في الوقت الذي تنظر فيه الطبقة الحاكمة في الجزائر حاليا للمغرب ك"عدو كلاسيكي"، فإن التاريخ يُقدم المغرب كبلد لطالما كان "صديقا كلاسيكيا" للجزائر، ولازالت العديد من الشواهد التاريخية التي تُثبت كيف وقف المغرب إلى جانب جاره في المواقف الحالكة، سواء مع بداية الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر، أو في منتصف القرن العشرين مع بداية طرد الاستعمار. وتبقى من بين أبرز الشواهد التاريخية على الدعم "اللامشروط" للمغاربة للجزائر، هي معركة إيسلي الشهيرة التي وقعت في سنة 1844م، وتكمن أهميتها في كونها نقطة سوداء في تاريخ المغرب لأنها الباب الذي فتح على المملكة الاستعمار الأجنبي، لكنها بالمقابل تكشف بجلاء كيف ضحى المغاربة بدمائهم وخسروا ممتلكاتهم دفاعا عن أشقائهم الجيران. بعيدا عن تفاصيل المؤرخين، فإن معركة إيسلي التي وقعت في غشت 1844، كان سببها الرئيسي هو دعم المغرب للمقاومة الجزائرية التي كان يقودها آنذاك الأمير عبد القادر الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي، ولما اشتد الخناق على الأمير لم يجد سبيلا سوى دعم السلطان المغربي المولى عبد الرحمن والأراضي المغربية التي دخلها تجنبا لملاحقات الجيش الفرنسي. لجوء الأمير عبد القادر إلى المغرب في سنة 1842، دفع بالسلطات الفرنسية إلى مطالبة المغرب بإبقائه داخل حدوده وعدم تقديم أي مساعدة له أو للمقاومة الجزائرية، وهو الأمر الذي ظل المغرب يرفضه لحوالي عامين، واستمر في دعم المقاومة الجزائرية انطلاقا من حدوده الشرقية، مما تسبب في حدوث توتر بين المغرب وفرنسا، وكان من نتائجه حدوث معركة إيسلي شرق مدينة وجدة. حسب عدد من المؤرخين، فإن المغاربة وقعوا في أخطاء كثيرة تسببت في هزيمتهم خلال معركة إيسلي رغم أن عددهم الكبير أحدث في البداية حالة من الخوف في صفوف الجيش الفرنسي الذي كان يقوده الجنرال بيجو وفق رسائل هذا الجنرال نفسه، ومن أبرز هذه الأخطاء عدم إدراكهم للتفوق العسكري الفرنسي الذي كان مدججا بأسلحة عصرية، في حين كان المغاربة مدججون بأسلحة تقليدية عبارة عن بنادق ومدافع. ومن بين الأخطاء الأخرى، وفق المؤرخين دائما، هو أن الجيش المغربي، رغم تفوقه عدديا، لم يكن منظما وخبيرا بالتكتيكات الحربية المعروفة عن الجيش الفرنسي، خاصة أنه تجاهل الاستعانة بخبرة الأمير عبد القادر الذي كان ملما بالمواجهات العسكرية مع الفرنسيين أنذاك، كما أن الفوضى التي حدثت في صفوف الجيش المغربي خلال المعركة عندما قصف الفرنسييون خيمة الأمير محمد ابن السلطان المولى عبد الرحمن وانتشار شائعات وفاته، ساهمت بقوة في حدوث الهزيمة، وسقوط العديد من الجنود المغاربة في المعركة، قبل الانسحاب النهائي وانتصار الفرنسيين. ولم تقف انعكاسات الهزيمة عند مصرع المئات من الجنود المغاربة، بل تعدته إلى قيام فرنسا بعد ذلك إلى قصف عدد من المدن المغربية، مثل طنجةووجدة واحتلال الصويرة، إضافة إلى فرض عدد من الشروط على المغرب من طرف فرنسا، من أبرزها إيقاف الدعم للأمير عبد القادر والمقاومة الجزائرية. ويقول عدد من المهتمين بالتاريخ الاستعماري في شمال إفريقيا، أن المغرب كان بإمكانه تفادي معركة إيسلي وتداعياتها، خاصة أن فرنسا كانت تطالب فقط بإبقاء الأمير عبد القادر داخل حدود المملكة المغربية لإيقاف مقاومته، إلا أن المغرب رفض تلك المطالب وقرر مواصلة الدعم للجزائريين إلى النهاية التي دوّنها التاريخ.