يمر اليوم السبت 13 نونبر 2021، عام بالتمام والكمال على التدخل الميداني للقوات المسلحة الملكية في منطقة الكركارات، الذي أنهى في بضع ساعات "احتلال" عناصر جبهة "البوليساريو" للطريق البري الوحيد الرابط بين المغرب وموريتانيا، وبتالي كل دول إفريقيا جنوب الصحراء، الذي استمر لأسابيع، ومعه يمر عام على بلاغات الجبهة الانفصالية التي تلوح بالحرب ضد المغرب وعلى تصعيد جزائري لا يتوقف بلغ حد التلويح بالعمل العسكري. وكان خطاب الملك محمد السادس قبل أسبوع بمناسبة الذكرى السادسة والأربعين للمسيرة الخضراء، تأكيدا على التحول المفصلي الذي تلا تلك العملية، حين أورد أنه "لا بد أن نشيد بقواتنا المسلحة الملكية التي قامت في 13 نونبر 2020 بتأمين حرية الأشخاص والبضائع بين المغرب وموريتانيا الشقيقة، وأضاف "وضع هذا العمل السلمي الحازم حدا للاستفزازات والاعتداءات التي سبق للمغرب أن نبه المجتمع الدولي لخطورتها على أمن واستقرار المنطقة". حسابات "البوليساريو" الخاطئة ولم تكن عملية الكركارات مجرد حلقة جديدة من صراع طويل ممتد لأربعة عقود ونصف بين المغرب من جهة وجبهة "البوليساريو" والجزائر من جهة أخرى، بل كانت نقطة تحول حاسمة أخذت الملف إلى مرحلة أخرى جعلت الكثير من المتتبعين يعتقدون أن حسمه صار أقرب من أي وقت مضى، ففي الوقت الذي كان فيه الانفصاليون يريدون إخراج أنفسهم من خانة النسيان بفرض واقع ميداني جديد، وجدوا أنفسهم بالفعل أمام تغيرات ميدانية لم تكن في الحسبان، إلا أنها قطعا لم تكن في مصلحتهم. وقُبيل العملية الميدانية المغربية، لم تكن جبهة "البوليساريو" المدعومة بخطاب رسمي وإعلامي جزائري، تُخفي رغبتها في فرض واقع جديد مُخالف لذاك الذي تلا اتفاق وقف إطلاق النار الذي أشرفت عليه الأممالمتحدة، من خلال فرض سطوتها على المناطق العازلة تمهيدا لإعادة توطين العديد من داعمي الجبهة خارج تندوف، وتحديدا في مناطق استراتيجية أبرزها الواجهة البحرية الأطلسية القريبة من الكويرة. وبدأ الأمر بانتقال العشرات من عناصر الجبهة إلى منطقة قندهار القاحلة في الكركارات، التي تستمد أهميتها من كونها المعبر البري الوحيد بين المغرب وموريتانيا، والتي سبق أن عاشت مشاهد قطع الطريق على الشاحنات التجارية المغربية كانت تنتهي بعد أيام نظرا لإلحاح الأممالمتحدة على ضرورة احترام الحركة المدنية والتجارية، لكن "البوليساريو" كانت مصرة هذه المرة على فرض الأمر الواقع بالمنطقة بل وإثبات سيطرتها على الشريط العازل الجنوبي إلى حدود المحيط الأطلسي، أين التقط عناصرها صورا احتفالية اعتقدوا معها أن الأمر قد حُسم. المغرب يفرض سطوته وكانت دعوة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لعناصر البوليساريو في أكتوبر من سنة 2020، بمغادرة المنطقة العازلة وعدم عرقلة حركة السير المدنية والتجارية، والامتناع عن اتخاذ أي إجراء من شأنه تغيير الوضع القائم بالمنطقة، والتي لم تستجب لها الجبهة التي اعتبرت أن الأمر يتعلق ب"احتجاج سلمي لأشخاص مدنيين لم يكن بتوجيه منها"، نقطة مفصلية استفاد منها المغرب دبلوماسيا للتأكيد على أنه ليس الطرف الذي يخرق التزاماته أمام المجتمع الدولي، ومن ثم التحرك ميدانيا بعد 3 أسابيع. ولم يتطلب الأمر تحريك الكثير من القوات إلى عمق المنطقة العازلة يوم 13 نونبر 2020 لإنهاء الأمر، وذلك بعد فرار عناصر "البوليساريو" بسرعة وفق تأكيدات وزير الخارجية ناصر بوريطة حينها، وفي الوقت الذي عجلت فيه الجبهة بإعلان العودة إلى الحرب، انشغلت الرباط بتنزيل الواقع الجديد في الكركارات، حين أعادت تبليط الطريق المؤدي إلى موريتانيا وافتتحت المعبر بحلته الجديدة قبل أن تبدأ المهمة الأكثر أهمية وهي مد الجدار الرملي. وبقيام المغرب بتمديد الجدار شرقا في منطقة "تويزكي" باتجاح الحدود الجزائرية، وفي أقصى الجنوب ليُغلق المجال على الواجهة الأطلسية، يكون قد استطاع تحقيق أكثر مما كان يطمح له ميدانيا قبل سنوات، ففي غشت من سنة 2016 رفضت الأممالمتحدة تواجد عناصر الجيش أو الدرك الملكي في "قندهار" للتصدي لعمليات التهريب، لكنها بعد واقعة الكركارات لم تُبد أي اعتراض على ضم المملكة أراضي جديدة إلى ما وراء الجدار، بل إن مجلس الأمن نفسه في تقريره الأخير لم يشر إلى هذه المسألة، الأمر الذي يُفسر الغضب العلني للجزائر و"البوليساريو". واقع جديد خلف الجدار لكن المتغيرات الميدانية بعد عملية الكركارات لم تتمثل في فرض المغرب سيطرته على المعبر التجاري وعلى أراض جديدة من المنطقة العازلة، بل أيضا من خلال فرض واقع عسكري جديد يجعل طموح مسلحي "البوليساريو" الاقتراب من الجدار الأمني أمرا مستحيلا، إذ في الوقت الذي لم تتوقف فيه الجبهة عن إصدار بيانات تزعم فيها "استمرار الأقصاف ودك تخندقات العدو" على حد تعبيرها، كانت تتكبد ميدانيا خسائر عديدة بعدما حسمت طائرات "الدرونز" المسألة. ففي أكتوبر الماضي، وبعد حديث تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الحرب في الصحراء عن أن ما يجري في الصحراء "أعمال عدائية منخفضة الحدة تنفذها مجموعة مسلحة، وتتركز أساسا بالقرب من منطقة المحبس" عمدت الجبهة إلى استدعاء صحفيين من منابر دولية لإثبات وجود "حالة الحرب" في المنطقة، لكن ما وثقه هؤلاء هو أن الطائرات المسيرة عن بعد فرضت واقعا جديدا خلف الجدار العازل، جعل الاقتراب منه يعني الموت، مثلما حدث مع الداه البندير، قائد ما يسمى "قوات الدرك" في تندوف والذي أنهت "الدرون" حياته في أبريل الماضي. وأضحى المغرب، منذ عملية الكركارات، متحكما أكثر من أي وقت مضى في مجريات الأمور ميدانيا خلف الجدار، ففي الوقت الذي كان يراكم فيه النقاط دبلوماسيا، بضمان الاعتراف الأمريكي بسيادته على الصحراء وافتتاح قنصليات عشرات الدول من قارات إفريقيا وآسيا وأمريكا، كان أيضا يكشف قدرته عمليا على تأمين كل مناطق الصحراء من تهديدات ما خلف الجدار بما فيها تلك المتاخمة للجزائر، لدرجة أن مناورات الأسد الإفريقي مع القوات الأمريكية والتي شهدت حضور عناصر "النيتو" وجيوش عدة دول، أجريت في منطقة المحبس القريبة من تندوف سنة 2021.