«الرئيس السوري بشار الأسد كان على وشك الاستقالة لولا قاسم سليماني القائد السابق ل«فيلق القدس» الإيراني الذي أثناه عن ذلك». من قال هذا الكلام ليس مسؤولاً سياسياً أو أمنياً كبيراً في طهران، فهو لا يعدو أن يكون الرئيس السابق لهيئة ترميم الآثار الدينية التابعة للحرس حسن فلارك، ولكن أن تنشر الحوار معه وكالة «فارس» شبه الرسمية قبل يومين فأمر لافت للانتباه حقاً. صحيح أن الرجل لم يخض في التفاصيل ولم يذكر تاريخاً محدداً للواقعة وسياقها مكتفياً بالقول إن «الأسد كان يفكر في المغادرة واللجوء إلى بلد ثان»، لكن الوكالة نشرت ذلك ولم تحذفه إلى حد الآن كما فعلت بعد دقائق في آب/أغسطس 2018 مع تصريحات لمسؤول آخر في «الحرس الثوري» ذكر فيها إصدار أوامر للحوثيين في اليمن باستهداف ناقلة نفط سعودية. يأتي هذا الكلام بعد إشارة سابقة بالمعنى نفسه وردت في كتاب بعنوان «رسالة الأسماك» لغول علي باباي أحد قادة الحرس الثوري الإيراني أورد فيه ما قاله الجنرال حسين همداني الذي قتل في ضواحي حلب من أن الأسد ظن أن الاحتجاجات ستطيح به وأنه على وشك اللجوء إلى بلد مثل روسيا. لم يكتف فلارك بكشف هذه الحادثة التي تظهر الأسد بمظهر الضعيف الذي يكاد يستسلم ويفر، وإنما أضاف بأن قاسم سليماني الذي قتل في ضربة جوية أمريكية قرب مطار بغداد في كانون الثاني/ يناير الماضي هو من «ناضل لوحده في أزمة سورية واستطاع إنقاذها» مما يسلط الضوء أكثر على الصورة التي للأسد عند حلفائه في طهران. وحتى تكتمل الصورة أكثر فإن كتاب «رسالة الأسماك» الذي صدر عام 2016 يشير أيضا، وفق التقارير الصحافية التي استعرضت أهم ما جاء فيه، إلى ما قاله الجنرال الهمداني وهو يخاطب القادة العسكريين الإيرانيين من أن الرسالة التي بعثها بشار الأسد إلى المرشد يظهر فيها كأنه جندي يخاطب قائده العسكريز.. ثم يتساءل الجنرال الإيراني كيف تريدون منا ألا نقف وندعم الأسد؟!! وعلى غرار ما فُهم وقت صدور الكتاب قبل أكثر من ثلاث سنوات وقتها من أن ما ورد فيه هو رسالة تذكير للرئيس السوري بحالة اليأس التي كان عليها عند طلب النجدة، فإن ما قاله الآن حسن فلارك يبدو هو الآخر غير غريب عن هذا السياق الذي يطفو بين فترة وأخرى ليذكّر الأسد بفضل طهران عليه الذي يجب ألا ينساه وألا يتوقف عن التسبيح بحمده في كل خطاب قد يكتفي فيه بالاشارة إلى «صمود الجيش العربي السوري» والإشادة بالحليف الروسي من دون أن يعطي الجانب الإيراني الصدارة في الشكر والثناء كما تتمنى طهران وكما ترى نفسها جديرة به بلا جدال ولا منازع. هنا يتضح أنه كما تمعن موسكو في الحط من قيمة الأسد في أكثر من موقف ومن اجتماع من دون أن تنخرط في تصريحات في هذا الاتجاه، فإن طهران تفضل أن تفعل ذلك على طريقتها عبر مسؤولين لا يلفت مركزهم الأضواء كثيراً لكنهم لا ينطقون عن الهوى أبداً. وفي كلتا الحالتين، فإن الرئيس بشار هو المستهدف بدرجات مختلفة ولحسابات ليست واحدة بالضرورة والنتيجة أن الحليفين الأقوى له إنما يزايدان على بعضهما في إظهار تفردهما في نصرة نظامه وهذا هو المن والأذى بعينهما. أما قاسم سليماني فيتضح من خلال ما كشف النقاب عنه في تصريح فلارك أن الراحل لم يكتف بما فعله بالسوريين الذين شارك النظام في جريمة تقتيلهم وتشريدهم، بدعوى محاربة الإرهاب، وإنما أيضاً منع الأسد من أن يرتاح ويريح... وبالتالي فهو «لا رحم ولا ترك رحمة ربنا تنزل» على ما يقول المثل المعروف ومن هنا لم يكن غريباً أن يبدي معظم السوريين البهجة التي أبدوها في أعقاب مقتله لأنه لا يشعربالجمر الحارق إلا من يدوسه برجله كما يقول المثل الشعبي الآخر. لنتخيل للحظة أن الأسد غادر دمشق ذلك اليوم، الذي لا نعرف متى كان بالضبط، ولجأ إلى أي بلد يشاء، والأرجح موسكو، أي آفاق كان يمكن أن يفتحها هذا التطور الدرامي؟ وقتها ما كان سيحدث هو إما أن يصبح التدخل الإيراني، وربما الروسي لاحقاً لأننا لا نعرف تاريخاً محدداً لما كان يعتزم الأسد القيام به، بلا أي غطاء رسمي فتؤول الأمور إلى هيمنة إيرانية أو روسية مفضوحة على بلد بلا قيادة، وإما أن تسير الأمور نحو المسارعة بتسوية تجمع شمل كل السوريين بدون بشار بحيث كان يمكن ألا نشهد كل هذه المآسي المتلاحقة في سوريا، وآخرها ما يجري حالياً في إدلب من معاناة رهيبة يقف العالم في عجز مقيت أمامها. ليتك يا سليماني ما فعلتها! ليتك تركته يغادر... على افتراض أن بشار كان فعلاً يمتلك قرار أن يفعلها أم لا. *عن القدس العربي