1. الرئيسية 2. المغرب وزير التربية والتعليم يعفي 16 مديرا إقليميا من مهامهم ويضع نفسه في مرمى المساءلة البرلمانية الصحيفة - خولة اجعيفري الأربعاء 12 مارس 2025 - 14:46 في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط التعليمية والسياسية، أقدم وزير التربية الوطنية، محمد سعد برادة، على إعفاء 16 مديرًا إقليميًا من مهامهم، في سياق عملية تقييم شاملة لأداء مسؤولي التعليم على المستوى الإقليمي، وهو القرار المفاجئ الذي جاء بناءً على تقارير تفتيشية كشفت عن تفاوتات كبيرة في تنفيذ برامج التعليم، خاصة في مشروع "مدارس الريادة"، الذي يُعدّ أحد أبرز ركائز الإصلاح التربوي الذي أطلقه الوزير الأسبق شكيب بنموسى. وفجّر هذا القرار موجة من التساؤلات الحادة داخل البرلمان، كان أبرزها السؤال الكتابي الذي وجهه رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، إلى وزير التربية الوطنية، وتتوفر "الصحيفة" على نسخة منه، حيث طالب بتفسير واضح ودقيق لأسباب الإعفاء، متسائلاً عمّا إذا كان القرار مرتبطاً بتصورات جديدة لإصلاح التعليم لا يتقاسمها المديرون الإقليميون المعفيون، أم أنه ناتج عن تقصير في الأداء المهني. وتساءل حموني بشكل أكثر تفصيلاً عمّا إذا كان الأمر يتعلق ب"تصفية" تركة الوزير السابق، وما إذا كانت هذه الإعفاءات قد استندت إلى معايير شفافة في التقييم أم أنها مجرد قرارات تعسفية، مؤكداً في سؤاله أن عدداً من المديرين الإقليميين المشمولين بالإعفاء يُشهد لهم بالكفاءة المهنية والحياد الإداري والنجاعة في الأداء، فضلاً عن تحقيقهم لإنجازات ملموسة وفق دلائل رقمية موثقة، مما يجعل القرار مثيراً للشكوك حول الدوافع الحقيقية وراءه. وأشار حموني إلى أن بعض المديرين لم يمضِ على تعيينهم سوى سنتين، مما يطرح تساؤلات حول مدى التزام الوزارة بمبدأ استمرارية السياسات التعليمية، خصوصاً وأن قطاع التربية الوطنية يُشرف على برامج ضخمة ذات امتدادات اجتماعية واسعة، كما أبدى تخوفه من أن تكون هذه الإعفاءات مبنية على "حسابات سياسوية وانتخابوية" أو "مقاسات حزبية أو ذاتية"، لا سيما أن القطاع يُعدّ مجالاً استراتيجياً يستوجب الحياد والموضوعية في اتخاذ القرارات. وفي نفس السياق، دعا النائب البرلماني إلى عقد اجتماع عاجل للجنة التعليم والثقافة والاتصال بحضور الوزير، من أجل مساءلته حول هذه القرارات التي وصفها ب"المفاجئة" و"غير المبررة"، مطالباً بتوضيح المعايير التي تم اعتمادها في التقييم، والمعطيات التي استندت إليها الوزارة في اتخاذ قرارات الإعفاء الجماعية. وسعياً لفهم خلفيات القرار، حاولت "الصحيفة" التقصي بشأن تفاصيل أكثر حول الموضوع، حيث أفادت مصادر في الوزارة فضّلت عدم الكشف عن هويتها بأن قرارات الإعفاء جاءت نتيجة عدم التزام المديريات الإقليمية ببنود عقود نجاعة الأداء، التي تم توقيعها خلال فترة الوزير الأسبق شكيب بنموسى بين الوزارة والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وبين الأكاديميات والمديريات الإقليمية. وتهدف هذه العقود، وفق المصادر ذاتها، إلى إرساء حكامة جديدة تُركّز على الأثر والنتائج المحققة لصالح التلاميذ، من خلال تعزيز المسؤولية والمحاسبة. كما تعتمد على 20 مؤشراً استراتيجياً لقياس الأداء، تشمل نسب النجاح، والتكوين المستمر للأساتذة، وتطوير مشاريع المؤسسات التعليمية، بما يسهم في تحسين التنسيق بين مختلف الفاعلين في المنظومة التعليمية. وتقوم هذه المقاربة، وفق المصادر ذاتها على توسيع دور المجالس الإدارية للأكاديميات، مما يعزز فاعلية التتبع والتقييم في تنفيذ الإصلاحات التربوية. وعلى الرغم من أن الوزارة تُبرر قراراتها بضرورة الرفع من جودة التعليم ومحاسبة المسؤولين عن أي اختلالات، إلا أن بعض المعنيين بالإعفاء يعتبرون أن هذه القرارات لم تستند إلى معايير شفافة، بل جاءت في سياق تصفية تركة الوزير السابق، أو أنها تحمل أبعاداً سياسية أكثر منها إدارية، خاصة وأن بعض المديرين لم يمر على تعيينهم سوى سنتين فقط، مما يطرح تساؤلات حول مدى استقلالية عملية التقييم. كما أن إعفاء 16 مديراً إقليمياً دفعة واحدة يضع مستقبل الإصلاح التعليمي على المحك. وفي المقابل، يرى آخرون أن هذه الخطوة تعكس توجهاً جديداً نحو تعزيز الحوكمة والمحاسبة، حيث لم يعد المنصب الإداري محصناً ضد التقييم والمساءلة، وهو ما ينسجم مع التوجهات العامة التي تحاول ترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، خاصة في القطاعات الحساسة مثل التعليم. وإعفاء هذا العدد الكبير من المديرين الإقليميين دفعة واحدة يطرح تساؤلات ملحة حول مدى تأثير هذه الخطوة على استقرار المنظومة التعليمية، فبينما تؤكد الوزارة أن هذه القرارات ضرورية لضمان تنفيذ البرامج الإصلاحية بكفاءة، فإن المنتقدين يرون فيها ضربة لاستقرار قطاع التعليم، في وقت يتطلب فيه الإصلاح التعليمي تدرجاً وتوافقاً بين مختلف الفاعلين. وفي ظل استمرار الجدل حول نجاعة السياسات التعليمية المتبعة، ستكون الوزارة الوصية التي يقودها التجمعي محمد سعد برادة أمام اختبار حقيقي لتبرير قراراتها وإقناع الرأي العام بوجاهة هذه الإجراءات، وحول ما إذا كانت بالفعل ستُفضي إلى تحسين الأداء التعليمي، أم أنها مجرد خطوة في إطار إعادة ترتيب أوراق الوزارة وفقاً لأجندات معينة.