1. الرئيسية 2. افتتاحية حفتر وأراضي ليبية استعمرتها الجزائر سنة 1957! الصحيفة - افتتاحية الخميس 15 غشت 2024 - 2:20 تعيش الجزائر وضعا إقليميا ودوليا صعبا. فعلاقتها مع روسيا - حليفها الاستراتيجي - آخذة في التدهور، ومع باريس تعيش انتكاسة حقيقية بعد دعم فرنسا لمغربية الصحراء. وعلى أطراف حدودها تعاني الجزائر من فشل دبلوماسيتها "المتعالية" مع ماليوالنيجر، في حين بدأت موريتانيا تعبر عن تضايقها من الضغوط التي يمارسها النظام العسكري الجزائري عليها بخصوص قضية الصحراء، ورفض مبادرة ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي التي اقترحها الملك محمد السادس. إقليميا يعيش النظام الجزائري فوضى عارمة. ففي الوقت الذي كان يحاول ترميم علاقته مع النيجر، كانت التشاد تفتتح قنصليتها في الداخلة كعنوان كبير عن اقتراب إفلاس رصيد الانفصال التي تسوقه الجزائر في الصحراء المغربية، بعد أن أدركت العديد من الدول الإفريقية أن حاجتها للتنمية والتطور الاقتصادي وخلق علاقات سليمة مع البلدان أكثر إلحاحا من الاحتفاظ بفكر صناعة الفوضى ودعم الحركات الانفصالية المسلحة التي أنهكت إفريقيا على مدى عقود. وإن كانت الجزائر تجد نفسها مطوقة بعلاقات متوترة مع محيطها بفعل تراكم أخطائها التاريخية والاستراتيجية، فإن سياستها بدأت تنعكس على حدودها الموروثة عن الاستعمار الفرنسي إبان عهد الجنرال شارل ديغول الذي أسس الجزائر بحدودها الحالية بقضم أراضٍ مغربية وتونسية وليبية. في هذا السياق، حرّك المشير المتقاعد خليفة حفتر أرتال عسكرية متوجها نحو منطقة حدودية لليبيا مع الجزائر مساحتها تزيد عن 32 ألف كيلومتر. المُعلن من هذا التحرك هو ضبط الحدود بين البلدين بعد تنامي "الحركات الجهادية" في المنطقة، لكن الهدف الأساس الذي عبر عنه المشير المتقاعد خليفة حفتر أكثر من مرة هو استعادة أراضٍ استولى عليها النظام الجزائري داخل ليبيا منذ سنة 1957. وتعتبر الجزائر هذه الأراضي بمثابة "غنيمة فرنسية لها"، في حين أن ليبيا لم تعترف يوما بأن هذه الأراضي تابعة للجزائر، كما لم يصادق عليها البرلمان الليبي إلى اليوم. حتى أن الراحل معمر القذافي كان يطالب باستعادة هذه الأراضي المحاذية لقرية "امباس" على الحدود الجزائرية النيجيرية، والتي تعد مساحتها أكبر من دولة بلجيكا بما أنها تزيد عن 32 ألف كيلومتر مربع. وفي الوقت الذي سبق للقذافي أن أكد في خطاب تلفزيوني شهير سنة 1997 أنه "لا يعترف بالحدود الموروثة عن الاستعمار مع أية دولة عربية"، كانت الجزائر تؤكد أن" الحدود التي تركها الاستعمار يجب أن تبقى على حالها"، وهو نفس خطابها السياسي لتقسيم المغرب، لتفادي إرجاع الأراضي التاريخية التي ضمتها فرنسا إليها وشكلت "دولة الجزائر" التي تأسست سنة 1963. واستند النظام الجزائري لضم مناطق شاسعة من ليبيا إلى ما تضمنته اتفاقية وقعتها ليبيا والإستعمار الفرنسية للجزائر سنة 1957 تحدد بموجبها الحدود بين ليبيا و"الجزائر الفرنسية"، غير أن ليبيا تؤكد أن هذه الاتفاقية لم يصادق عليها برلمانها إلى اليوم، ولم يتم ترسيم الحدود بشكل قطعي مع الجزائر إلى اليوم، وأن موافقتها عليها بشكل مبدئي مع فرنسا سنة 1957 (أي قبل تأسيس دول الجزائر من طرف فرنسا) كان لرفض ليبيا التشويش على حركة تحرير الجزائر وعلى الحكومة التي انبثقت عنها (الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية)، والتي تأسست بالقاهرة عام 1958، وترأسها فرحات عباس، لطرد المستعمر الفرنسي. ومنذ ذاك الحين بقيت الجزائر تسيطر على هذه الأراضي الليبية على طول حوض "غدامس" والحدود مع دولة النيجر، باعتبارها أراضي جزائرية، في حين ظلت ليبيا تطالب بها لأنها كانت تابعة إلى "المملكة الليبية" قبل أن تضمها فرنسا إلى الجزائر. كما أن الراحل معمر القذافي كان يطالب بهذه الأرضي طوال سنوات سَبعينيات وتسعينيات القرن الماضي، ولم يعترف بأنها أراضي جزائرية إلى حين مقتله سنة 2011. وكانت الجزائر تحاول في كل مرة إقناع ليبيا بإقفال هذا الملف، كان آخرها الحديث عن الحدود بين البلدين ما بين 1995و1997 على عهد حكومة اليامين زروال، لكن هذه المحادثات لم تفض إلى أي نتيجة تذكر. اليوم، ومع توغل النظام الجزائري في صناعة الفوضى ودعم الحركات الانفصالية المسلحة في المنطقة حتى أصبحت من أكثر المناطق فشلا في التكامل بين دولها، وباتت مرتعا للحركات الجهادية، وللمشاكل الحدودية بين الدول، عاد المشير خليفة حفتر ليطالب ب"حق ليبيا في أراضيها" التاريخية، ويحرك قواته نحوها، وهي الأرضي التي لا تبعد كثير عن "عين امناس" التي يوجد بها أهم حقول النفط الجزائرية التي تغذي آلة النظام في التسلح ودعم الحركات الانفصالية وصناعة الفوضى بالمنطقة بملايير الدولارات. تحرك حفتر نحو حدود بلاده مع الجزائر يجعل النظام الجزائري لا محالة في طوق من الفشل التاريخي في تدبير الدولة مع محيطها الإقليمي، بل يهدد كينونة الدولة الهشة بتعدد أعداء صنعهم النظام الجزائري لنفسه عبر عقود من التآمر وتغذية النعرات الانفصالية في المنطقة.