أوصت أحزاب القائمة العربية المشتركة، باستثناء التجمّع الوطني الديمقراطي، مساء يوم الأحد، الموافق 22 أيلول/ سبتمبر بتكليف رئيس أركان جيش الاحتلال السابق، ورئيس حزب "أزرق - أبيض/ كحول لافان" الجنرال بيني غانتس، لتشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة. الأمر الذي قوبل بضجيج من الأصوات التي غلب عليها طابع المقاولة والمتاجرة والتخوين، ما يعكس مدى انفصام هذه الأصوات عن الواقع وقصور النظرة السياسية العقلانية لدى أصحابها. إن توصية القائمة العربية المشتركة بغانتس لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، لا تعني على الإطلاق دعم الحكومة المقبلة أو مبايعتها، وإنما تأتي من منطلق أولويتها المتمثلة بإسقاط بنيامين نتنياهو وما مثّلته حكومته من إمعان في التشريعات العنصرية والإجراءات التهويدية، إلى جانب محاكاة العقل والواقعية، والتطلع إلى لعب دور أكثر فاعلية في الساحة السياسية الإسرائيلية، والتصدي لمحاولات الإقصاء للأحزاب العربية الممثلة بالكنيست من دائرة التأثير واتخاذ القرار. قد لا يختلف غانتس عن نتنياهو، وليس الموضوع هنا من يشكل الحكومة، فالمعركة مستمرة طالما بقي الاحتلال، وسُتخاض مع كل حكومة إسرائيلية متعاقبة، كيفما كان شكلها. وإنما لا يمكن إغفال حقيقة أن نتنياهو هو عراب "قانون القومية" العنصري، الذي صادق عليه الكنيست الإسرائيلي في تموز/ يوليو 2018، ويحصر حق تقرير المصير في "إسرائيل" للشعب اليهودي فقط. يمثل فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 1948، كنوزاً وجماعات ضغط، من شأنها أن يكون لها تأثير فعّال على الرأي العام الإسرائيلي من جهة، وعلى السياسات الرسمية الإسرائيلية من جهةً أخرى. وهذا ما يخشاه المعسكر اليميني المتطرف وعلى رأسه بنيامين نتنياهو، الذي وجّه بقانون القومية ضربة استباقية، لإخماد الصوت العربي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، تحسباً من خطر انتشار ثقافة المشاركة الفلسطينية السياسية، وعلى وجه الخصوص المشاركة الانتخابية . يُذكر أن نسبة التصويت في الوسط العربي بلغت 60% بعد وصولها إلى أدنى مستوياتها في نيسان/ أبريل الماضي، وعلى الرغم من صعود هذه النسبة، إلا أنه بالإمكان تسجيل نتيجة أفضل بكثير، لحقيقة أن الفلسطينيين يمثلون 20% من سكان "إسرائيل". وفي نفس السياق يُلاحظ أن نسبة تصويت الفلسطينيين للكنيست أقل بكثير من نسبة تصويتهم للمجالس المحلية التي تصل نسبة التصويت فيها إلى ما يزيد على 80%، حيث ينظر الكثير إلى الانتخابات المحلية على أنها تؤثّر على حياتهم اليومية بشكل مباشر، على عكس انتخابات الكنيست التي لم تغيّر واقعهم حسب اعتقادهم. لكن اليوم، وتحديداً بعد إقرار "قانون القومية"، لا بد من إعادة إنتاج خطاب توعوي يعيد حسابات المواطن الفلسطيني في الداخل، كون الوجود العربي داخل "إسرائيل" دخل دائرة الخطر. وارتفاع نسبة التصويت بين فلسطينيي الداخل للكنيست، من شأنه أن يقلّل حظوظ اليمين الإسرائيلي العنصري في تشكيل حكومة، أو على الأقل يضع الحكومة الجديدة في وضع غير مستقر، الأمر الذي سيكون خير داعم للاستراتيجية الوطنية الشاملة. إن وضوح موقف القيادة السياسي إزاء هذه القضية، وإتقان فن التعبير عنها بطريقة تصل كافة شرائح المجتمع بسلاسة، يُعد الأهم في محاربة فوضى الأصوات. خصوصاً وأن التعصب الأعمى بمقاطعة الانتخابات الإسرائيلية يقف عائقاً أمام المشروع الوطني الفلسطيني، الذي يمثل تعزيز صمود الفعاليات السياسية في الداخل المحتل أحد ركائزه. *كاتب وباحث فلسطيني