* إلى رئيسِ الحُكومة... هذا حالُنا اليوم.. في خِضمّ أزمةِ "سياسةٍ إعلاميّة".. وبوضوح: عندنا أزمةٌ مكشوفةٌ في "السياسة الإعلامية".. وبتعبيرٍ أوضح: لا وجود للسياسةِ الإعلامية التي تُغطي كل حقولِ القطاعاتِ الحيّة للبلد: سياسيّا واقتصاديّا واجتماعيّا وصحّيّا وغيرِها، وتربطُ بين هذه القطاعات في شبكةٍ سياسيةٍ موحّدة.. وهذا ما يُحدثُ خللاً في ما تُقدّمونه بقنواتِكم، وأبرزُها معلوماتٌ وأخبارّ هزيلةٌ مُكرّرة، وملفوفةٌ بلُغةٍ خشبيّة هزيلةٍ لا تهُمّ الناسَ لا في حياتِهم الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو التّشغيلية... وعلى العمُوم هي أخبارٌ تخويفيّة.. تُزعِجون بها الناس، لا أكثرَ ولا أقلّ.. أخبارٌ لا تتضمّن معلوماتٍ مُهمّةً يتداولُها الناس.. إنها معلوماتٌ هامشية.. وليست قريبةً من الرأيِ العام، لا من حيث الزمان، أو المكان، أو المَشاعر، أو الحالةِ النفسية، أو تبادُلِ الخدمات.. معلوماتٌ ما هي إلاّ بياناتٍ غيرِ مُستَحدَثة، ويظغى عليها الضغطُ النفسي، وكأنّ الهَدفَ ليس التّبشيرَ بحُلول، بل إحداث المزيدِ من التوترِ الاجتماعي، في وقتٍ هو أصلاً مُتوتّر.. ولا يُقدّمُ جديدًا على الصّعيد العِلمي، وعلى مُستوى البحثِ العلمي، والابتكارِ والاختِراع.. * انتَهَى المَستُور! ولا سياسة لإعلامِنا الوطني.. واتّضحَت الرّؤية.. وأدخَلتُم البلادَ في صُلبِ تعقِيداتِ "الصّحافةِ والإعلاَم".. أزمةٌ في ظاهرِها إخباريةٌ عادِيّة، وفي باطنِها اقتِناعيةٌ إقنَاعيّة.. ومعَها نكتَشِفُ أنّ مَن لا يَقتنعُ بالمَعلُومات، لا يُقنِعُ بها المُتَلقّي.. وهذا يحدُثُ لأيّ مُقدّمٍ للنّشرات، صحافيّا كان أو طبيبًا لأحوال النّفسِ البشرية.. والطبيبُ النفسي، وأنتَ نفسيٌّ في مَوقعِ رئاسةِ الحكومة، لا يَستطيعُ إقناعَ المُشاهِدين والمُستَمِعين بما هو نفسُه لاعِبٌ خارجَ الاقتِناع.. ولرُبّما جرّبتَ هذا - يا رئيسَ الحكومة - وأنتَ تُحاوِلُ إقناعَ الناس بالكمّامات، فتَنصَحُ تارةً بها.. وتارةً لا تنصَح.. ثمّ تَراكَ مُتلَعثِمًا بين النّصِيحةِ وعكسِ النّصيحة.. وتعليقاتُك العُموميّةُ بشأنِ "فيرُوس كُورُونا" غنيّةٌ بالمُنزَلقاتِ اللّسانية، وبِما يُنِمّ عن أنّ سيادتَك تتَحدّثُ عن موضُوعٍ أنتَ تجهلُه.. * طبيبٌ نفسانيّ يقولُ أيَّ شيء، وبلا معنَى! وكأنهُ لا يُفرّقُ بين "فتاوَى" فيرُوسيّة، ويرتَبِكُ في مدَى تأثيراتِها النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وحتى في مدَى تأثيرِها على الانتخاباتِ القادمة.. ويبدُو أنّ عندَكُم إشكاليةً تكمِيلية، وتتمثّلُ في ضبطِ المعلُومات، وتنظيمِ الأفكار، والتأكّدِ من سلامةِ التّسلسُلِ العِلمِي، في تناوُلِ قضيّة كُورُونا، باعتِبارها قضيةً صِحيّة، نفسية، اقتِصادية، اجتماعية.. وأنتُم عاجِزون عن القفزِ على هذه الحَواجز، إلا إذا أقنَعتُم مَن تخاطبُونَهم.. وأنتُم قد فشلتُم في الإقناع، لأنكم أنتُم في الأصلِ غيرُ مُقتَنِعين.. وهذا حالُ حُكومةٍ لا هي اقتِناعيّة ولا هي إقناعيّة.. وأنتُم قد أثّرتُم على كثير من الناس، عندما كنتُم في المُعارَضة، تحتَ مِظلّة حزبِ "تُجّارِ الدّين".. كنتُم تُعارِضُون غيرَكُم بلُغةٍ لا تخلُو من الظلمُ الاجتماعي، والتّفقير، ومن توابِلِ عذابِ القَبر، ونارِ جهنّم، ومِن "بئسَ المَصير".. فاعتَقدَ ناخِبُون كثيرُون أنكُم من التُّقاة، ومِمّن يخافُون ربّ العالمين، وأنّ أتباعَكم لا يَسرِقُون، ولا يَنهبُون، ولا يَظلِمُون.. حسِبناكُم هكذا، فإذا أنتُم ككُلِ الأباطِرة، تفعَلون ما هُم يَفعلون، من الصّغائرِ والكَبائر.. وتُقدّمُون في تلفَزةِ الدّولة مَعلُوماتٍ مشكُوكا في سلامتِها النفسية والعقلية والعصبيّة.. والمُشكلُ ما زال قائما.. * وفي الواقع، فاتَ أوانُ العِلاج.. لم يعُد مُمكنًا تدارُكُ المَوقِف.. "الأزمةُ الإعلامية" أصبَحت مُستفحِلةً في صفوفِ الحُكومة.. لقد تجاوَزَت مَرحلةَ التّوقّع، ومَرحلةَ المُواجَهة، ومَرحلةَ الحَسمِ والعِلاج.. وانتَهَى الوَقت، ولم يعُد بإمكانِ حكومتِك، إنقاذَ الدّورِ الإعلامِي في مُواكبةِ أزمةِ كُورُونَا، وما يُماشِيها من أزمةٍ اقتصادية، وأزمةٍ نفسيّة، وأزمةِ ثقةٍ في العلاقةِ بينَ الحكومة، ومَن يَستَهلكُون المَوادَّ الإعلامية.. لو كانت لحُكومتك سياسةٌ إعلاميةٌ واضِحة، وعلى أساسٍ قانوني، لأدرَكْتَ - يا سيادةَ رئيسِ الحكومة - أنّ أثمَنَ ما قد تَملكُهُ الحكومةُ هو أن يثِقَ الناسُ في أخبارِها.. وأخبارُ الحكومةِ فيها ما فاتَ وقتُه، وما هو سابقٌ للأوان، وما لا يُفيدُ ولا يُجدِي، لا للحِاضر، ولا للقادِم.. وفي أخبارِ الحكومة ما أصبحَ كالمُستنقَعات، تضُرّ ولا تَنفَع.. أخبارٌ ما هي بأخبار، ولا يُضفِي عليها صفةَ الأخبار إلاّ بثُّها في "نَشراتِ أحوالِ الطّقس".. واليوم، وفي أجواءِ "الأحداثِ" اللاّمُتَقدّمة واللاّمُتأخّرَة واللاّ ما بينَهُما، وبعد تقادُمِ المعلُوماتِ والتّحاليل، وفواتِ الأوان، لا الأخبارُ كلّها صحيحة، وذاتُ مِصداقيّة، ولا التّحاليل، ولا قراءةُ آفاقِ الفيرُوس، ولا ما يُواكبُ الفيروسَ من إشكالياتٍ صحّية ونفسيّة وتشغيليّة وغيرِها... كان اللهُ في عونِ "حكومةِ الإخبارِ واللاّإخبار".. لا هي تسبِقُ الأحداث.. ولا هي تُبدِعُ وتتَفنّنُ في تجديدِ القديم، ولا في إحياءِ ما قد ماتَ وانتَهى.. إذا تأخّرَت الحكومة، فتلك مُشكلة، وإذا تقَدّمَت، فالمُشكلةُ أكبَر، وفي كل الأحوال، هي لا تعرفُ رأسَها من قدَمِها.. * فيا سيادةَ رئيسِ "حكومةِ الإخبار"! عندك أزمةُ "سياسةٍ إعلامية" مُستَفحِلة.. واسأَلْ من تستَشيرُهم، عسَى أن يُقدّموا لك الفرقَ بين الصّحافةِ والإعلامِ والوسائلِ السّمعيةِ البصرية الأخرى التي تَزخرُ بها الشبكةُ العَنكبُوتية.. لقد خسِرْتَ الخِطابَ الصحافي، والخطابَ الإعلامي، ومِن خلالِهما يَجنحُ الناسُ إلى "فَتاوَى" مُشَعوِذِي حزب "تُجّار الدّين".. أين أصحابُك في نقابةِ الصحافة؟ ومُحيطُك في المجلس الوطني للصحافة؟ هل يُشرّفك ما فعلُوا في بطاقة الصحافة، وبطاقةِ القطار؟ وأين من أتيتَ بهم من المرحُومة "وزارة الاتصال"، وحشَرتَهُم في مَناصبَ عُليا؟ أينَ مُستشارُوك، أنتَ وسابقُك برئاسة الحكومة، في إنتاجِ قانُون الصحافة؟ هل أنت الآن مُقتنعُ بقانون الصحافة الجديد؟ هل أنتَ مُقتنِعٌ بإرسالِ صحافيّين إلى السّجن، حتى ضدّ قانون الصحافة؟ هل ضميرُك مُرتاحٌ لاعتقال صحافيين؟ وأين خبُراؤُك الذين يُكثِرُون التعاليقَ بشأن الفيرُوس الاقتصادي، والاقتصادِ الفيروسِي؟ ألم يُخبرُوك بالحلّ الذي كان مُمكِنًا، وأصبحَ اليومَ مُستحِيلا؟ ألم يُخبرُوك بأن أقربَ طريقِ إلى قلبِ المُشاهِدِ والمستَمعِ والقارئ، ليس هو الكَلام، بل الصّدق، وبتعبيرٍ آخر: الأخبارُ الصّحِيحة؟ * ولقد فاتَك القِطار.. أين الأخبارُ الصّحيحةُ في تصريحاتِك أنتَ ومن معك؟ مرةً تقول: الكَمّامةُ ليست ضرورية، وفي أخرى تقولُ العكس.. ثم تُصدِرُ "قانونًا" لاعتقالِ من لا يضعَ الكمّامة.. ما هذا الارتِباك؟ * ارتِباكٌ بلا حدود.. والوضعُ كان يمكنُ أن يختلف، لو راهَنتُم على الخبرِ الصحيح، بدلَ الأخبارِ المشكوكِ فيها.. لو كنتُم مُواظِبينَ - أنت وإعلامُك ومن معكُما - على تقديم الأخبارِ الصّحيحة، والبرامجِ الحِواريةِ المتفاعِلَةِ للرأيِ والرأيِ الآخر، لكانت الأحوالُ بشكلٍ آخر.. ولو كانت آذانُك مفتوحةً للمُجتمَع، لفَهمتَ أنّ الشارعَ أدرَى بالفيروس، وبالحياةِ اليومية، وبالحياة العامة.. لو كنتَ قريبًا من الحقيقة، لكانت الثقةُ الاجتماعية قريبةً منك.. ولكنك اخترتَ الطريقَ الأخرى.. البعيدة عن الواقع.. ومن يَبتعدُ عن الواقع، يبتَعدُ الواقعُ عنه.. ولا يحظَى بثقةِ الناس، ولو كان نفسانيّا! وأنت طبيبٌ نفساني.. أليس كذلك؟ ما مُستقبلُ الحالة النفسية في مغربِ "ما بعدَ كُورُونَا"؟ إذا كنتَ تعرِف، فتلكَ مُشكِلة، لأنّنا لا ننتَظرُ منك جوابا حاسما.. وإذا كنتَ لا تعرف، فالمشكلةُ أَعقَدُ وأعوَص.. وقد يكُون أفضلَ أن تستَشيرَ أحدَ مُتدَرّبيك، ليُمْلُوا عليك ما يتَوجبُ فعلُه لمُواجهة الأمراضِ النفسيةِ والعقليةِ والعصبيّة، بأنواعِها وأشكالِها، في وقتِ "ما بعدَ كُورُونا".. وإذا أرَدتَ الحقيقةَ كما هي، وتكسِبَ بها المُشاهدِين والمُستمِعين، فاستَضِف بالتلفزيون حالاتٍ مَرَضيّة، لِكي تَحكي لك عن مُعانِاتِها في الوَقتِ الرّاهِن.. واضِحٌ أنكَ خارجَ السّياق.. ولكنّك تستطيعُ تدارُكَ المَوقِف، وخاصةً في شقّ المُنزلَقات التي يَتسبّبُ فيها سوءُ قراءةِ الوَقائع.. فهل سيادتُك على استِعدادٍ للخُروجِ إلى الشّارع، والاستِماع إلى مُختلفِ فئاتِ المُجتمع؟ إنّ الأخبارَ الكاذبة، ومعها المَعلوماتُ الكاذِبة، وكلُّ ما هو كاذبٌ على لسانِ أي مَسؤولٍ حُكومي، يُضعِفُ من ثقةِ الناس، على كل المُستوَيات.. وبتآكُلِ أخبارِ الحُكومة، تَتآكلَ الثّقةُ المُتبادَلة.. وتتَحوّلُ الحكومةُ إلى واحدةٍ من الكراكيز، أو البالوناتِ المنفُوخة! ويَستحِيلُ أن تكُونَ حكومةً مرفُوعةَ الرأس، ما دامت غارقةً في "أزمةِ الإعلام"، وعاجزة عن إصلاحِ أَخبارٍ غير قابلةٍ للإصلاح.. كما يستحيلُ أن تستقرّ حُكومةٌ في مَوقعِ السلطةِ التّنفيذية، ما دام دورُها مُتأرجِحًا بين مَوقفيْن مُتعارِضيْن: مُعارِضٌ سلبيّ وذُوو نَظرةٍ عدَميّة، وآخرُ يُزغردُ ويُطبّل لقراراتِها، وحتى بعينٍ غامِضة.. وهذا حالُ حُكومتِنا: فإمّا هي بدُونِ عيْن، أو لا تَنتَظرُ من غيرِها إلاّ المديح.. ولو كان مديحًا غيرَ مُستحَق.. وتنتَظرُ من الإعلامِ المَديح، حتى وهي حكومةٌ غارقةٌ في أزمةِ حُريّةِ التّعبِير.. * ابحثُوا عن سياسةٍ إعلاميةٍ واضِحة! [email protected]