اجتمع مجلس الأمن الوطني، الجهاز الأعلى لمناقشة القضايا الأمنية الكبرى في إسبانيا، أمس الخميس للمرة الأولى منذ 9 مارس الماضي، من أجل مناقشة مجموعة من القضايا التي لا يمكن لرئيس الحكومة ووزراءه اتخاذ قرارات بشأنها دون استشارات واسعة، وعلى رأسها قضية مدينتي سبتة ومليلية التي ترى مدريد أنها تتعرض ل"تهديدات" من المغرب، سواء عبر المطالبة بالسيادة عليهما أو "خنقهما" اقتصاديا أو وصول المهاجرين السريين من أراضيه إليهما. وللمرة الأولى منذ 22 يونيو 2020 ترأس العاهل الإسباني، فيليبي السادس، هذا الاجتماع الذي احتضنه قصر "ثارثويلا" الملكي في مدريد، رغم كونه رئيسا شرفيا لأن الرئيس الفعلي هو رئيس الحكومة، أي بيدرو سانشيز حاليا، وهي خطوة يجري اللجوء إليها عادة حين تكون القضايا التي ستناقش على درجة كبيرة من الحساسية وتحتاج لرأي الملك أيضا، على غرار الاجتماع ما جرى عند مناقشته لأول مرة الوضع الوبائي عقب انتشار جائحة كورونا قبل عام و5 أشهر. ووفق وسائل إعلام إسبانية فإن المجلس ناقش الاستراتيجية الجديدة للأمن الوطني الإسباني التي صاغ مسودتها الجنرال ميغيل أنخيل باليستيروس، رئيس المديرية العامة للأمن الوطني، والتي ضمت خطة أمنية شاملة تهم مدينتي سبتة ومليلية، وهي نفسها التي كان قد أشار إليها إيفان ريدوندو، المدير السابق لديوان رئاسة الوزراء، أمام البرلمان الإسباني في ماي الماضي بعد دخول الآلاف من المهاجرين غير النظاميين إلى سبتة عبر الجانب المغربي من الحدود. ويأتي عرض الاستراتيجية على مجلس الأمن القومي كخطوة أخيرة تسبق طرحها على المجلس الحكومي برئاسة سانشيز في دجنبر المقبل لتبنيها، لكن هذه الخطوة تمت بعد ما يناهز سنة من الانتظار، إذ احتاجت الحكومة التي يقودها الحزب الاشتراكي العمالي إلى الوصول لتفاهمات واسعة بخصوص مضمونها مع الحزب الشعبي الذي يقود المعارضة البرلمانية، والذي يرأس خوان فيفاس، المنتمي إليه، الحكومة المحلية لسبتة. وتأتي هذه الخطة، التي لم يجرِ الكشف عن تفاصيل مضامينها، بعد ضغط كبير من حكومتين سبتة ومليلية المتمتعتين بحكم ذاتي، على الحكومة المركزية من أجل "إنقاذ" المدينتين اللتان "خُنقتا" اقتصاديا بسبب قرار المغرب وقف عمليات التهريب المعيشي على حدودهما وتشديد الرقابة الجمركية على مشتريات السياح المغاربة الذين يزورونهما، ثم إنشاء مشاريع اقتصادية منافسة لهما على غرار المنطقة الاقتصادية في الفنيدق وميناء الناظور غرب المتوسط، قبل قرار إغلاق الحدود البرية معهما في 13 مارس 2020 بسبب جائحة كورونا مع رفض فتحها إلى اليوم. وأضحت حكومتا المدينتين إلى جانب هيئات سياسية إسبانية وفي مقدمتها حزب "فوكس"، تحذر من "التهديدات" المغربية أيضا بعد تصريحات رئيس الحكومة المغربي السابق، سعد الدين العثماني، التي قال فيها إن المغرب تعتبر سبتة ومليلية أراضٍ مغربية شأنها شأن الصحراء، ثم عقب وصول الآلاف من المهاجرين غير النظاميين إلى سبتة بعد شهر واحد من سماح إسبانيا لزعيم جبهة "البوليساريو" الانفصالية، بدخول أراضيها بشكل سري وبوثائق هوية مزيفة. ويتكون مجلس الأمن الوطني إلى جانب الملك ورئيس الوزراء من 9 أعضاء في الحكومة، من بينهم وزراء الخارجية والداخلية والدفاع والمالية والاقتصاد وكاتب الدولة للشؤون الأمنية ورئيس هيئة أركان الجيش الإسباني والمدير المركزي لجهاز المخابرات، وقد جرى تأسيسه سنة 2013 وترأس الاجتماع الأول له العاهل الإسباني السابق خوان كارلوس الأول، وقانونيا يُجب أن يجتمع مرة كل شهرين على الأقل، لكن عُرفيا يجتمع كلما رأى رئيس الحكومة ضرورة لذلك.