تقرير: أسعار العقارات سجلت استقرارا خلال العام الماضي    الذهب يرتفع إلى هذا المستوى    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    الأمطار تضاعف كمية المياه بسدود "أبي رقراق" مقارنة بالعام الماضي    14 مدينة هندية من بين العشرين عالميا ذات الهواء الأكثر تلوثا    ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا.. باريس سان جرمان يسعى للثأر من ليفربول    نهضة الزمامرة يتعاقد مع الفرنسي ستيفان نادو لتدريب الفريق خلفا لمحمد أمين بنهاشم    كاف تفتح طلبات البث التليفزيوني لبطولاتها    اعتقال طبيب عام في بركان في قضية ترويج مخدرات    أجواء ممطرة في توقعات طقس الثلاثاء    غواتيمالا.. إعلان حالة التأهب وإجلاء المئات إثر ثوران بركان فويغو    يوعابد: هطول الأمطار بأرجاء المملكة أنهت نصف شتاء من العجز في التساقطات    الصين تختم اجتماعات القيادة السنوية    مهنيو قطاع سيارات الأجرة يطالبون الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بوقف بث إعلان شركة "إندرايف"    أداء متميز للرجاء الرياضي يحلق به عاليا من العاصمة الإسماعيلية    كيوسك الثلاثاء | مقتضيات لمحاصرة التهرب من التصريح بالأجراء تدخل حيز التنفيذ    تناول السمك يتيح تطور الشخصية الاجتماعية عند الأطفال    قمة ‬جزائرية ‬تونسية ‬ليبية ‬لنسف ‬القمة ‬العربية ‬الطارئة ‬في ‬القاهرة    الصين: متوسط العمر بالبلاد بلغ 79 عاما في 2024 (مسؤول)    الجزائر بين العزلة الدولية وسراب النفوذ أوحينما لا تكفي الأموال لصناعة التحالفات    تنظيم الملتقى الأول ل''رمضانيات السماع و المديح للجديدة    حتى ‬لا ‬تبقى ‬الخطة ‬العربية ‬الإسلامية ‬لإعمار ‬غزة ‬معطلة ‬    البطولة الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال 24).. حسنية أكادير يتعادل مع الدفاع الحسني الجديدي (1-1)    الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. من الشعارات الانتخابية إلى محكّ السلطة    قصر الفنون يحتضن سهرة روحانية ضمن فعاليات "رمضانيات طنجة الكبرى"    أمانديس تُحيي اليوم العالمي لحقوق المرأة بأنشطة مميزة في طنجة وتطوان    مركز في بني ملال يحتفل بالمرأة    الجديدي يفرض التعادل على الحسنية    حركة بيئية تحذر من التنخيل بالرباط    الأمطار الغزيرة تعري هشاشة البنية التحتية بمقاطعات الدار البيضاء    أمطار قوية ورعدية الثلاثاء بالمغرب    اليسار ينتقد عمليات الهدم بالرباط ويطالب السلطات ب"احترام القوانين"    دليل جديد يتوخى توعية المغاربة بمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب    ‬"وترة" يدخل دور العرض بعد رمضان    شخصيات عربية وإفريقية وأوروبية بارزة تنعى الراحل محمدا بن عيسى    مسرحية "الرابوز" تمتع جمهور الناظور    غضب شعبي يجتاح سوقا بصفرو    برعاية إبراهيم دياز .. أورنج المغرب تطلق برنامج Orange Koora Talents    جماعة بني بوعياش تنظم ورشة لإعداد برنامج عمل الانفتاح بحضور فعاليات مدنية ومؤسساتية    بعثة تجارية ألمانية لتعزيز التعاون الاقتصادي في قطاع الفواكه والخضروات    بوعياش تحظى بدعم إفريقي لرئاسة التحالف العالمي لمؤسسات حقوق الإنسان    المغرب وفرنسا يوقعان إعلانا مشتركا لتعزيز التعاون القضائي والقانوني    وزارة السياحة: المغرب يستقبل نحو 2,7 مليون سائح عند متم فبراير    "الأحمر" ينهي تداولات بورصة البيضاء    ندوة صحفية لوليد الركراكي الجمعة    تأجيل اجتماع لجنة المالية بمجلس النواب كان سيناقش وضعية صندوق الCNSS بعد اتهامات طالت رئيستها    ملخص كتاب الإرث الرقمي -مقاربة تشريعي قضائية فقهية- للدكتور جمال الخمار    حقيبة رمضانية.. فطور صحي ومتوازن وسحور مفيد مع أخصائي التغذية محمد أدهشور(فيديو)    كيف يتجنب الصائم أعراض الخمول بعد الإفطار؟    قلة النوم لدى المراهقين تؤدي إلى مشاكل لاحقة في القلب    في رثاء سيدة الطرب المغاربي نعيمة سميح    "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ..؟" !!(1)    هَل المَرأةُ إنْسَان؟... عَلَيْكُنَّ "الثَّامِن مِنْ مَارِسْ" إلَى يَوْمِ الدِّينْ    نهضة بركان على بعد خطوة من تحقيق أول لقب له بالبطولة    دراسة: الكوابيس علامة مبكرة لخطر الإصابة بالخرف    8 مارس ... تكريم حقيقي للمرأة أم مجرد شعارات زائفة؟    الأمازِيغ أخْوالٌ لأئِمّة أهْلِ البيْت    القول الفصل فيما يقال في عقوبة الإعدام عقلا وشرعا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهند وإدارة التنوّع الثقافي
نشر في الصحيفة يوم 08 - 03 - 2021

اعتبرت أوساط هندية عديدة إصدار البرلمان قانوناً جديداً للمواطنة في 4 ديسمبر(كانون الأول) 2019 تجاوزاً صارخاً على تنوّع الهند وتراثها الحضاري المعقّد وأُسس الديمقراطية الهندية المكفولة بالدستور الصادر في العام 1950 التي تصلّب عودها على مدى زاد عن سبعة عقود من الزمان منذ أن نالت استقلالها في العام 1947.
وبموجب القانون الجديد يسمح للحكومة منح الجنسية الهندية لمجاميع ثقافية مهاجرة من ثلاث بلدان هي: الباكستان وبنغلادش وأفغانستان، وتم حصر ذلك بالهندوس والسيخ والبوذيين والجينز والفرس والمسيحيين ، واستثناء المسلمين منه.
وركّز القانون على الأفراد الذين تعرّضوا للاضطهاد الديني أو الخوف من تعرضهم له في بلدانهم الأصلية، وقرّر تخفيض مدّة الحصول على الجنسية من 11 سنة إقامة إلى 5 سنوات. وكان ذلك تنفيذاً لوعد حزب بهارتيا جانتا الحاكم في بيانه الانتخابي لعام 2014 بتوفير " ملاذ آمن" للهندوس المضطهدين في دول الجوار.
وإذا كنّا حتى وقت قريب نعتبر الهند من البلدان النامية التي استطاعت إدارة التنوّع الثقافي على نحو " ناجح"، وذلك من خلال دستور يقرّ مبادئ المساواة والمواطنة المتكافئة، فضلاً عن ممارسة سليمة جرى تطبيقها بما يوفّر فرصاً مناسبة لمختلف المجموعات الثقافية العرقية والدينية والطائفية واللغوية والسلالية وغيرها، فإن مثل هذا الاعتقاد يواجه اليوم تحدّياً كبيراً وقد يتعرض للتصدّع إذا ما جرى الإصرار على إمرار القانون، خصوصاً وقد تولّد شعور لدى المسلمين بشكل عام ، فضلاً عن آراء حقوقية ومدنية، بشأن تمييزية القانون الجديد في ظل احتدام "هويّاتي" مجتمعي أصاب مبدأ المواطنة بالصميم، وهي المسألة التي ظلّت الهند تتمسّك بها على الرغم من كل الظروف التي واجهتها والتجاذبات الطائفية والدينية والإثنية التي تعرّضت لها، ناهيك عن أعمال العنف والإرهاب التي صاحبتها.
وكنت قد عبّرت في وقت سابق عن إعجابي بما أوردته سفيرة الهند في المغرب "خيا باتاشاريا" بشأن فكرة التعايش الهندية، وذلك خلال ندوة شاركتُ فيها حين قالت : أن لسان حال المواطن في بلدي يقول:" أنا هندي، لا أذهب إلى المسجد أو الجامع أو الكنيسة أو المعبد، وإذا أردتَ أن تراني، فستجدني في جميع هذه الأماكن" بمعنى أنني "مواطن" بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو اللغة أو العرق، وهو ما سارت عليه الهند في إدارة التنوّع والتعايش الذي وضع لبناته الأولى المهاتما غاندي، بل دفع حياته ثمناً لقناعاته، حيث تم اغتياله على يد متطرّف هندوسي في 30 يناير (كانون الثاني) 1948.
ما حصل في الهند مؤخراً من أعمال عنف منفلت من عقاله ويمكن أن يتوسع، أثار ردود فعل عديدة وقلق واسع ومتنامي، فاندلعت تظاهرات احتجاجية تندّد به قابلتها السلطات الحاكمة بالقمع فسقط عشرات القتلى والجرحى فيها، وهو ما دفع 1000 عالم وباحث هندي إلى توقيع عريضة احتجاج ضد القانون لأنه يضفي الشرعية على التمييز الديني حسبما ورد فيها، إضافة إلى معارضة المؤتمر الوطني الهندي، بالترافق مع أطروحات نسبت إلى رئيس الوزراء الهندوسي ناريندرا مودي الذي دعا لإعادة تشكيل الهند كأمة هندوسية. وعلى الرغم من نفي حزبه مثل هذه التسريبات، لكن ما قاله وزير داخليته أميت شاه من وصف للاجئين ب " النمل الأبيض" وهم مولودون مع عائلاتهم في إقليم آسام الهندي يدلّ على النزعة العنصرية التي أخذت تتصاعد مؤخراً، وهو الأمر الذي لقي احتجاجاً من الجماعات الإسلامية والعلمانية.
جدير بالذكر أن المسلمين يؤلفون نحو 20% من سكان الهند، بمعنى أنهم يشكّلون ما يزيد على 230 مليون نسمة، وهم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، الأمر الذي يثير قلقاً مشروعاً حول امتداد أعمال العنف والعنف المضاد، وهو ما يمكن أن يترك تأثيره على العلاقات الاجتماعية في الهند ومع جيرانها، وخصوصاً الباكستان التي تتنازع وإيّاها على مصير كشمير منذ سبعة عقود من الزمان، والتي شهدت احتداماً كبيراً في الأشهر الأخيرة وسيزداد الأمر تعقيداً في علاقتها مع البلدان العربية والمسلمة، التي تمتلك علاقات وثيقة وقوية اقتصادية وتجارية واجتماعية وثقافية مع العديد منها.
وعلى الرغم من أن ردّ الفعل الإسلامي ما يزال محدوداً إزاء مشروع القانون إلّا أن ثمة اعتراضات دولية عليه، حيث عبّرت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء ما حصل من أعمال عنف بسبب صدور القانون واستنكرت لجنة الحريات الدينية في الولايات المتحدة صدوره، كما احتج رئيس وزراء الباكستان عمران خان عليه.
ولم تنفع تأكيدات رئيس الحكومة مودي من أن القانون لا يستهدف المسلمين، لكن الإفساح في المجال لهجرة قد تصل بالملايين من غير المسلمين سيؤدي إلى تغيير التركيب السكاني والواقع الديموغرافي، وهو ما يعتبره المسلمون تهديداً حقيقياً ، بل واستهدافاً مباشراً لهم، وما يؤكد ذلك مضي الحكومة في مشروعها الذي تعتبره " يتماشى مع روح القيم الإنسانية في الهند وإنه لن يؤثر على المجتمع الإسلامي في الهند".
* باحث ومفكر عربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.