1. الرئيسية 2. آراء 43 سنة على انتفاضة 20 يونيو: ماذا تغير في المشهد السياسي المغربي؟ الأمين مشبال الأثنين 24 يونيو 2024 - 13:02 حلت أمس، في ما يشبه صمت القبور، الذكرى الثالثة والأربعون لأحداث أرخت لفترة طويلة بظلال ثقيلة على الحياة السياسية والاجتماعية والحقوقية في المغرب. إذ مع اقتراب صيف 1981، وتحديداً يوم 28 مايو، أعلنت الحكومة، استجابة لتعليمات صندوق النقد الدولي، عن قرار زيادة تتجاوز 50 بالمائة في المواد الأساسية مثل السكر والزيت والزبدة والطحين. مبررات تلك الزيادة كانت جاهزة وقد لا تخلو من أسباب معقولة: التكاليف الباهظة للحرب الضروس التي كان يخوضها المغرب في أقاليمه الجنوبية دفاعاً عن وحدته الترابية، وتراجع مداخيل الفوسفاط. لكن ما ليس معقولاً ولا مقبولاً سياسياً واجتماعياً وأخلاقياً هو تحميل الطبقات الوسطى والمسحوقة وحدها تكلفة ذلك. نجم عن القرار الحكومي موجة احتجاجات، بما في ذلك لدى البرلمانيين الموالين للحكومة. كما دعت نقابة الاتحاد المغربي للشغل إلى إضراب عام يوم 18 يونيو، مما أدى إلى شلل المرافق الاقتصادية بالدارالبيضاء. نتيجة لذلك، قررت الحكومة تخفيض الزيادة في الأسعار بنسبة 50 بالمائة، لكن كان لحزب الاتحاد الاشتراكي وللكنفدرالية الديمقراطية للشغل رأي آخر. فقد دعت الكنفدرالية، التي كانت مرتبطة حينها بحزب الاتحاد الاشتراكي، إلى إضراب وطني عام يوم 20 يونيو احتجاجاً على السياسة اللاشعبية للحكومة. بالمقابل، سخرت الدولة إمكانياتها لإفشال الإضراب، مما أدى إلى اندلاع مواجهات عنيفة مع المحتجين بمدينة الدارالبيضاء وسقوط مئات القتلى والجرحى حسب أوساط المعارضة (تم الكشف، في إطار أشغال هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2005، عن 77 جثة في مقبرة جماعية)، وآلاف المعتقلين في مختلف أرجاء البلاد، بما في ذلك حوالي 150 من المناضلين النقابيين والحزبيين الاتحاديين، ومنع جريدة "المحرر" و"ليبيراسيون" لسان حال الحزب من الصدور. بالرجوع إلى تلك الأحداث التاريخية الأليمة، والتي هي جزء لا يتجزأ من سنوات الرصاص التي عاشها المغرب، يحق للباحث والحقوقي والمؤرخ أن يتساءل عن الأشواط التي اجتزناها كدولة ومجتمع للقطيعة مع ماضٍ من الانتهاكات الجسيمة. وأن يتساءل أيضاً إلى أي مدى تم تجاوز فترة تاريخية كان فيها "المجتمع ضد الدولة" كما تجسد ذلك بالملموس عبر سلسلة من الانتفاضات الحضرية (1965، 1981، 1984، 1991). من جهة ثانية، ألا يمكننا أن نتساءل بعد مرور أزيد من ثلاثة عقود على آخر انتفاضة حضرية بالمغرب، ألم تكن تلك الانتفاضات الحضرية، بجانب محاولات مختلفة الأشكال والمصادر لإسقاط النظام في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، تعبيرات سياسية عن انسداد الأفق السياسي وغياب حد أدنى من التوافقات بين الفاعلين السياسيين الأساسيين في المغرب وذلك إلى حدود دستور 1996؟ لكن ألا يحق لنا أن نتساءل عن أي تأطير وتأثير يمكن أن تمارسه اليوم طبقة سياسية فاسدة (بيمينها ويسارها) على الجماهير التي ما تنفك مشاعر اليأس تتعمق داخلها باستمرار؟ ما هو أكيد أن المغرب عاش منذ انتفاضة 20 يونيو 1981 مساراً طويلاً ومتعرجاً وتارة مؤلماً لتحقيق مصالحة مع ذاته ومع تاريخه. هذا المسار أفرز إجماعاً حول الثوابت الوطنية (الإسلام، الوحدة الترابية، الملكية)، مما جعل طبيعة الصراع تنتقل من استراتيجية الاستيلاء على الحكم إلى استراتيجية تدبير الحكم، والتي تجد إحدى تعبيراتها الإيجابية في بروز مجتمع مدني حي وفاعل يعبر عن مطالبه واحتجاجه بشكل سلمي، في انتظار ثورة تصحيحية تخرج الأحزاب الوطنية من غرفة الإنعاش التي ترقد فيها.