أياما قليلة بعد الإعلان السياسي الموقع يوم السبت الماضي في لندن بين المغرب وبريطانيا على هامش التوقيع على اتفاق شراكة شاملة بين البلدين، لم يتمكن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، مطلع الأسبوع الجاري، من الحصول على الأغلبية الكافية لتمرير مقترحه لإجراء انتخابات مبكرة في 12 من دجنبر المقبل، في مسعى من السياسي المثير للجدل إلى اختصار طريق سياسي نحو قرار «البريكسيت». وعلاقة بالوضع السياسي الداخلي المحتدم في بريطانيا، والذي يشهد مواجهات قوية في مجلس العموم البريطاني وخارجه، بين حزب المحافظين الذي يقوده جونسون وحزب العمال بقيادة جيريمي كوربين، تُسلط دائرة الضوء على مدى قوة الاتفاقية المغربية المبرمة في لندن أمام ما يمكن أن تفرزه الساحة السياسية، في انتخابات مبكرة قد تشهدها بريطانيا في المستقبل القريب. وفي هذا السياق، قال مصدر بريطاني مطلع ل»أخبار اليوم»، إن زعيم حزب العمال جيريمي، يبقى من أكبر معارضي المغرب في ملف الصحراء، وسيتخذ –في حالة صعوده- موقفا متشددا من الرباط سواء على مستوى منتجات الأقاليم الجنوبية، أو في ما يتعلق بمبيعات الأسلحة ومكوناتها، بالرغم من أن المغرب ليس زبونا كبيرا لبريطانيا في مجال الأسلحة. عدا ذلك، فإن المغرب يمكن أن يكسب من انفتاح الأسواق البريطانية على المنتجات الزراعية المغربية. ومن المحتمل أن يثير سيناريو الانفتاح البريطاني على المغرب ضغينة الجارة الإسبانية، وأيضا، فرنسا باعتبارها شريكا تجاريا تقليديا للمغرب، وفق المصدر الذي أشار إلى أنه من الواجب عدم نسيان أن المغرب «جار قريب» من بريطانيا ممثلة في جبل طارق. وخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي قد يخفف القيود على مبادلات الرباط مع هذه الصخرة التابعة للتاج البريطاني. ذلك أن سلطات الجبل لديها خطة بديلة في حال نشوب أي أزمة مع إسبانيا، تقضي بفتح خطوط إمداد غذائية وتموينية مباشرة مع طنجة، وتقضي بتيسير استقدام اليد العاملة المغربية، يقول المصدر. ومن جهته قال، المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس، تاج الدين الحسيني، إن بريطانيا تسعى دائما إلى ضمان استقرارها كمملكة ذات سيادة تحت حكم أي حزب كان، فمهما تغيرت الأحزاب والأشخاص الذين يقودون البلاد، تبقى مصالح المملكة المتحدة فوق كل اعتبار. ويرى الحسيني بأن لندن تتطلع اليوم أكثر من أي وقت مضى لربط علاقات وثيقة بعدة شركاء، بعدما قرر الشعب البريطاني الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء شعبي، وأضاف بأن بريطانيا التي كانت مندمجة بشكل كبير في الاتحاد الأوروبي ومتمتعة بكل امتيازات منطقة التبادل الحر، صارت سائرة نحو عزلة في فضاء دولي لم يعد يرحم. وتبعا لهذه التطورات تسارع بريطانيا اليوم، إلى عقد شراكات مع عدة أطراف، حسب الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية، كما هو الحال مع الاتفاقية التي أبرمت مع المغرب، لحماية مكانتها في التبادل التجاري متعدد الأطراف، ويرى الحسيني بأن المغرب حقق مكاسب قوية في ما عقده مع المملكة المتحدة، وعلى رأس ذلك، إدماج المنتجات القادمة من الأقاليم الصحراوية في عمليات التصدير المرتقبة مع بريطانيا. وعلاقة بما يبديه جيريمي كوربن وحزب العمال من مواقف واضحة إزاء قضية الصحراء، بدعم مكشوف لجبهة البوليساريو، يرى الحسيني بأن صعود حزب العمال في استحقاقات انتخابية في المستقبل القريب، لن يدعو إلا إلى تعديل بعض البنود بشكل لن يضر في تقديره المصالح الحيوية للبلدين. وفي هذا السياق، استبعد المحلل السياسي عبدالصمد بلكبير، أن يكون الاتفاق البريطاني المغربي عرضة للتأثر حيال ما يمكن أن تفرزه الساحة السياسية البريطانية في المستقبل المنظور، وقال إن الأحزاب في بريطانيا تقدم أسماءً سياسية معينة، لكنها لا تمثل الأحزاب عند تقلدها مسؤوليات، بل تمثل الشعب. وأضاف بلكبير أن بريطانيا في نهاية المطاف تبقى دولة تجارية وصناعية، وتراعي مصالحها الخاصة أولا، قبل كل شيء. ويرى بلكبير بأن العلاقات المغربية البريطانية، تبقى عريقة جدا، بما فيها العلاقات التجارية بين البلدان، كما يعتبر المتحدث ذاته بأن الأمر لا يرتبط فقط، بلندن، بل أيضا بواشنطن، إذ يرى بأن بريطانيا تبقى حليفا أولا، وراعيا للسياسة الخارجية الأمريكية، مضيفا بأن هناك صراعا أمريكيا أوروبيا قويا على الشراكات مع المغرب، مردفا بأن العكس أيضا صحيح، فالمصالح البريطانية لن تجد داعما قويا لها أكثر من الولاياتالمتحدة. ويشدد بلكبير بأن التجارة تبقى بعيدة دوما عن الحسابات الحزبية الضيقة، ولا أدل على ذلك من أنه في عز الحرب العالمية الثانية كانت التجارة قائمة بين الدول دون أن تكون خاضعة لحسابات السياسة، وفق المتحدث.