لم يكد مجلس النواب المغربي يوافق بالإجماع، أمس الأربعاء، على تبني مشروعي قانونيين لترسيم حدوده البحرية وخلق منطقة اقتصادية جديدة داخلها، حتى دقت إسبانيا، عبر إعلامها وسياسييها، ناقوس الخطر من تبعات هذا القرار التي اعتبرت نفسها متضررة منه، وهو الأمر الذي كانت أحد أسبابه الثروة مهمة القابعة أسفل المياه الأطلسية الواقعة ما بين سواحل الأقاليم الجنوبية المغربية وجزر الكناري الإسبانية. وصادق النواب على مشروع قانون رقم 37.17 بتغيير وتتميم الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.73.211 الصادر في 2 مارس 1973، المعينة بموجبه حدود المياه الإقليمية للمغرب، ومشروع قانون رقم 38.17 بتغيير وتتميم القانون رقم 1.81 المنشأة بموجبه منطقة اقتصادية خالصة على مسافة 200 ميل بحري عرض الشواطئ المغربية، وهو الأمر الذي أعاد عمليا رسم خارطة الحدود البحرية المغربية. كنز تحت الماء وتعني الخطوة المغربية بسط الرباط لولايتها القانونية على 12 ميلا بحريا، أي 22 كيلومترا، من المياه الإقليمية و200 ميل بحري، أي 370 كيلومترا، من المنطقة الاقتصادية الخالصة على طول الساحل المجاور للأقاليم الجنوبية ما سيمنحه امتدادا للجرف القاري ب350 ميلا بحريا، أي 648 كيلومترا، وهذه المنطقة بالتحديد هي التي ستضعه في مواجهة مباشرة مع إسبانيا، بتداخلها مع الامتداد الخاص بالحدود البحرية لجزر الكناري. وتوجد جنوب هذه الجزر مجموعة من الجبال الواقعة تحت سطح البحر والتي تدعي إسبانيا امتلاكها جميعها، لكن جبلا مهما منها سيصبح موضوع نزاع مع المغرب، ويتعلق الأمر بجبل "تروبيك" الموجود على عمق نحو 1000 متر، والبعيد عن جزيرة "إل هييرو" بنحو 500 كيلومتر، وهو جبل تؤكد الدراسات أنه غني بالمعادن المهمة، وأبرزها 10 في المائة من الاحتياطي العالمي من "التيلوريوم" المستعمل في صناعة ألواح الطاقة الشمسية والإلكترونيات، ومخزون ضخم من "الكوبالت" المستخدم في صناعة السيارات والصناعات العسكرية. وحسب ما أوردته صحيفة "ABC" الإسبانية، فإن جبل تروبيك يمثل "أكبر مستودع في العالم للتيلوريوم، إذ يقدر إجمالي مخزونه ب2670 طنا، بالإضافة إلى ضمه لكميات أكبر ب54 مرة من المخزون العالمي الحالي لمادة الكوبالت، وهي الكمية الكافية لتصنيع 270 مليون سيارة كهربائية، وتعتبر إسبانيا هذا الجبل ملكا لها بناء على دراسات لتربته التي تقول إنها لا تتوافق مع تلك الموجودة في القارة الإفريقية وإنما مع العينات المأخوذة من جزر الكناري. تحركات سياسية وبدأت إسبانيا تحركاتها لوقف الخطوة المغربية المتعلقة بالحدود منذ إقرار لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج بمجلس النواب لهذا الأمر منتصف دجنبر الماضي، سواء عبر حكومة مدريد المركزية والحكومة المحلية في جزر الكناري، هذه الأخيرة التي طلب رئيسها رسميا من وزيرة الخارجية الإسبانية الجديدة مؤخرا "الدفاع بوضوح عن المياه الإقليمية الإسبانية في مواجهة المغرب". أما تحالف الكناري اليميني فمضى أبعد من ذلك حين طالب الحكومة الإسبانية برفع شكوى لدى الأممالمتحدة فور إقرار البرلمان المغربي بالحدود البحرية، انطلاقا من ككون أن هذا القرار "أحادي"، بالإضافة إلى أنه، حسب التيار السياسي نفسه، "ينتهك المياه الإقليمية الإسبانية ولا يتوافق مع القانون الدولي الذي لا يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء". وأعلنت وزيرة الخارجية الإسبانية، أرانشا غونزاليس لايا، أنها ستحل بالرباط يوم غد الجمعة في أول زيارة لها خارج إسبانيا منذ توليها المسؤولية الحكومية، لمناقشة هذا الأمر مع المسؤولين المغاربة، ومباشرة بعد مصادقة البرلمان على مشروعي القانونين كتبت الوزيرة على حسابها في موقع "تويتر" أن "إسبانيا والمغرب يتفقان على أن ترسيم الحدود البحرية التي لا تزال معلقة لا يتم من جانب واحد، بل بإتفاق متبادل بين الطرفين ووفقًا للتشريع الدولي الحالي". قضية سيادة لكن وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، اعتبر في المقابل أن مشروعي القانونين المصادق عليها "يكتسيان أهمية خاصة في سياق مسلسل تحيين الترسانة القانونية الوطنية المتعلقة بالمجالات والحدود البحرية للمملكة المغربية"، موردا أنهما جاءا بناء على التوجيهات الملكية التي "تستنهضنا لتدارك الفراغ التشريعي الذي يعتري المنظومة القانونية الوطنية المتعلقة بالمجالات البحرية، وملاءمتها مع السيادة الوطنية للمملكة، الكاملة المكتملة في حدودها الحقة، الترابية والبحرية، بل والجوية أيضا". وأورد بوريطة أن هذه الخطوة تأتي ل"ملاءمة التشريعات الوطنية مع بعض الالتزامات والاستحقاقات الدولية، مسجلا أن تحيين الترسانة القانونية الوطنية يشكل فرصة لملاءمتها مع مقتضيات اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار لسنة 1982 وتجويد بعض الأحكام التي تتضمنها، مؤكدا أن تحديد المجالات البحرية الوطنية يعد "مسألة داخلية وعملا سياديا يحتكم بالأحكام الصريحة لاتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار". لكن بوريطة لم يقفل الباب أمام الحوار مع إسبانيا بهذا الخصوص، إذ اعتبر أن ترسيم الحدود البحرية الخارجية يظل مسألة دولية قابلة للتفاوض بين المغرب والدول التي لها شواطئ متاخمة أو مقابلة له، وخاصة إسبانيا، التي قال عنها إنها "تعتبر شريكا استراتيجيا تربطنا به علاقات سياسية واقتصادية وتاريخية عريقة وقوية، محكومة بروح التعاون والاحترام المتبادل وتغليب الحوار البناء ومنطق الشراكة العملية والإيجابية وتفعيل حسن الجوار"، مشددا على أن "المغرب، كدولة مسؤولة، في إطار حقوقها لا تحاول فرض الأمر الواقع الأحادي في مجال ترسيم الحدود البحرية الخارجية".