مدينون – جميعاً – باعتذار من مصر. سهوة لا تُغتفر وخطأ متمادٍ. منذ سنين ونحن نكتب – جميعاً – عن مقاهي القاهرة. نكتب تحت عناوين كثيرة ولأسباب كثيرة، أهمها المقهى الأدبي، وإلى حد ما، السياسي والصحافي. وحيث يداوم أهل هذه الفئة من المشاهير، يصبح المكان «مقهى»: صالون الهيلتون، أو ردهته، أصبح مقهى الهيلتون. صالون الشاي الذي أنشأه «غروبي»، أصبح مقهى غروبي، ولا ينفع التصحيح في شيء، وطبعاً جميع الأماكن التي داوم فيها نجيب محفوظ إلى أن استقر على الفيشاوي، في خان الخليلي، مقهى قهوة. وبقليل من الفَرنَجة، تصبح «كافيه»، كمثل كافيه ريش، التي أعاد أصحابها تجديدها، بمنتهى الذوق: أبقوا كل شيء على شكله الماضي. الأغراب أمثالنا يعرفون من القاهرة بضعة مقاهٍ. ويمضون العمر يكتبون عنها. لكن مصر هي أم المقاهي مثلما هي أم الدنيا. في بداية كل شارع، وفي وسطه، وفي نهايته، وما بينها، مقهى. أي مكان تستطيع الجلوس فيه وتقرأ صحيفتك أو تقرأ بخت البلد، أو تسمع. أي تسمع الأغاني والموسيقى وعدوية، وتشاهد المباراة، وتراهن «بذمتك» أو «بحياة أبوك» على من سيسجل «الغول» التالي. وفي الحالتين «ذمتك» و«حياة أبوك» من كلام المقاهي، لا يعوّل عليه. ثمة قاعدة – أو شبه قاعدة – على الأقل، لا أدري إن كانت قد لفتت جنابك: المقاهي، إلا شواذ القاعدة والحريم السياحي، لا تدخلها الهوانم. «ما هوه الرجّالة أصلهم هاربين من البيوت عشان الهوانم. على ما يقال، يعني». إذا كنت تشاهد الأفلام المصرية، خصوصاً ما يعرف منها «بالواقعية»، لا بد أنك لاحظت وجود مقاهٍ في الأحياء الفقيرة، لا طاولات فيها. أي طرابيزة. لكن فيها كراسي وزبائن ونقاشات وحكايات. وفيها تلفزيون ينقل مباريات وأغنيات. هل هذه كلها مقهى أم هي مطعم أم هي قهوة؟ فلنعد إلى الاعتذار. إنها ليست شيئا من كل هذا. يقول الكاتب المصري الفرنسي، روبير سوليه، إن المقهى في مصر له اسم خاص. مثل الهرم وأبو سنبل. وهو «أهوَه». ألف هاء واو هاء. وما عدا ذلك تحريف غرباء.