1. الرئيسية 2. المغرب الكبير الجزائر ترمي ما تبقى لها من أوراق ديبلوماسية ضد المغرب بعد اتهامها لنائب قنصل المملكة بوهران ب"القيام بأفعال مشبوهة" الصحيفة - خولة اجعيفري السبت 29 مارس 2025 - 9:00 في خطوة دبلوماسية تعكس بجلاء عمق الأزمة المتصاعدة بين المغرب والجزائر، أعلنت السلطات الجزائرية أول آمس الخميس اعتبار خليفة الشيحاني، مدير القنصلية العامة للمملكة المغربية بالعاصمة الجزائرية، "شخصًا غير مرغوب فيه"، ومنحته مهلة لا تتجاوز 48 ساعة لمغادرة أراضيها، فيما وصف مراقبون وخبراء هذه الخطوة بأنها استمرارٌ لنهج التصعيد الجزائري تجاه المغرب، خاصة وأنها لم توضح الدوافع الحقيقية وراء هذا القرار، مفضّلة إبقاء الموقف ضبابيًا وغامضًا. وجاء هذا الإعلان عبر بيان رسمي أصدرته وزارة الخارجية الجزائرية، مبررةً الإجراء بما وصفته "قيام المسؤول المغربي بتصرفات مشبوهة تتنافى مع طبيعة ممارسة المهام القنصلية"، واعتبرت ذلك انتهاكًا للقوانين الجزائرية السارية وللقوانين والأعراف الدولية، وفي مقدمتها اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية. ورغم أن الخطوة الجزائرية تبدو من الوهلة الأولى قانونيةً وضمن حدود حقوقها التي تتيحها اتفاقية فيينا لعام 1963، خاصة في مادتها ال 23 التي تمنح الدولة المستقبلة الحق المطلق في إعلان أي مسؤول قنصلي "شخصًا غير مرغوب فيه" دون اشتراط تقديم أسباب تفصيلية، فإن صياغة البيان الجزائري والطريقة التي عالج بها القرار تفتح الباب أمام تساؤلات جادة حول مدى الالتزام الكامل بروح الاتفاقية وبمبادئ القانون الدبلوماسي التي تستند إلى الوضوح وحسن النوايا بين الدول. الجزائر التي اعتمدت على تعبير "تصرفات مشبوهة" في وصف سلوكيات المسؤول القنصلي المغربي لم تقدم حتى اللحظة تفاصيل دقيقة أو واضحة تثبت مزاعمها، الأمر الذي قد يعتبر خروجًا عن الأصول الدبلوماسية، لا سيما وأن مثل هذه القرارات الحساسة عادة ما يتم اتخاذها استنادًا إلى وقائع مثبتة ودقيقة. وبالتالي، فقد يدفع هذا الغموض في الاتهامات الموجهة من الجزائر إلى المغرب نحو ضرورة طلب توضيحات رسمية إضافية من السلطات الجزائرية حول طبيعة هذه التصرفات وحيثيات الاتهامات، وذلك لضمان احترام اتفاقية فيينا التي تنص بوضوح على ضرورة تمكين المسؤولين القنصليين من أداء مهامهم دون عوائق، كما تؤكد على ذلك المادة 35. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المادة 36 من اتفاقية فيينا تفرض على الدول المستقبلة ضمان حرية التواصل بين المسؤولين القنصليين وبين مواطنيهم المقيمين في تلك الدول، وبهذا يكون الإجراء الجزائري، في حال ثبت لاحقًا أن له دوافع سياسية، أو أنه قد تسبب في عرقلة التواصل بين القنصل المغربي ومواطني بلاده، خرقًا واضحًا للاتفاقية الدولية، ويُدخل العلاقات بين البلدين في أزمة قانونية ودبلوماسية أكثر تعقيدًا. وفي هذا الإطار، يرى محمد بنعيسى، الخبير في العلاقات الدولية، أن "القرار الجزائري الأخير لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق التاريخي والسياسي للصراع بين البلدين، خصوصًا في ضوء الخلافات العميقة بشأن ملف الصحراء المغربية". وأضاف بنعيسى، في تصريح ل "لصحيفة" موضحًا: "من الواضح أن استخدام مصطلح 'تصرفات مشبوهة' دون تحديد دقيق، يشير إلى أن الجزائر اختارت عمدًا الغموض، وهو ما يعد انتهاكًا لروح اتفاقية فيينا التي تقتضي الشفافية والمصداقية في التعامل بين الدول، بل يعكس في حقيقته رغبة جزائرية واضحة في استثمار العمل الدبلوماسي والقنصلي كورقة ضغط سياسية" مبرزا أن هذا النهج لا يهدد فقط العلاقات الثنائية بين البلدين، بل قد يؤدي أيضًا إلى مزيد من الاستقطاب الإقليمي ويهدد الاستقرار في منطقة شمال إفريقيا. وأشار الخبير في العلاقات الدولية، إلى أن "مثل هذه الإجراءات قد تكون لها تداعيات قانونية ودبلوماسية بعيدة المدى، لأن المغرب يملك الحق القانوني في الرد وفق مبدأ المعاملة بالمثل، وهو ما قد يدخل الطرفين في دوامة تصعيدية لا يمكن التحكم في نتائجها بسهولة". في غضون ذلك، حاولت "الصحيفة" التواصل مع الحكومة المغربية لاستجلاء موقفها الرسمي من هذه التطورات، إلا أنها لم تحصل على أي رد رسمي حتى كتابة هذه الأسطر، ما يعكس حذرًا مغربيًا واضحًا في التعامل مع هذه الخطوة وتقييم تداعياتها المحتملة، خاصةً وأن الرباط قد تجد نفسها أمام خيارات صعبة، بين الرد عبر إجراء مماثل قد يزيد من حدة الأزمة، أو محاولة تهدئة الأجواء وامتصاص التوتر عبر القنوات الدبلوماسية. ومن المرجح أن استمرار هذه الممارسات الدبلوماسية التصعيدية بين البلدين، دون وجود قنوات فعالة للحوار والتفاهم، يهدد بإدخال المنطقة في مرحلة جديدة من الجمود الدبلوماسي والتنافس الحاد، ما يعقّد أكثر فأكثر فرص التعاون الإقليمي، ويُضعف جهود التنمية والاستقرار، خصوصًا في ظل سياق دولي وإقليمي يحتاج فيه المغرب العربي إلى التلاحم والتعاون، وليس إلى مزيد من الانقسامات والتوترات. ومنذ وصول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى الحكم في دجنبر 2019، شهدت العلاقات الجزائرية المغربية سلسلة متصاعدة من التوترات والإجراءات العدائية الأحادية الجانب من الجزائر تجاه المغرب. و بدأت هذه المرحلة بالتصريحات العدائية المتكررة، التي وصلت إلى ذروتها في غشت 2021 حين قررت الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب بشكل رسمي، متهمةً الرباط بدعم حركات انفصالية والتدخل في الشؤون الداخلية الجزائرية، وهي اتهامات نفتها الرباط جملة وتفصيلًا، مؤكدة أن هذه الخطوة الجزائرية جاءت لأسباب سياسية داخلية لا علاقة للمغرب بها. وفي خطوة تصعيدية تالية، أغلقت الجزائر في شتنبر 2021 مجالها الجوي بشكل كامل أمام الطائرات المغربية المدنية والعسكرية، ما تسبب في إرباك الرحلات الجوية المغربية المتجهة إلى دول الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، وألزم المغرب بالبحث عن مسارات بديلة وأطول، ما حمله ذلك من تكاليف اقتصادية إضافية. التصعيد الجزائري لم يتوقف عند هذا الحد؛ بل امتد إلى المجال الاقتصادي والطاقة، ففي نونبر 2021، قررت الجزائر بشكل مفاجئ وقف توريد الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر خط الأنابيب المغاربي-الأوروبي، الذي يمر عبر الأراضي المغربية، وذلك بهدف حرمان المغرب من الرسوم التي كان يحصل عليها جراء عبور الغاز من أراضيه، وهذا القرار، وفق خبراء، جاء ليؤكد عمق التصعيد الجزائري وتوجهه نحو قطع أي شكل من أشكال التعاون أو التداخل الاقتصادي مع المغرب. بالمقابل، بقي المغرب متمسكًا بنهج اليد الممدودة نحو الجزائر، داعيًا بشكل مستمر إلى الحوار والتفاهم وحل القضايا العالقة بشكل سلمي وحضاري، وقد أكد الملك محمد السادس في أكثر من مناسبة، سواء في خطاباته الموجهة للشعب المغربي أو عبر رسائل واضحة للمجتمع الدولي، استعداد الرباط الدائم لفتح صفحة جديدة مع الجزائر قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون والتنسيق في القضايا المشتركة التي تهم البلدين والمنطقة ككل، وآخر هذه المبادرات كانت دعوة واضحة في خطاب العرش لسنة 2022، أكد فيها الملك محمد السادس أن المغرب لا يمكن أن يكون مصدر تهديد للجزائر، مشددًا على أهمية إعادة العلاقات الأخوية بين البلدين لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين. ورغم كل هذه المبادرات، بقي الموقف الجزائري متصلبًا، ولم يستجب لأي من الدعوات المغربية للحوار أو التفاوض، وبدلًا من الاستجابة لهذه الدعوات، اختارت الجزائر استمرار نهج التصعيد، آخره قرارها الأخير باعتبار مدير القنصلية المغربية شخصًا غير مرغوب فيه، دون تقديم تفسيرات واضحة أو مبررات منطقية لهذا القرار. وهكذا، تظل العلاقات بين البلدين الجارين رهينة هذا الواقع المتأزم، وسط مخاوف متزايدة من أن استمرار الجزائر في سياسة التصعيد هذه سيعمّق الأزمة الإقليمية ويعطل الجهود المبذولة لإحلال الأمن والتنمية في منطقة المغرب الكبير، التي هي في أمسّ الحاجة إلى استقرار سياسي واقتصادي يسمح لها بمواجهة تحديات المستقبل في ظل سياقات دولية وإقليمية معقدة.