لا يمكن للمتتبع لتاريخ المغرب، منذ الحصول على الاستقلال، إلا أن ينتبه إلى مسألة في غاية الأهمية، تتمثل في وجود دورة، تكاد تكون طبيعية، تنفجر فيها احتجاجات وانتفاضات، كبرى وإضرابات عامة، في فترات متلاحقة، باستثناء مرحلة حكومة التناوب، و ما تلاها، حيث عرف المغرب، فترة طويلة نسبياً، دون انفجارات وحركات اجتماعية كبيرة، تهز الشارع كما حصل من قبل. فبعد حصول المغرب على الاستقلال، شهد المغرب مواجهات مع المناضلين الاتحاديين، الذين تعرضوا للاغتيال والنفي والاعتقال، وعرفت مدينة الدارالبيضاء، على الخصوص، ومدن أخرى، انتفاضة 23 مارس 1965، وقد جوبهت بالرصاص، وبالاعتقالات العشوائية. ولم يعرف المغرب، هدوءاً بعد ذلك، حيث انطلقت حركة الطلبة والتلاميذ، في سنة 1972، في إضراب شامل وسنة بيضاء، كما دخل جزء من الحركة الاتحادية، في مواجهات مسلحة، سنة 1973، وتميزت هذه السنوات، بانتشار الفكر اليساري الجذري، بين الشباب، الذي تعرض لحملة قمع شرسة، وفي سنة 1979، نظمت الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، إضراباً وطنياً، لقطاعات التعليم والصحة والغاز والبترول، فقامت السلطات بطرد آلاف الموظفين واعتقال العشرات منهم. ولم يمض على هذه الأحداث، سوى سنتين، حتى دعت نفس النقابة لإضراب وطني عام، بدعم من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو ما يعرف بأحداث 20 يونيو 1981، التي سقط فيها مئات المواطنين في مدينة الدارالبيضاء، بين قتيل وجريح، بسبب استعمال الرصاص الحي، من طرف السلطات، واعتقل فيها قياديون من النقابة والحزب، المذكورين. بعد هذه الأحداث، شهدت مدن الشمال انتفاضة أخرى، احتجاجا على الفقر والتهميش، سنة 1984، وفي سنة 1990، عاد موضوع الإضراب العام، الذي أعلنت عنه الكنفدرالية والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، بدعم من الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، وحصلت أحداث كبيرة في مدينة فاس، على الخصوص. لم تتوقف الحركات الاحتجاجية، ذات الطابع السياسي والاجتماعي، طيلة تسعينيات القرن الماضي، إلا بعد أن دخل المغرب، في مرحلة جديدة، انطلقت مع حكومة التناوب، والتي صادفت كذلك، اعتلاء العرش، من طرف الملك محمد السادس، فسادت تسمية العهد الجديد، كرمز لنموذج مغاير في الحكم. وقد عرف المغرب، فترة طويلة من هدوء الشارع، منذ سنة 1998 إلى سنة 2011 ، حيث تحرك آلاف الشباب من مختلف الأطياف السياسية الديمقراطية والحقوقية، للمطالبة بإصلاحات دستورية و حل الحكومة والبرلمان، وهو ما حصل. اليوم نحن أمام دورة جديدة، من الاحتجاجات، طبيعية هي كذلك، تتميز على الخصوص بطابعها الاجتماعي، ويمكن التفاعل الإيجابي معها، على خلاف ما كان يحصل قبل 1998، لمعالجة المشاكل وسٓدّ أوجه الخصاص والتهميش والظلم، فهذه مسؤولية ينبغي أن تتحملها الحكومة الحالية، في سباق مع الزمن الذي ضيعته الحكومة السابقة.