوجستي    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    عفو ملكي عن عبد القادر بلعيرج بمناسبة عيد الفطر 1446 ه.. من هو؟    مطالب لربط المسؤولية بالمحاسبة بعد أزيد من 3 سنوات على تعثر تنفيذ اتفاقية تطوير سياحة الجبال والواحات بجهة درعة تافيلالت    طواسينُ الخير    ادريس الازمي يكتب: العلمي غَالطَ الرأي العام.. 13 مليار درهم رقم رسمي قدمته الحكومة هدية لمستوردي الأبقار والأغنام    كأس إفريقيا.. المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يطيح بأوغندا بخماسية نظيفة    المعهد العالي للفن المسرحي يطلق مجلة "رؤى مسارح"    الموت يفجع الكوميدي الزبير هلال بوفاة عمّه    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    هيئة السلامة الصحية تدعو إلى الإلتزام بالممارسات الصحية الجيدة عند شراء أو تحضير حلويات العيد    أكاديمية الأوسكار تعتذر لعدم دفاعها وصمتها عن إعتقال المخرج الفلسطيني حمدان بلال    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عيد اللغة العربيّة العالميّ ومدى تأثيرها في لغة سيرفانتيس
نشر في الصحيفة يوم 15 - 12 - 2021


أنا البّحر فى أحشائه الدرّ كامنٌ !
18 ديسمبر عيد اللغة العربيّة العالميّ ومدى تأثيرها في لغة سيرفانتيس
ليت شاعر النيل المرحوم حافظ إبراهيم كان يدري أيّة نبوءةٍ إعجازيةٍ كبرى قذف بها إلى مَسمع الدّهر يوم حكى لنا أنّ اللغة العربية قالت عن نفسها : أنا البّحر فى أحشائه الدرّ كامنٌ / فهل سألوا الغوّاصَ عن صدفاتي..؟! ،صدق الشاعر الملهم ، وها هو ذا العالم أجمع يحتفل فى 18 من شهر ديسمبر (كانون أوّل) الجاري 2021 باليوم العالمي للّغة العربية، يُحتفىَ بها فى هذا التاريخ من كلّ عام، كلغة عالمية، رسميّة، متداولة، ومُستعملة في جميع المحافل الدّولية،والمنظمات العالمية، ولم يأتِ هذا التتويج عبثاً أوإعتباطاً ، بل جاء بعد نضالٍ متواصل، وجهودٍ متوالية إنطلقت منذ أواسط القرن الفارط، بعد أن أقرّت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) ذلك في الدورة 92 لمجلسها التنفيذي المنعقد عام 2012، حيث طفق هذا المنتظم الدّولي فى الاحتفال لأوّل مرّة بهذا اليوم في ذلك العام ، قبل أن تقرّر الملحقية الاستشارية للخطة الدّولية لتنمية الثقافة العربية المعروفة ب (أرابيا) المنبثقة عن اليونيسكو كذلك هذا اليوم عنصراً أساسيّاً في برنامج عملها المتواتر فى هذا المجال ،وهكذا حتى نصل إلى قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة بجعل اللغة العربية لغة عمل بصفةٍ رسمية بين مختلف اللغات الحيّة الأخرى المعتمدة في الجمعية العامة وهيئاتها المختلفة،وأخيراً الإعلان عن اليوم العالمي لهذه اللغة فى 18 ديسمبر من كل عام كلغة رسمية متداولة فى مختلف الهيئات، والمنظمات، والمحافل الدّولية.
ومع ذلك ما زالت تترى الدّراسات، وتتعدّد النقاشات،وتُطرح التساؤلات،وتُثارالتخوّفات في المدّة الأخيرة عن اللغة العربية، وعن مدى قدرتها على إستيعاب علوم الحداثة، والعصرنة،والإبتكار، والتجديد الذي لا تتوقّف عجلاته ولا تني ،وتخوّف فريق من عدم إمكانها مسايرة هذا العصر المُتطوّر والمُذهل، كما تحمّس بالمقابل فريق آخر فأبرز إمكانات هذه اللغة، وطاقاتها الكبرى مستشهداً بتجربة الماضي، حيث بلغت لغة الضاد في نقل العلوم وترجمتها شأواً بعيداً، كثر الكلام في هذا المجال حتى كاد أن يُصبح حديثَ جميع المجالس، والمنتديات،والمؤتمرات في مختلف البلدان العربية ،فهل تعاني العربيّة حقاً من هذا النقص..؟ وهل هي في حاجة إلى مناقشات من هذا القبيل ..؟ الواقع أنّ اللغة العربية فى العمق ليست في حاجة الى إرتداء ذرع الوقاية يحميها هجمات الكائدين، ويردّ عنها شماتة المتخوّفين، إذ تؤكّد كلّ الدلائل،والقرائن قديماً وحديثاً أنّها كانت وما تزال لغة حيّة ، اللهمّ ما يريد أن يلحق بها بعض المُتشكّكين من نعوت، وعيوب،كانت قد أثارتها فى الأصل زمرة من المُستشرقين في منتصف القرن المنصرم ،حيث إختلقوا موضوعات لم يكن لها وجود قبلهم ، كان الغرض من منها إثارة البلبلة والشكوك بين أبناء هذه اللغة، الذين يعرفون جيّداً أنّها لغة تتوفّرعلى جميع مقوّمات اللغات الحيّة المتطوّرة الصّالحة لكل عصر،و جدير بنا فى مناسبة الإحتفال بيومها العالمي أن نستقي من التاريخ شهادة حيّة قائمة عن الشأو البعيد الذي أدركته هذه اللغة حيث كان لها الغلبىة، وبالتالي تأثيرات بليغة فى عددٍ من اللغات العالميّة الحيّة، وفى طليعتها اللغة الإسبانية:
العربية وتأثيرها فى لغة سيرفانتيس
كان للغة الضّاد بالفعل تأثير بليغ في اللغة الإسبانية، حيث إستقرّت فيها العديد من الكلمات العربية الأصل على إمتداد العصور، وهي الآن تعيش جنباً إلى جنب مع هذه اللغة، وتستعمل في مختلف مجالات الحياة وحقول المعرفة المتعدّدة ،ممّا يقدّم الدليل القاطع على مدى غنى، وثراء، وجزالة ،وفحولة ،وخصوبة لغة الضّاد التى ما فتئت تتألق، وتتأنق، وتنبض بالحياة في عصرنا الحاضر مطواعةً مرنةً سلسةً عذبة متفتّحة ، ينبوع حنان تأخذ وتُعطى بسخاء وكرم لا ينضب معينهما.
وتعيش اللغة الإسبانية في الوقت الحاضر تألقاً وإنتشاراً واسعيْن في مختلف ربوع المعمور، ووعياً من الإسبان بما أدركته لغتهم من رِفعةٍ، و"أوج" يحلو لهم عند الحديث عن إنتشارها ،والإشعاع الذي أصبحت تعرفه إستعمال هذه الكلمة العربية بالذات للتباهي بها وهي (الأوج)، والتي تُنطق عندهم ( Auge ) ""أَوْخيِ" حيث تُقلب أو تُنطق الجيمُ خاءً ، كما هو الشأن في العديد من الكلمات العربية الأخرى المبثوثة فى اللغة الإسبانية مثل : جبل طارق الذي يُنطق عندهم (خِبْرَلْطَارْ)، وكلمة جَبَليّ تُنطق (خَبليّ ) ،وهو "الخنزير البرّي الذي يعيش فى الجبل"، وكلمة الجامع التي تحوّلت عندهم إلى (أَلْخَامَا) ، والجرّة غدت ( خَارّا) ،وهو الدنّ أو إناء الفخار، ونهر أو مدينة "وادي الحِجارة"، التي تحوّلت إلى (غْوَادِيلاَخَارَا) ...إلخ."،إنهم يبذلون جهوداً مضنية،ويرصدون إمكانيات كبرى للتعّريف بلغتهم وثقافتها وإظهار كلّ ما من شأنه أن يبثّ الإعتزاز في ذويها، وأصحابها، ومن ثمّ تأتي تلك الندوات والمناظرات التي تعقد في هذا السّبيل في مختلف المناسبات فى إسبانيا تحت الرئاسة الفعلية للعاهل الإسباني الأسبق ،أو نجله العاهل الإسباني الحالي ، حيث يحرصان على حضور مختلف جلسات الأكاديمية الملكية للغة الإسبانية، خاصّة عند إنضمام عضو جديد إليها أوعند تكريم أحد الرّاحلين عنها، وتصرف الدولة الاسبانية أموالاً طائلة في سبيل نشر لغتهم وثقافتها والتّعريف بتاريخهم ،وبآدابهم، و فنونهم، وتراثهم .
بين نيبريخا، والدّؤلي، والفراهيدي
ويهدف التنسيق بين مختلف البلدان الناطقة باللغة الاسبانية في مجال المصطلحات اللغوية والكلمات والتعابير المتداولة والمستعملة في هذه البلدان بغاية توحيدها ومحاربة الدّخيل لجعل حدّ "للغزو اللغوي "الأجنبي أعدّت أكاديمية اللغة الاسبانية بالتعاون مع جميع أكادميات اللغة الاسبانية الأخرى الموجودة في مختلف بلدان أمريكا اللاتينية والتي يبلغ عددها 21 أكاديمية لهذه الغاية معجماً أسبانياً فريداً في بابه وهو:"معجم الشكوك الموحّد" بمعنى أنّ أيّ متحدّث أو مستعمل أو مشتغل أو دارس للغة الاسبانية الذي قد يخامره شكّ أوتساوره ريبة حول أيّ إستشارة صغيرة كانت أم كبيرة لها صلة بهذه اللغة سوف يجد ضالته في هذا المعجم.
والإسبان واعون بأهمية لغتهم في عالم اليوم ،وبالمكانة المرموقة التي أصبحت تتبوّأها في مختلف البلدان، وهم يعلمون كذلك أنّ لغتهم من المنتظر أن تصبح من أكثر اللغات الحيّة تأثيراً وإنتشاراً في العالم أجمع في هذا القرن وما بعده .ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها من المنتظر أن يصبح عدد الناطقين بها - حسب التوقعات المستقبلية - ما ينيف على 100 مليون خلال العقدين القادمين.وتعرف اللغة الاسبانية تقدّماً مهمّاً في البلدان العربية وأصبحت تحظى بإقبال كبير من طرف الطلاب والباحثين، وهي تدرّس اليوم في مختلف الجامعات العربيية، وفي المغرب وحده على سبيل المثال يوجد ما يقارب ستة ملايين من الناطقين بهذه اللغة، كما أصبحت العناية بها تحظى باهتمام متزايد فى مختلف البلدان المقابلة للجزيرة الإيبيرية والمحاذية لحوض البحر الأبيض المتوسّط جنوباً نظراً لعوامل تاريخية، وحضارية ،وثقافية بين إسبانيا وهذه البلدان بحكم الجيرة . ويرى الملاحظون أنّ تقدّم اللغة الاسبانية وإنتشارها في عالم اليوم ليس وليد الصّدفة ، بل يرجع لعدّة عوامل تاريخية وثقافية وحضارية، ذلك أنّ نصف قارة بأكملها تتحدث هذه اللغة (أمريكا الجنوبية).كما أنّ "الأوج" الذي تعرفه اللغة الاسبانية في العالم حقق للثقافة الاسبانية حضوراً مهمّاً في العديد من المحافل العالمية في مجال النشر، والتأليف، و المسرح، والفنون التشكيلية ،والموسيقى، والشعر، والأدب ،والسينما .
وتتعاون إسبانيا مع شقيقاتها ببلدان أمريكا اللاتينية الناطقة بهذه اللغة في هذا الإتجاه لتقوية وتعزيز الهويّة الثقافية باعتبارها من الأواصر القوية التي سوف تعمل على تحقيق تقارب أكبر وتعاون أوثق فيما بينها، فى مختلف المجالات، وقد قامت هذه البلدان بالإضافة الى معجم الشكوك اللغوية الموحّد بإصدارأوّل معجم لتوحيد النّحو الإسباني كذلك. والإسبان وإلى جانبهم سكان البلدان الناطقة باللغة الاسبانية على وعي تامّ بأنّ هذه الجهود لابدّ أن تؤتي أكلها إذ لابدّ أن يعقبها ذيوع وإنتشار أوسع للغتهم. وثقافتهم وبالتالي تقدّم إقتصادي وإزدهار سياحي خاصّة وأنّ إسبانيا تعتبر من أكبر البلدان السياحية في العالم إذ تعرف هذه الصناعة عندهم تقدّماً هائلاً، وتطوّراً مذهلاً، وتعتبر المآثر والمعالم الحضارية الإسلامية في الأندلس عنصراً هامّاً لجذب السّياح من مختلف أنحاء العالم مثل قصر الحمراء بغرناطة ( وهو المعلمة العربية الأولى في إسبانيا الأكثر مشاهدة من طرف السياح الأجانب) بالاضافة إلى العديد من القصور والحصون والمعالم التاريخية الأخرى في مختلف المدن الاسبانية كصومعة لاخيرالدا، وبرج الذهب في إشبيلية، والجامع الأعظم في قرطبة، وقصر الجعفرية بسراقسطة وسواها من المآثر الأخرى .
" نيبريخا "وهو واضع أوّل وأشهر كتاب فى النحو الإسباني(1492)،وأوّل معجم في اللغة الإسبانية (1495)أيّ إنه يعتبرعندنا بمثابة أبي الأسود الدّؤلي واضع النحو العربي، والخليل بن أحمد الفراهيدي واضع أوّل معجم فى لغة الضّاد وهو "العين"، يقول نيبريخا في مقدّمة معجمه مخاطباً الملكة الكاثوليكية إزابيلا: "اللغة القشتالية (الإسبانية نسبة الى قشتالة) كانت باستمرار رفيقة الإمبراطورية الإسبانية"، يريد نيبريخا أن يقول بهذا المعنى" أنّ اللغة سلاح أو وسيلة أوّلية وأساسية لا يمكن أن يحلّ محلها شئ آخر لتأكيد الهويّة، والجذور،والحضور، ورفع صروح الحضارة لأيّ أمّة ، وهي تعني كذلك مغزى الوجود الاسباني في أبعد الآفاق" ( يقصد أمريكا اللاتينية والبلدان التي كانت خاضعة للتّاج الإسباني في ذلك الأوان).
كلمات عربية وأمازيغية في الإسبانية
يشير الباحث عدلي طاهر نور في مقدمة كتابه " كلمات عربية في اللغة الاسبانية:" أنه لا جدال في أنّ اللغة العربية ظلت لعدّة قرون في النصف الثاني من العصر الوسيط لغة الحضارة السّائدة في العالم ، ولا عجب أن نسمع" ألباروالقرطبي" وهو من أقطاب الثائرين على المسلمين في القرن التاسع الميلادي يستنكر إنصراف المسيحيين في إسبانيا عن دينهم ولغتهم، ويندّد بشغفهم بعلوم المسلمين وباللغة العربية وآدابها، وإنفاقهم الكثير في سبيل إقتناء كتبها ، وهو لا يجد بين ألف منهم شخصاً واحداً يستطيع أن يكتب باللاّتينية خطاباً صحيحاً إلى صديق له".
خلال التواجد الإسلامي بشبه الجزيرة الإيبيرية وبشكل خاص فى الأندلس، تعايشت كلّ من اللغتين العربية والأمازيغية جنباً إلى جنب،بل لقد كان لهما تأثير بليغ فى لغة سيرفانطيس ، وبحكم هذه المعايشة هناك العديد من الكلمات العربيّة والأمازيغيّة التي استقرّت فيها ،يرى المُستشرق أمريكُو كَاسْترُو أن معظمَ الكلمات الإسبانية التي لها علاقة بالعدّ، والقياس، والأكل ،والسّقي ،أو الريّ،والبناء،كلها من أصل عربي ، فَمَنْ يبني البِنَاء ؟ ألبانييل Albañil(بالإسبانية) وهو البَنَّاء ،أو الباني،وماذا يبني؟ القصرAlcázar، القبّة Alcoba ، السّطح Azoteaأوالسقف (وهي بالتوالي تُنطقُ فى الإسبانية : ألكَاسَرْ،ألْكُوبَا،أسُوطييّا). وكيف وبماذا يسقي أو يروي الأرضَ؟ بالسّاقية Acequia، والجُب Aljibe ، وألبِرْكَة Alberca (و هي تُنطق فى الإسبانية):أسِيكْيَا،ألْخِيبِي،ألبيركَا. وماذا نأكل بعد ذلك؟ السكّرAzúcar، الأرزArroz ،النارنج Naranja ،الليمون Limón، الخُرشُف Alcachofa،التّرمُسAltramuces ، السّلق Acelgas، السّبانخ Espinacas(وهي تُنطق فى الإسبانية بالتوالي: أسوُكار،أرّوث،نارانخا،الليمون ،الكاشُوفا، ألترامويسيس ،أسيلغا، إيسبيناكاس).وبماذا تزدان بساتيننا، أوتُزَيَّنُ حدائقنا..؟ بالياسمين، Jazmín والزّهرAzahar، والحبَق Albahaca، وتُنطق بالإسبانية: أثهَار، خَاثْمين، وَألبَهاَكا،) بالإضافة إلى العديد من الكلمات الأخرى التي لا حصر لها كلّها دخلت وإستقرّت فى هذه اللغة، وما فتئت الألسنُ تلوكها ،والمعاجم تثبتها ،وتنشرها ،وتتباهى بها ،والكتب والتآليف والمجلدات، والأسفار،والمخطوطات، والوثائق، والمظانّ تحفل بها بدون إنقطاع إلى اليوم سواء فى إسبانيا، أو ما وراء بحر الظلمات فى مختلف بقاع، وضِيَع، وأصقاع العالم الجديد.
وهناك كذلك العديد من الكلمات الأمازيغية التي إستقرّت بدورها فى اللغة الإسبانية مثل (تَزَغّايثْ) أو الزغاية Azagaya (وتعني الرّمح الكبير)، وإستعملها كولومبوس فى يومياته، بصيغة الجمع Azagayas ( الزغايات) وهي موجودة، ومُدرجة فى معجم الأكاديمية الملكية للّغة الإسبانية ،وغير موجودة فى المعاجم العربية لا " لسان العرب " ولا " مقاييس اللغة" ولا " الصّحّاح في اللغة " ولا " القاموس المحيط " ولا " العُباب الزّاخر " لا فى صيغة المفرد ، ولا فى صيغة الجمع ،مِمّا يدلّ الدلالة القاطعة على أصلها وأثلها الأمازيغي حسب ما يؤكّد المُستشرق الهولاندي المعروف (رَيِنْهَارْت دُوزِي: Reinhart Dozy) ، وكلمة (آشْ) تُجمع ب "أشّاون" وتعني القرون ومنها إسم مدينة (الشّاون) المغربية ، ويؤكّد صاحب " الإحاطة فى أخبار غرناطة " لسان الدين إبنُ الخطيب أنّ النّهر الوحيد فى شبه الجزيرة الإيبيرية الذي يحمل إسماً أمازيغياً هو"مدينة آش" ،ونهر"وادي آش" أيّ وادي القرن وهو فى الإسبانية "Guadix "، أو "río de Acci"، "Wadi Ash"،" río Ash " بالقرب من مدينة غرناطة.إلخ (وهكذا الأمر مع العديد من الأسماء المتعلقة بالقبائل وبعض الضّيع والمدن مثل مدينة Teruel الإسبانية (بالقرب من مدينة سراقسطة) المقتبسة من إسم مدينة " تروال" المغربية بالقرب من مدينة وزّان( وسط المغرب) ( وهي من قبائل بربرصنهاجة)، ومدينة Albarracín بالقرب من ترويل الإسبانية، ويرجع إسم هذه المدينة الى القبيلة البربرية "بني رزين" التي عاشت بها وإستقرت في ربوعها في القرن الثالث عشر، وآخر ملوكها حُسام الدّولة الرزيني، وهي تنحدرمن" بني رزين " وهي قرية أمازيغية جبلية مغربية والكائنة فى الطريق السّاحلي الرّابط بين تطوان والحسيمة شمال المغرب،.ومنها كلمات مثل Gomera من "غمارة" وهي عند الإسبان إسم جزيرة فى الأرخبيل الكناري، de Gomera Vélez وهذه الكلمة من إسم " بادس" وهو(إسم شبه الجزيرة المحتلة الكائنة بجوار شاطئ " قوس قزح" وبني بوفراح ونواحيها بإقليم مدينة الحسيمة)،وإليها يُنسب الوليّ الصّالح أبو يعقوب البادسي،الذي ذكره إبن خلدون فى مقدمته بكل تبجيل،كما تحمل إسمَه الكريم أعرقُ ثانوية فى جوهرة البحر الأبيض المتوسّط مدينة الحسيمة، وإسم بادس مُستعمَل بكثرة فى إسبانيا مثل:Vélez Rubio, Vélez Malaga,Velez Benaudalla,Velez Blanco ,Rio Vélez, إلخ ،ناهيك عن أسماء المنتوجات،والصنائع التي أدخلها المسلمون إلى أوربا فى مختلف الحقول والمجالات وما أكثرها.
كريستوفر كولومبوس والعربية
ومن أطرف ما يمكن أن يحكىَ فى مجال التأثير (اللغوي) العربي فى المجتمع الإسباني، هو أنّه حتى كريستوفر كولومبوس نفسه إستعمل كلمات عربية وأمازيغية فى يومياته ليس فقط تلك التي لها علاقة بميدانه أيّ علوم البحر، ومعارف الإبحار بل فى المسمّيات اليومية العادية، ويكفي أن نستدلّ فى هذا الشأن بالفقرة الأخيرة من يومياته بعد وصوله إلى اليابسة، وهي الفقرة التي تحمل تاريخ السبت 13 أكتوبر1492 حيث يقول :"وعند الصّباح حضر إلى الشاطئ عدد غفير من هؤلاء القوم، ثمّ قدموا فى إتّجاه المركب بواسطة (المعدّيات) فى الأصل الإسباني كما نطقها كولومبوس(ألميدياس)، (مفردها المعديّة وهي كلمة أوردها معجم الدكتور عدلي طاهر نور فى كتابه الآنف الذكر، وهي زورق صغير يعبر عليه من شاطئ إلى آخر ، ومنها عدوة الأندلس، أو عدوة مدينتي سلا والرّباط على نهر أبي رقراق)، ثم يقول :"وإستقدموا معهم لفائف من( القطن) ، ( وهي كلمة عربية كذلك ونطقها كولومبوس" ألغُودُون" كما تنطق اليوم فى الإسبانية)، وكانوا يحملون ( الزغّايات) ،وجاءت هذه الكلمة فى يوميات كولومبوس باسم "أزاغاياس" وهي كلمة أمازيغية سبقت الإشاره إليها أعلاه تعني اليوم عند الإسبان الحرْبة القاطعة التي تثبت فى الطرف الأعلى للبندقية التي كان يحملها رجال الحرس المدني) ،ويضيف: كما إستقدموا معهم طيور( الباباغايوس) "جمع الببّغاء وهو طائر يُطلق على الذّكر والأنثى، من خصائصه أنّه يُحاكي كلامَ الناس"، وهكذا نجد فى فقرة قصيرة جدّاً من هذه اليوميات الكلمات العربية والأمازيغية التالية: (المعديّة،القطن،الزغّاية، الببّغاء) ، بل إنّ كولومبوس نفسه كان يحمل لقباً عربياً وهو" أمير البحر" وينطق فى الإسبانية مُحرّفاً بعض الشئ (ألميرانتي)،وما زال هذا اللقب يُستعمل فى الإسبانيّة إلى اليوم في مختلف البلدان الناطقة بهذه اللغة الحيّة الواسعة الانتشار .
*كاتب من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية الأمريكية للآداب والعلوم - بوغوطا- كولومبيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.