لم تعد صورة المغرب في ذهن المواطنين الأوروبيين خلال السنوات الأخيرة تنحصر في كونه البلد المشمس الذي يفضلون قضاء عطلتهم الصيفية على شواطئه، أو الدولة التي تصدر لهم عددا كبيرا من المهاجرين، بل أصبح أيضا البلد الذي أنقذتهم أجهزته الأمنية من هجمات دامية. ولن يكون من باب المبالغة الحديث عن "مسارعة" حكومات دول أوروبية كبرى إلى المغرب من أجل تعزيز تنسيقها الأمني والاستخباراتي مع الرباط، خاصة وأن العديد من المعلومات التي قدمتها الأجهزة المغربية لنظيرتها الأوروبية ساهمت بالفعل في تفادي العديد من الهجمات مثلما حدث في فرنسا وإسبانيا، كما أدى تجاهل تلك المعلومات أو الاستخفاف بها إلى دفع الثمن غاليا، مثلما وقع لبلجيكاوألمانيا. تحذير مغربي لبرلين يوم 19 دجنبر 2016 في حوالي الساعة الثامنة مساء بتوقيت ألمانيا، كانت العاصمة برلين على موعد مع نصيبها من "الرعب" الذي اجتاح أوروبا غداة اشتداد الضربات العسكرية على تنظيم "داعش"، حيث اقتحمت شاحنة سوقا لاحتفالات رأس السنة وشرعت في دهس الناس متسببة في مقتل 12 منهم وإصابة العشرات، لتتناسل الأسئلة المقلقة حول فعالية أجهزة الاستخبارات الألمانية في التصدي القبلي ل"الخطر الإرهابي". وفي مارس الماضي ستجد حكومة ألمانيا وأجهزة المخابرات هناك نفسها في موقف أكثر إحراجا، بعدما كشفت وكالة الأنباء الألمانية "د.ب.أ" أن "أجهزة المخابرات المغربية" كانت على علم بتلك التهديدات وأنها أخبرت نظيرتها في برلين بمعلومات تفصيلية حول منفذ الهجوم التونسي أنيس عمري، حيث كشفت لها أنه كان على علاقة ب"متطرفين مغاربة في ألمانيا". وفي تفاصيل الوثيقة التي كشفت عنها الوكالة، حذرت المخابرات المغربية نظيرتها الألمانية من عمري ومن شخصين آخرين أحدهما مغربي والثاني فرنسي من أصل مغربي، والذين كانوا يتواصلون مع جهاديين تابعين لتنظيم "داعش" في سوريا والعراق وليبيا، كما أخبرتها أن التونسي أعلن استعداده ل"القتال"، كما تطرق ل"مشروع لا يستطيع الحديث عن عبر الهاتف". غير أن المحرج حقا للسلطات الألمانية كان هو كشفت عنه اللجنة البرلمانية الذي تولت التحقيق في هجوم برلين، فحسب ما نقلته "د.ب.أ" عن هذه اللجنة، قام المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية بالتحري عن معلومات القادمة من المغرب لدى المكتب الاتحادي لحماية الدستور، الذي يمثل جهاز المخابرات الداخلية في ألمانيا، لكن هذه الأخيرة فضلت التأكد من هذا الأمر عن طريق وكالة الاستخبارات الأمريكية، غير أن رد هذه الأخيرة لم يأت إلا بعد الهجوم. بلجيكا والخطأ القاتل في نونبر من سنة 2015، أعلنت وزارة الداخلية المغربية أن العاهل البلجيكي الملك فيليب طلب من الملك محمد السادس في اتصال هاتفي، إرساء تعاون وثيق ومتقدم في مجال الاستخبارات والأمن بين بلجيكا والمغرب، وذلك بعد اعتداءات باريس وامتداداتها في بلجيكا وبلدان أوروبية أخرى. وأوردت الوزارة أن وزير الداخلية آنذاك، محمد حصاد، أجرى مباحثات مع نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية البلجيكي همت التفعيل الملموس والفوري لهذا الطلب على غرار التعاون القائم مع فرنسا، مضيفة أن كلا من عبد اللطيف الحموشي المدير العام لإدارة مراقبة التراب الوطني "الديستي" وياسين المنصوري المدير العام للدراسات والمستندات "لادجيد"، تباحثا مع نظيريهما البلجيكيين حول الهدف نفسه. وتزامنا مع ذلك قال رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل في ندوة صحافية عقب اجتماع لمجلس الأمن القومي في بروكسيل لبحث الوضع الأمني لبلاده في أعقاب هجمات فرنسا، إن "الحكومة البلجيكية معبئة، من أجل تعزيز مستوى التعاون مع المغرب في مجال محاربة الإرهاب، خاصة على مستوى وزارة الداخلية". ويبدو أن بلجيكا كانت محقة في طلب هذا التعاون مع المغرب، غير أنها لم تستفد منه على الوجه الأمثل، فبعدها بشهور، وبالضبط يوم 22 مارس 2016، ستهتز بروكسيل على وقع انفجارين داميين هزا استهدفا مطارها الدولي ومحطة ميترو "مالبيك" وخلفا 34 قتيلا، وذلك بعد يوم واحد من اعتقال المغربي صلاح عبد السلام المشتبه به الرئيسي في التخطيط لهجمات باريس سنة 2015، وكانت "داعش" قد أعلنت مسؤوليتها عن هذين الهجومين. وبعدها بيومين فقط، فجرت صحيفة "ليبيرو كوتيديان" الصادرة من ميلانو الإيطالية مفاجأة من العيار الثقيل، عندما كشفت أن مصالح الأمن المغربية حذرت نظيرتها في بلجيكا من وقوع هذه الهجمات، وأخبرتها أن معلوماتها الاستخباراتية تفيد بأن مواقع حساسة في بروكسيل مستهدفة ومن بينها مواقع للنشاط النووي، لكن السلطات البلجيكية لم تحسن التعامل مع تلك المعطيات. فرنسا تلجأ للمغرب في نونبر من سنة 2015 عاشت فرنسا على وقع سلسلة هجمات دامية تبناها تنظيم "داعش"، وصفت بأنها الأعنف من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية، شملت تفجيرات في محيط ملعب "سان دوني" وهجوما على مسرح "باتاكلان" ومجموعة من التفجيرات الانتحارية وإطلاق النارٍ وسط مجموعة من الشوارع الرئيسية، ما أسفر عن سقوط 130 قتيلا و368 جريحا. وكان لزاما على فرنسا، بعدما اتضح لها أنها الدولة الأكثر استهدافا بهجمات "داعش"، والتي تكررت فيما بعد في باريس ونيس وستراسبورغ، أن تعيد النظر في فتور علاقتها بالمغرب في عهد الرئيس السابق فرانسوا هولاند، وخاصة على المستوى الأمني، وهو الفتور الذي جاء نتيجة توجيه الشرطة الفرنسية مذكرة قضائية للسفارة المغربية في فبراير 2014، تتعلق بإحضار عبد اللطيف الحموشي، الذي كان يزور باريس وقتها، للاستماع له في قضية تعذيب الرياضي المغربي زكرياء المومني. ونجحت فرنسا، خاصة بعد استقبال هولاند للملك محمد السادس في قصر الإيليزي سنة 2015، في إعادة المياه إلى مجاريها، وهو ما جعلها تتفادى العديد من الهجمات، الأمر الذي أكده وزير الداخلية الفرنسي السابق برنار كازنوف في نونبر 2016، حين أشار إلى أن تحذيرات مغربية ساعدت على إفشال "مخطط إرهابي كان يتم الإعداد له منذ فترة طويلة" والذي كان يستهدف مدينتي ستراسبورغ ومارسيليا. إسبانيا.. أمن الجيران على عكس معظم الدول الأوروبية، لا يعد التنسيق الأمني بين إسبانيا والمغرب أمرا جديدا كونه يعود إلى ما قبل 2005 وذلك بعدما أن اكتوت الدارالبيضاء ومدريد بنيران الهجمات الدامية عامي 2003 و2004 تواليا، لكن الجار الإيبيري للمغرب أبدى رغبة أكبر في تعزيزه منذ هجمات برشلونة في غشت من سنة 2017 والتي تبناها بدورها تنظيم داعش. ويدل توشيح عبد اللطيف الحموشي المدير العام للأمن الوطني والمدير العام لمراقبة التراب الوطني، الشهر الماشي بوسام "الصليب الأكبر للحرس المدني"، باقتراح من وزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا، بعدما كان قد وُشح مسبقا بوسام "الصليب الشرفي للاستحقاق الأمني" الذي يعد أعلى التوشيحات الشرفية التي يتم منحها لشخصيات أجنبية، (يدل) على اعتراف إسبانيا بالدور المغربي في إنقاذها من عدة مخاطر أمنية. فالمغرب ساعد إسبانيا في تفكيك عدة خلايا موالية لتنظيمات جهادية مسلحة وتوقيف العديد من الجهاديين المحتملين، بل إن السلطات المغربية اعتقلت في المغرب أشخاصا كانوا يخططون لتنفيذ هجمات على مدن إسبانية، منذ ما حدث شهر أبريل الماضي عندما تم توقيف شخص يدعى "ز.ه" خلال وجوده بمدينة الدارالبيضاء، واتضح أنه كان يخطط لتنفيذ هجوم بمدينة إشبيلية. الخبرة المغربية ويرى سعيد لكحل، الباحث في قضايا الإرهاب والتنظيمات الجهادية، أن "تجربة المغرب على مدى عقد ونصف منذ التفجيرات الإرهابية لسنة 2003، أثبتت أنه راكم خبرة مهمة في رصد الخلايا الإرهابية وتتبع أنشطة وتحركات العناصر المتطرفة، وصارت له قاعدة بيانات حول تحركاتها وطرق اشتغالها والجهات التي تستهدفها". وتابع لكحل أن الأجهزة الأمنية المغربية "راكمت خبرة في تفكيك الخلايا الإرهابية وتوجيه ضربات استباقية لها، وهو ما يفسر أن المغرب تعرض لأقل عدد ممكن من الهجمات وفي الوقت نفسه تفكيك أكبر عدد ممكن من الخلايا الإرهابية" موردا أن ذلك يعد "دليلا على نجاعة المقاربة الأمنية التي اعتمدتها المملكة وأيضا كفاءة أجهتها الأمنية لدرجة لدرجة إحدا جهاز أمني خاص لمواجهة التهديدات الإرهابية". ويجد الباحث المغربي في كل ذلك دافعا لدول أخرى للاعتماد على المغرب في حماية أمنها، موردا أن العلاقات التي تربط المغرب بالدول الأوروبية مكنته من تحذيرها من الهجمات قبل وقوعها ما أنقذها من من حوادث دامية. وأورد لحكل أن "هذه الحنكة والدراية جعلت تلك الدول تعترف بالقيمة الأمنية للأجهزة المغربية سواء في حفاظها على أمن المملكة الداخلي أو في حماية أمن دول أخرى أوروبية وعربية خصوصا، وهو ما قوى مكانته على المستوى الدولي، ودفع دولا أخرى لمحاولة مد جسور التعاون الأمني مع الرباط".