الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة 1. الرئيسية 2. آراء ب "الهداوة".. هل يحق للجزائر الاحتجاج على المناورات العسكرية فوق الأراضي المغربية؟ خولة اجعيفري الجمعة 7 مارس 2025 - 17:19 في العالم المتشعّب للعلاقات الدولية، تأتي مسألة السيادة الوطنية في مقدمة المبادئ الأساسية التي تنظم التعامل بين الدول، لكن، عندما يتداخل هذا المبدأ مع القضايا الإقليمية المعقدة، تتشعب أكثر النقاشات لتكشف عن جملة التناقضات والتعقيدات التي قد تحملها مواقف ذات الدول، والحديث هنا عن حالة الجزائر اليوم، في اعتراضها على المناورات العسكرية الفرنسية-المغربية المُزمع إجراؤها شهر شتنبر المُقبل، والتي تقدم مثالًا صارخًا على هذا التداخل، وتحفّز هرمون طرح سؤال جوهري: هل يحق للجزائر الاحتجاج على مناورات عسكرية فوق الأراضي المغربية؟ الحقيقة، أن الجواب الأولي الذي يسع أيا منا ترديده فوريا ودون تفكير حتى، وإن كان لا يفهم في العلاقات الدولية سوى النزر البسيط هو بسيط إلى حد ما، نعم، من الطبيعي أن المغرب، كدولة ذات سيادة، يحق لها إجراء المناورات العسكرية على أراضيها بالتعاون مع أي دولة يتفق معها على ذلك، سواء كانت فرنسا، الولاياتالمتحدةالأمريكية أو غيرها، فالمناورات العسكرية ليست فقط وسيلة لتحسين القدرات الدفاعية للدول، بل هي أيضًا جزء من التحالفات الأمنية التي قد تساهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي، تماما كما أن المغرب وفرنسا، على وجه الخصوص، يمتلكان تاريخًا طويلًا من التعاون في مجالات الدفاع والأمن، وهو ما يجعل هذه المناورات بمثابة أداة عادية في إطار هذه العلاقة. لكن الجزائر، التي ترى في هذه المناورات استفزازًا لها، تقدم تبريرات مختلفة، فمن وجهة نظرها تجرى المناورات بمدينة الراشيدية التي ترى في تموقعها بالقرب من حدودها وفي منطقة تعتبرها حساسة، وهو ما يمكن أن يُنظر إليه كتهديد لأمنها القومي، لكن الحقيقة أن الأمر لا يتعلق هنا فقط بالجغرافيا، بل أيضًا بالبعد السياسي للقضية، فالمؤكد طبعا أنها ترى في الدعم الفرنسي للمغرب، خصوصًا فيما يتعلق بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، والزيارات المتتالية لوزرائها تأكيدًا لمواقفها التي تتناقض مع مصالحها، لذا، من السهل فهم المواقف الجزائرية التي تربط بين هذه المناورات العسكرية وزيادة الضغط على ما تعتبره هي قضيتها بالتنصب للدفاع عنه بدعوى أحقية شعب فوق أراضيها بتقرير مصيره ولكنها في الان ذاته تعرقل المسار الأممي وتعتبر نفسها غير معنية بالجلوس على طاولة الحوار والتفاوض كما دعت إلى ذلك الأممالمتحدة دون أن تحرك شيئا بهذا الخصوص لإلزامها. طيب، وب "الهداوة" هنا تبدأ القضية في التداخل مع الواقع السياسي المزدوج الذي يتبناه النظام الجزائري، فمن جهة، يُعلن النظام الجزائري باستمرار عن عدم تدخله في الشؤون الداخلية للمغرب ويعتبر الأمر عقيدة دبلوماسية له ويدبّجها، مؤكدًا أنه ليس طرفًا في النزاع حول الصحراء المغربية، ومن جهة أخرى، لا يفوت النظام الجزائري أي فرصة لتقديم نفسه كداعم أساسي وراع لا محيد عنه لجبهة البوليساريو، إذ يتدخل بشكل غير مباشر في موازين القوى السياسية المتعلقة، والحقيقة هذا يجعل المرء يصاب بنوع من "السكتة الدماغية" في غياب منطق الأمور، فإذا كانت الجزائر فعلاً غير معنية بالنزاع المفتعل حول الصحراء، فلماذا إذًا الاعتراض على مناورات عسكرية تُجرى على أراضٍ مغربية؟ هل يعني ذلك أن الجزائر تتعامل مع النزاع كما لو كان نزاعًا إقليميًا مع المغرب وليس مجرد قضية سياسية تتعلق بجبهة البوليساريو؟ إن هذه الازدواجية في التصريحات والمواقف تكشف عن سياسة غير متسقة، بل وفاقدة للعقلانية السياسية والحقيقة انها تُفقد المتابع سبل الإدراك، فإذا كانت الجزائر تدعي الحياد، لماذا تبذل جهدًا لتدويل قضية الصحراء المغربية في المحافل الدولية؟ بل لماذا تدعم جبهة البوليساريو وتقدم لها المأوى والموارد؟ يتضح أن الجزائر، في واقع الأمر، تسعى لفرض هيمنتها على الملف الصحراوي من خلال دعمها لجبهة البوليساريو، في حين ترفض في الوقت ذاته الجلوس على طاولة الحوار مع المغرب أو الاعتراف بمبدأ التسوية السياسية. لنعود إلى "اللامنطق" الجزائري، نظام هذه الدولة يحتفظ بعلاقات وثيقة مع جبهة البوليساريو، وبالتالي يعتبر أن أي خطوة في اتجاه حل النزاع الصحراوي بعيدًا عن رؤيتها السياسية تُعتبر تهديدًا مباشرًا لمصالحها، من هنا، تفسر الجزائر اعتراضها على المناورات العسكرية الفرنسية-المغربية في إطار هذا التوتر المستمر، ومن الواضح أن اعتراض الجزائر لا يرتبط بمبدأ الدفاع عن سيادتها بشكل فعلي، بل هو اعتراض سياسي يهدف إلى تقويض أي تحركات مغربية مدعومة دوليًا قد تُسهم في تحسين وضعية المغرب في النزاع حول الصحراء مع محاولة إقحام المملكة في أزمتها مع فرنسا، على الرغم من أن الأزمة بالأساس اشتدّ وميضها مع زيارة ماكرون إلى الرباط، وتأكيده من قلب البرلمان المغربي أن باريس العضو الدائم في مجلس الأمن سيدعم مبادرة الحكم الذاتي، وسيترافع عنها في كافة المحافل وأمام الأمم. وبالتالي، فإن هذا السلوك الجزائري لا يعكس فقط رغبة في الحفاظ على موقفها الثابت في النزاع، بل يكشف أيضًا عن مساعيها المستمرة لعرقلة كل خطوة دبلوماسية قد تؤدي إلى حل دائم لهذا النزاع، وهذا لا يخفى طبعا على أحد ففي كل مرة يبدو فيها أن هناك فرصة للتسوية، نرى الجزائر ترفع وتيرة التوترات، سواء عبر تصريحات حادة أو من خلال دعم جبهة البوليساريو بالموارد اللازمة لتعزيز موقفها، وهذا التكتيك الجزائري يسهم في إبقاء النزاع عالقًا دون أي أفق لحله. نعود الان للإجابة على سؤالنا المحوري، هل بحق للجزائر الاحتجاج؟ من حيث المبدأ، وبموجب القوانين الدولية المؤطرة يحق لأي دولة أن تعبر عن قلقها إذا اعتبرت أن خطوة ما تهدد أمنها القومي، لكن، في هذه الحالة، يبدو أن الجزائر تتبنى موقفًا مزدوجًا يتناقض مع مبادئ السيادة، فإذا كانت فعلاً تعتبر نفسها غير معنية بقضية الصحراء المغربية، فكيف يمكن لها أن تحتج على مناورات تُجرى فوق أراضٍ مغربية، حيث من الواضح أن هذا الاعتراض ليس إلا جزءًا من سياستها المستمرة في التصعيد ضد المغرب؟ وهذا في عمومه، يفتح الباب لتساؤلات أعمق، هل الجزائر معنية فعلاً بمبدأ السيادة، أم أن موقفها هو جزء من سياسة إقليمية تهدف إلى فرض رؤيتها الخاصة على المغرب من خلال الضغط السياسي؟ بيد أنه من الواضح أنها عبر اعتراضها على المناورات، تسعى إلى إضعاف دبلوماسية المغرب وتوجيه رسالة مفادها أنها لن تقبل بأي محاولة لتسوية النزاع خارج إطار مواقفها السياسية، وأنها ستواصل ممارسة سياسة تهدف إلى تقويض مصالح المغرب الإقليمية والدولية. وبناءً على ذلك، من غير المنطقي أن تظل الجزائر تحتفظ بموقف احتقاري تجاه المغرب في وقت تحاول فيه موازنة مصالحها الخاصة على حساب استقرار المنطقة، والنتيجة هي أن هذه السياسة الازدواجية التي تتبعها الجزائر تهدد بتعميق الفجوة بين الجيران، وتهدد الاستقرار الإقليمي سيما إذا استحضرنا أيضا التهديدات الإرهابية من دول الساحل الساحل والتي باتت تأتينا من الحدود الجزائرية، وعموما في مجمل الأمور ما يحدث يزيد من تعقيد النزاع المفتعل، ويجعلنا ننتبه إلى مسألة العقلانية السياسية لدى الجار والتي أصبحت من الرفاهيات التي لا مكان لها في دبلوماسيته.