كشف وباء كوفيد- 19 عن عمق التعاون بين المغرب والصين، والذي تجسد في تبادل تقديم الدعم والامدادات الطبية، والشراكة في مجال اللقاحات المضادة للفيروس، فضلا عن الحفاظ على التواصل المنتظم بين كبار مسؤولي البلدين، وعقد لقاءات افتراضية حول قضايا ثنائية وأخرى متعددة الأطراف. فمنذ اندلاع جائحة كوفيد-19 في الصين، سارعت المملكة إلى التعبير عن تضامنها المطلق مع الشريك الآسيوي وإرسال مجموعة من المواد الطبية التي كانت الصين في أمس الحاجة إليها وهي تواجه هذا التحدي الوبائي غير المسبوق في التاريخ الحديث. ومن جهتها قدمت بكين بعد تعافيها واستئناف إنتاجها، إمدادات طبية للرباط وسهلت لها اقتناء حاجياتها من الشركات الوطنية، فضلا عن تيسير السلطات الصينية لعملية إعادة المواطنين المغاربة من ووهان إبان ذروة تفشي الوباء بهذه المدينة التي كانت بؤرة الجائحة. كما تجسد التعاون بين البلدين في المجال الصحي في عقد سلسلة من الندوات واللقاءات الافتراضية بين الخبراء الطبيين بكلا البلدين بهدف تبادل المعلومات والخبرات والتجارب بشأن مكافحة الوباء وطرق التشخيص والعلاج، وكذا إدارة المستشفيات التي تستقبل حالات الإصابة وكيفية حماية العاملين الطبيين في الخطوط الأمامية. وتقاطعت مواقف وجهود الصين، العملاق الآسيوي، والمغرب، البلد الرائد إفريقيا، في تعزيز التضامن مع بلدان القارة الإفريقية وتقديم الدعم والمساعدات الطبية لها ومواكبتها في جهودها لمكافحة الوباء. وفي هذا الصدد، بادر المغرب، بتعليمات ملكية، إلى إرسال مجموعة من المواد والمعدات الطبية للعديد من البلدان الإفريقية لمساعدتها في جهودها لمواجهة فيروس كورونا، في خطوة لاقت إشادة دولية واسعة. وفي هذا السياق، أشاد سفير جمهورية الصين الشعبية بالمغرب، لي لي، بمبادرة الملك محمد السادس الرامية لدعم بلدان القارة الإفريقية في مواجهة جائحة كورونا المستجد، معتبرا أن "المغرب يمثل نموذجا لباقي الدول في التعاطي مع هذه الجائحة". وأعرب لي لي، خلال استقباله في 3 يوليوز الماضي، من طرف رئيس مجلس النواب، الحبيب المالكي، على إثر انتهاء مهامه الدبلوماسية بالمملكة، عن تقدير بلاده لجهود الملك الرامية لدعم بلدان القارة الإفريقية في مواجهة الوباء، مشيدا أيضا "بالدعم الهام الذي قدمته المملكة المغربية لجمهورية الصين الشعبية مع بداية انتشار الوباء". غير أن أبرز ملامح التعاون بين الصين والمغرب خلال أزمة الوباء، والتي تعكس الثقة السياسية المتبادلة وعمق الشراكة الثنائية، تجسد في توقيع المغرب، في 20 غشت الماضي، اتفاقيتي شراكة مع المختبر الصيني سينوفارم (CNBG) في مجال التجارب السريرية حول اللقاح المضاد ل (كوفيد 19). ووقع هاتين الاتفاقيتين، عبر تقنينة الفيديو بالرباطوبكين، عن الجانب المغربي خالد أيت الطالب وزير الصحة، وعن الجانب الصيني مسؤولي المختبر، بحضور ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج. وبهذه المناسبة، أوضح بوريطة، أن هاتين الاتفاقيتين جاءتا لتعزيز وتوسيع دينامية التعاون بين الرباطوبكين ب"بعد جديد وواعد"، مضيفا "إننا نضع اليوم خطوطا لعلاقة طلائعية ومتبصرة (...) من خلال تمهيد طريق لحضور استراتيجي لمختبر سينوفارم بالمغرب". وذكر بوريطة بأنه منذ بداية هذا الوباء، اختار المغرب التوجه إلى الصين "كشريك متميز في هذا الاختبار الصعب، وكان المغرب على صواب في هذا الاختيار، لأن دعم الصين لم يتراجع أبدا، لقد كان ثمينا وفاعلا وسخيا". وفي خطوة تعكس تميز العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين، أجرى الملك محمد السادس، يوم 31 غشت الماضي، مباحثات هاتفية مع الرئيس الصيني، شي جينبينغ. وتندرج المباحثات في إطار علاقات الصداقة القائمة بين البلدين، والتي ارتقت بتوقيع الإعلان المشترك المتعلق بإقامة شراكة استراتيجية، الذي وقعه الملك محمد السادس والرئيس شي جينبينغ، خلال الزيارة الملكية لبكين في ماي 2016. وتطرقت هذه المباحثات الهاتفية لتطوير العلاقات الثنائية في جميع المجالات، ولاسيما الحوار السياسي، والتعاون الاقتصادي والمبادلات الثقافية والانسانية، فضلا عن الشراكة بين البلدين في مجال محاربة كوفيد 19. وفي إطار هذه الدينامية، أجرى بوريطة، في 22 أكتوبر، اتصالا هاتفيا مع نظيره الصيني، وانغ يي. وانصب هذا الاتصال، الذي يندرج في إطار التشاور المستمر بين كبار مسؤولي البلدين، على تتبع المباحثات الهاتفية التي أجراها الملك والرئيس الصيني. كما تم التطرق لعدة مواضيع ذات البعد الاقليمي والدولي ذات الاهتمام المشترك. وفي مجال شراكة الأعمال، تم قطع خطوة مهمة في المشروع الطموح مدينة محمد السادس "طنجة تيك" بانعقاد حفل افتراضي عن بعد، في 3 نونبر الماضي، للتوقيع على اتفاقيات الشراكة مع "تشاينا كومنكيشن كونستركشن كومباني" (سي سي سيسي) / "تشاينا رود أند بريدج كوربورايشن" (سي ار بي سي) من بكين، وجهة طنجة-تطوان-الحسيمة والوكالة الخاصة طنجة-المتوسط منطنجة، وبنك إفريقيا (البنك المغرب للتجارة الخارجية) من الدارالبيضاء. ومن خلال هذه الاتفاقيات، تكون (سي سي سي سي) / (سي ار بي سي) قد دخلت بشكل رسمي في رأسمال شركة تهيئة مدينة "طنجة تيك" بحوالي 35 في المائة، إلى جانب البنك المغربي للتجارة الخارجية وجهة طنجة-تطوان-الحسيمة والوكالة الخاصة طنجة-المتوسط، وهوما سيعزز دائرة المساهمين في رأسمال شركة التهيئة. وفي سياق تعزيز التعاون الاقتصادي بين المجموعات المالية والشركات بكلا البلدين، وقع بنك إفريقيا (فرع شنغهاي) التابع لمجموعة البنك المغربي للتجارة الخارجية، يوم 12 أكتوبر ببكين، مذكرة تفاهم مع "غرفة التجارة الصينية لتصدير واستيراد الآلات والمنتجات الالكترونية"، تهدف الى تعزيز التعاون بين الجانبين في مجال العمليات المالية والتجارية. كما وقع بنك إفريقيا، في 7 نونبر الماضي، مذكرة تفاهم مع Zhejiang China Commodity City (مجموعة CCC) بمناسبة الدورة الثالثة لمعرض الصين الدولي للاستيراد. وتندرج هذه المذكرة التي جرى التوقيع عليها، بحضور على الخصوص المدير العام لبنك افريقيا شنغهاي سعيد أدرين، ونائب الرئيس، المدير العام لمجموعة CCC، في إطار تطوير البرامج اللوجستية، والتي تهم المواكبة المالية للمجموعة الصينية من أجل تعزيز حضورها على الصعيد الدولي وخاصة في إفريقيا، من خلال المجمعات التجارية واللوجستية. من جانب آخر، عقد البلدان سلسلة من الندوات الافتراضية همت عددا من المواضيع وخاصة ذات الطابع الاقتصادي. وفي هذا السياق، أبرز سفير المغرب لدى الصين، عزيز مكوار، خلال افتتاح معرض التجارة الدولية الرقمي لعام 2020 بين الصين والشرق الأوسط وشمال إفريقيا (المغرب)، في 19 نونبر، أن المشروع الطموح مدينة محمد السادس "طنجة تيك"، يعتبر نموذجا لمشاريع التعاون البارزة التي يجري تنفيذها بين البلدين. وأوضح السيد مكوار في كلمة عبر الفيديو، أن الشركات الصينية تحظى بالتشجيع للعمل في هذه المنطقة الصناعية مع حوافز ضريبية كبرى، وبنيات تحتية متطورة تمكن من الوصول دون عوائق إلى أكبر ميناء في غرب البحر المتوسط "ميناء طنجة المتوسط"، مذكرا أن المغرب قد انضم رسميا إلى مبادرة الحزام والطريق في نونبر 2017، وأصبح بذلك لدى الصين والمغرب منصة جديدة لتعزيز التعاون الثنائي. وبخصوص قضية الصحراء المغربية، شجعت الصين على مواصلة مسلسل الموائد المستديرة في جنيف بين المغرب والجزائر وموريتانيا و"البوليساريو"، الذي بدأه المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، هورست كوهلر. واعتبرت الصين، في تعليل تصويتها على القرار رقم 2548 بشأن الصحراء المغربية، الذي اعتمده مجلس الأمن، أنه يتوجب تعيين مبعوث شخصي جديد للأمين العام "لتسهيل استئناف مسلسل الموائد المستديرة في جنيف، وخلق الظروف المواتية للتقدم" نحو حل سياسي لهذا النزاع الإقليمي. وأكدت بعثة الصين لدى الأممالمتحدة أن "الصين ستواصل الحفاظ على موقف موضوعي وعادل" وتشجيع الأطراف على إيجاد "حل سياسي عادل ودائم ومقبول لدى الأطراف من خلال الحوار والمفاوضات على أساس قرارات مجلس الأمن ذات الصلة". ولعل أبرز حدث ميز العلاقات المغربية الصينية في عام 2020 هو افتتاح الخط الجوي المباشر بين البلدين، حيث حطت، يوم 17 يناير الماضي، بمطار داشينغ الدولي بالعاصمة الصينية طائرة تابعة للخطوط الملكية المغربية، من طراز "بوينغ 787-9 دريملاينرز"، وهي تحمل وفدا مغربيا رفيعا، مدشنة بذلك أول رحلة جوية مباشرة لها بين الدارالبيضاءوبكين. وتفاعلا مع هذا الحدث، كان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، قنغ شوانغ، قد صرح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن "إطلاق خط جوي مباشر جديد بين الصين والمغرب سيساهم في تعزيز المبادلات والتعاون بين البلدين في مختلف المجالات، بما فيها التجارة والثقافة والسياحة، وتعميق التفاهم المتبادل والصداقة بين الشعبين". ويتطلع البلدان إلى مرحلة ما بعد الوباء لاستئناف زيارات الوفود السياحية وتعزيز التبادلات الشعبية، ومواصلة دينامية المشاريع الاقتصادية والتجارية المشتركة والنهوض بالتعاون الثلاثي الأطراف لفائدة إفريقيا، وذلك استنادا إلى العلاقات السياسية والدبلوماسية المتميزة التي تجمع بين البلدين والزخم الذي ضخته الشراكة الاستراتيجية الثنائية. *و.م.ع