شدت نتائج الانتخابات التشريعية البريطانية التي جرت الخميس، أنظار العالم لحسمها مسار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن في المغرب كان يُنظر إليها من جوانب أخرى، فهي ستكون بمثابة منعرج بالنسبة لموقف بريطانيا من قضية الصحراء كما ستحسم ما إذا كان اتفاق الشراكة الشاملة بين الرباطولندن سيُنزل على أرض الواقع أم ستتم عرقلته. ولم يكن المغرب ينتظر هدية أفضل من فوز حزب المحافظين بزعامة بوريس جونسون بالانتخابات بأغلبية مطلقه قوامها 345 مقعدا من أصل 650 وهو أكبر انتصار للحزب منذ أن كانت تقوده مارغريت تاتشر في 1987، الشيء الذي أقبر طموح انفصاليي الصحراء في الحصول على الدعم البريطاني الصريح الموعود به من لدن زعيم حزب العمال جيريمي كوربن. بريطانيا والصحراء ومن شأن استمرار جونسون على رأس الحكومة مع ثقة أكبر نابعة من أغلبيته داخل مجلس العموم، أن تُشعر المغرب بالارتياح كون أن فترته القصيرة السابقة على رأس السلطة التنفيذية البريطانية سجلت تقاربا كبيرا في وجهات النظر بين الطرفين حول قضية الصحراء، والذي توج بإعلان السفير البريطاني في الرباط "تفهم" بلاده لأهمية هذه القضية بالنسبة للمغرب. وكان السفير توماس رايلي، قد أعلن أواخر أكتوبر الماضي أن المملكة المتحدة تدعم حلا "عادلا وبراغماتيا ومستداما ومقبولا من الأطراف وقائما على التوافق" لقضية الصحراء المغربية، موردا أن بلاده تتفهم "أهمية ومركزية" هذه القضية بالنسبة للمغرب، وأضاف أن الحل يجب أن يكون "عن طريق الأممالمتحدة بشكل حصري". وتطرق السفير البريطاني أيضا للمبادرة المغربية بخصوص الحكم الذاتي، إذ أورد أن بلاده "تُنوه بالجهود الجادة وذات المصداقية التي يبذلها المغرب من أجل إيجاد حل لهذه القضية"، مشيرا إلى أن بريطانيا "تُشيد بالتقدم الذي تحقق من خلال المائدتين المستديرتين المنعقدتين مؤخرا بجنيف، وستواصل تشجيع الأطراف لمضاعفة الجهود من أجل إيجاد حل لهذه القضية". استمرار الشراكة الاقتصادية ومن ناحية أخرى، يعطي فوز المحافظين نفسا جديدا لاتفاقية الشراكة الشاملة، التي وقعها في لندن يوم 26 أكتوبر الماضي وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة وكاتب الدولة لدى وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث أندرو موريسون، المكلف بمنطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا والتنمية الدولية، وهي الاتفاقية التي تُثَبت كل المزايا التي اتفق عليها الطرفان بموجب اتفاقية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي. ويدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ بمجرد توقف سريان الاتفاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب فيما يخص المملكة المتحدة بعد إتمام "البريكست"، وتسنده أيضا ثلاث آليات قانونية تم توقيعها بالتزامن معه، ويتعلق الأمر بالإعلان السياسي بين المغرب والمملكة المتحدة، واتفاقين في شكل تبادل للرسائل تهم آلية لتسوية المنازعات، واتفاقية متبادلة بشأن ولوج جميع المنتجات وخاصة من منطقة الصحراء المغربية إلى السوق البريطانية. وكان بوريطة، الذي قال إن هذه الخطوات "لا تستبق الحكم على النقاش الوطني الداخلي للمملكة المتحدة فيما يتعلق بخروجها من الاتحاد الأوروبي"، قد أورد أن تلك الاتفاقيات "تتيح احتواء تأثير متوقع لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وخاصة على العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وتحويل هذا التحدي إلى فرصة حقيقية للتطور المستمر لعلاقاتنا الثنائية". ضربة للانفصاليين وفي علاقة بقضية الصحراء، ستمكن نتائج انتخابات 12 دجنبر الماضي المغرب من تفادي الدخول في صدام سياسي واقتصادي مع بريطانيا، وهو الشيء الذي كان متوقعا بالنظر لمواقف حزب العمال وزعيمه من انفصاليي البوليساريو، إذ في شهر شتنبر الماضي مثلا استدعى الحزب إلى مهرجان "العالم المتحول" الذي احتضنته مدينة برايتون، ممثلي الجبهة على أنهم "يمثلون دولة مُشاركة". وكان الحزب قد أبدى العديد من المواقف المعادية للوحدة الترابية للمغرب، ففي دجنبر من العام الماضي مثلا راسل حكومة المحافظين لمطالبتها بإلغاء الاتفاق التجاري مع الرباط، والذي يشمل الأقاليم الصحراوية، بل مضى أبعد من ذلك حين طالب لندن ب"دعم مطالب إنهاء احتلال الصحراء"، على حد وصف التقرير. وما يزيد من مواقف الحزب اليساري حدة تجاه المغرب، العلاقات الشخصية التي تربط زعيم العمال جيريمي كوربن بقادة "البوليساريو"، إذ ذكرت العديد من التقارير الإعلامية أنه سبق أن أجرى اتصالات مباشرة معهم وأكد على دعم طرحهم الانفصالي، الشيء الذي يجعل هزيمة حزبه المدوية في الانتخابات الأخيرة، والتي كانت الأسوأ منذ سنة 1935، "خبرا سارا" للرباط.