1. الرئيسية 2. آراء أينَ الدّيمُقراطية؟ أحمد إفزارن الثلاثاء 21 نونبر 2023 - 14:33 - سؤالٌ مَطروحٌ في بلادِنا، ونحنُ نُعانِي أزمةَ الدّيمقراطية، على كلّ مُستَوياتِها.. لماذا ليست لنا ديمقراطيةٌ سليمة؟ وإذا كانت، أين هي على أرضِ الواقع؟ لماذا ليست لها مردوديةٌ إيجابيةٌ على الفرد والمُجتَمع والدولة.. لماذا لا تُساهِمُ في بناء الاستِقرار السياسي والاقتِصادي؟ و أين هي الديمقراطيةُ التي تحُولُ دُون استِفحالِ الدكتاتورية والاستِبدادية؟ وتُقلّصُ الفسادَ بكل أنواعه؟ وتُقلصُ الفقرَ في البلد؟ ولماذا ليست ديمقراطيتُنا من الأكثرِ تقدماً في العالم، من حيث المُساواة والعدالة الاجتماعية وحُقوقِ الإنسان والحُريات العامة؟ أين ديمُقراطيتُنا المتقدمة؟ لماذا لا تتّسعُ دائرةُ مُراقبتها ومُحاسبتِها؟ وعدالتِها الاجتماعية؟ لماذا لا نستفيدُ من الإيجابياتِ الديمُقراطية؟ لماذا لا نُطبّقُها في حياتِنا اليَوميّة؟ - الجوابُ واردٌ في إحدى الخطاباتِ الملَكية التاريخية: يقول: إنّنا أمام عدُوّ خطير، هو الفَسَاد، وهذا يَتوجّبُ أن يُحارَبَ بقُوّة القانُون.. الفَسادُ لا يُحارَب إلاّ بالقانُون، وليس خارِجَ القانُون.. - وما زال السؤالُ مطروحًا: أين الديمقراطية؟ أين هي بشَكلها المُنبَنِي على المُشاركة الواسِعة للمواطنين في العمل السياسي؟ أين الديمقراطية القائمة على الاستفتاءات وغيرِها من وسائل التّمكِين وتثبيتِ الإرادة الشعبية؟ الناسُ تبحثُ عن الدّيمُقراطية السليمة، ولا وجودَ لها في الأحياءِ المُهمّشة، وأوساط التّزكياتِ الحِزبية، وفضاءات السماسِرة.. ومَداشرِ الوعودِ الانتخابية.. أينَ تختفِي ديمُقراطيتُنا المَنشُودة؟ - ينقُصُنا أمرٌ واحِدٌ هو القانون.. الالتزامُ بالقانون، في أوقاتِ التّرشُّحِ والتصويت، وفي مواعيدِ الإدلاَءِ بالأصوات.. إنّ في أحيائنا المُهمّشة يحدُثُ ما يُباعُ ويُشتَرَى، أمام أنظار جهاتٍ مسؤولة.. البرلمانُ نفسُه، ومعهُ الجماعاتُ المَحلّية، وهوامشُ وكواليسُ هذه المؤسّسات وغيرِها، كلُّها أسواقٌ تجاريةٌ للبيعِ والشراء.. والقانونُ يَختفِي.. لا وُجودَ له في الزمنِ الانتِخابي.. مسؤولونَ يبيعُونَ الأصواتَ ويَشترُون ويتوسّطون.. والأثرياءُ يتَودّدُون لدَى سماسرةِ الانتِخابات.. وكلّ شيءٍ يُباعُ تحت الوعودِ الانتخابية.. والأحزابُ تتَفَرعَنُ في البلَد.. تفعلُ ما تُريدُ كما تُريد.. وكأنها خارِجَ القانون.. والضميرُ الديمُقراطي يَذُوب.. والسهراتُ تطولُ في الليالي الانتخابية.. ويكثُرُ باعةُ الأصوات.. ومَن يتوسّطون.. ومَن يبِيعُون أنفُسَهُم.. إضاءاتُ الليلِ تمتدُّ إلى مطلعِ الفجر.. والوعودُ تُباعُ وتُشتَرى.. هذا هو الزمنُ الانتِخابي.. وكلُّ شيءٍ مُباحٌ من أجلِ البرلمان والجماعاتِ والمجمُوعات.. وافْعَلْ ما تُريدُ إن كُنتَ من عِلية القَوْم.. - إنها عصاباتُ الجماعات والبرلمانِ وغيرِها، نشيطةٌ بالليلِ والنهار.. وسماسرةُ الانتخابات أغلبُهُم يتسلّقُون إلى مقاعد الجماعاتِ المحلية.. ويُصبِحون وُسطاءَ مُقرّبِين من سلُطاتِ القرار.. كلُّ شيءٍ يُباعُ ويُشترَى في أوقاتِ الانتخابات.. والسّمسرةُ في كل مكان.. والفاعلون المحليُّون على عِلمٍ بما ظهرَ وما بَطَن.. و"التّدويرةُ" تجوبُ الفيافي والقِفار، ولا يُوقفُها لا ليلٌ ولا نهار.. - والناسُ في حَيْرَةٍ كُبرى.. الكُلُّ في زمنِ التناقُضات.. وثُقوبٌ سوداءُ تُسِئُ لسلامةِ الديمقراطية المطلُوبة.. - وعندنا وفرةٌ من الأحزابِ التي تبيعُ وتشتري.. ينقُصُ أحزابَنا الضميرُ الديمُقراطي.. هذا فقط.. الضميرُ مفقود.. والناس تتساءل: ما جدوَى البرلمان، إذا لم تُواكبهُ أخلاقٌ ينصُّ عليها القانون؟ ويكثرُ مَن يُفتُونَ في الانتِخابات.. - البرلمانُ بنايةٌ صمّاء.. والحكومةُ أصمّ.. ولا تُجدِي البِنيةُ التّحتيّة القائمة.. والقانونُ يشتكي.. ولا يَسمعهُ أحد.. والعيبُ هو العيب: الفَقرُ هو الفَقر.. الخلَلُ هو الخلَل.. والأحزابُ والنقاباتُ لا تكُفُّ عن الفسادِ والإفساد.. فماذا وقَع؟ وماذا يقَع؟ ولماذا؟ - بلادُنا لها مُقوّماتُ التّنمية، بيْدَ أنّ الفسادَ لم يَغِب.. ما زال يُحطّمُ كلَّ الأرقامِ القياسيةِ المُعاكِسة.. إنّ مسؤولين عندَنا يَشتَغلون، وهذا مُؤكّد.. عندنا مسؤولون في المستوى المطلوب.. وهذا واضح.. وفي المُقابل، آخَرُون يفتَرِسَون.. كائناتٌ عندَنا تبنِي، وأُخرَى هي هَدّامَة.. وعلينا بإعادةِ النّظر في "مَفهُوم الدّيمُقراطية".. ديمُقراطيّتُنا مُتَحزّبة، ولها غِطاءاتُ مَغشوشة.. ويعُود الخللُ إلى فئاتٍ لا تقُوم بواجباتِها المسؤولة.. هذه فئاتٌ تخرقُ دُستورَ البلد.. - خلَلٌ في الربط المسؤول بين الإداراتِ والمؤسّسات، وأطرافٍ انتخابيةٍ غشاشة، ناهيكَ عن استفحالِ الفساد الحِزبي، والرشوة في طُول وعرضِ إداراتٍ تنخرُها اللامُبالاة.. وما يُسمّى بالديمقراطية الحِزبية والنقابية، ليست ديمقراطية بالمفهومِ المُتداوَل عالميًّا.. لماذا؟ الجوابُ هو الغِشّ: والغشُّ لا يَصنعُ الصّدق.. ولا اعتِمادَ على الغِشّ لبناء رُوحِ المسؤولية، وبلا إضرارٍ بمصالحِ الدولة والشعب، والوطنِ بصفةٍ عامّة.. ما زال عندَنا مسؤولون يتلاعَبون بالأصوات الانتخابية، ويختَلقون النتائج.. الغشُّ لا يُنتِجُ إلاّ أصواتًا مغشُوشة.. وهذا حالُنا منذُ أن انطَلقَت نُخَبُنا في فَبرَكةِ انتخاباتٍ ظاهرُها برّاق، وَواقعُها: وعودٌ كاذِبة، وشِراءٌ للأصوَات، وافتِراءٌ على الديمقراطية.. - وأحزابُنا، ومنذ عُقود من الزمن، وهي تُدِير حكوماتٍ غشاشةٍ ومغشُوشة.. والمَغشوشُ - حزبًا كان أو برلمانًا - لا يُنتِج إلا مزيدًا من الغِشّ.. وهكذا اعتادَت الطبقةُ الحِزبيةِ على اصطناعِ ديمقراطيةٍ لادِيمُقراطية.. والنتيجةُ المُتداوَلة على امتدادِ الزمنِ الانتخابي الكذّابِ والمكذُوبِ عليه، تتمثّلُ في اختِلالِ الأحزابِ والنقابات، ومن ثَمّةَ: الافتراء على أغلبياتٍ حكومية تمارِسُ عبرَ الشؤونِ الإدارية: قضايا الوطن، وحقوقَ المُواطن، مع اصطناعِ قوانين تسيرُ في اتّجاهِ تعميقِ الفقرِ بِبلادِنا، خدمةً لمَصالحِ أثرياء البلد.. وهكذا عَيّشَتْنا أحزابُ اللاّديمقراطية في الأوهام.. وهذا الحالُ لا يُنتِجُ أحزابًا مُؤهّلةً لخوضِ انتخاباتٍ مَسؤولة.. إنهُ المُناخُ الحزبي والنقابي الذي فرّخَ في بلادنَا مسؤولين فاسِدين لا يزدادُون إلا ثراءًا، ولا يُغرِقُون طبقاتِنا الشعبيةَ إلاّ في تفقيرٍ على تَفقِير.. - ويبقَى الدستُورُ مَرجِعيةٌ أساسية لمُعالجةِ مَشاكلِ البلَد في شقّها القانوني.. وهذا ما يُركّزُ عليه مَلكُ المَغرب.. وعلى مؤسّساتِ الدولة أنْ تتّخذَ هذا الأساس الدستوري قاعِدةً في تعامُلاتِها، باعتِبارِها فريقَ عملٍ في مُواجهةِ واقعٍ سلبيّ تُعانِيهِ بلادُنا.. ضرورة العودة إلى مَرجِعيّتِنا القانونية لتطويقِ عرقلةِ الفَساد الإداري.. ولا خيارَ لنا إلاّ الإنهاء الجِذري مع ثقافة الفساد.. - وهذا الخيار هو ما أوصلَتنا إليه أحزابُنا ونقاباتُنا الفاسِدة.. وما دامَت أحزابُنا ونقاباتُنا سلبيّة، وما زالت على سلبيةٍ مُتواصلة، فهذه عرقلةٌ كُبرَى يجبُ أن نتغلبَ عليها، خلفَ السياسة الرشيدةِ لجلالة الملك.. ويجب أن يكُون لتعليمِنا العمومي دورٌ شاسع لانفتاحِ مجالاتٍ واسعةٍ في التربية التعليمية العالمية.. فما العمَل؟ أيُّ دَورٍ للمُؤسّسات التعليمية؟ - لقد خرجَ إلى شوارع البلادِ أساتذةٌ وتلاميذُ وآباءُ وأمّهات.. الأُسرُ المغربية تحتجُّ على سلبيةِ التّعليمِ العمومي.. واضحٌ ألاّ اعتِمادَ على التّعليمِ الخصوصي.. هذا لا يهمُّه إلاّ الربح السريع.. وهو أيضا لا يعبأ بالقيّم الديمقراطية.. ومع ذلك، يجب أن نتحرّك لإنقاذِ التعليم العمومي لكي يقوم بواجبِه في تكوين الناشئة على قِيّمِ الديمقراطية.. يجبُ إحضارُ الديمقراطية إلى المدرسة، والأُسرة، فيتمَّ تجسيدُها في ممارسةِ العادات الديمُقراطية، ولكي نتّفقَ جميعًا على الانخراطِ في ديمقراطية حقيقية على كل المستوياتِ الاجتماعية، لأنّنا بلا ديمقراطية حقيقية، لا مجال لمؤسّساتِنا في المراقَبة والمسؤولية ومكافحة الفساد.. وعلينا بإدماج واقعِنا الاجتماعي في استمدادِ اللاّفساد، من القِيّم الديمقراطية الحقيقية المعمولِ بها في العالم، على صعيدِ حياتِنا اليومية، فنكُونَ جزءًا من الأخلاقياتِ الديمقراطية، في مسارِنا الوطني والإداري إلى تنمية متواصلة في ربوع بلادنا.. وهكذا نستطيع أن نُؤثّر في بَعضِنا، وبطريقة إيجابية، داخل الأسرة، وفي المدرسة، والشارع، فتكونَ الروحُ الديمقراطية رفيقةَ حياتِنا على امتداد مَسيرَتنا الثقافية والمهنية والسّلوكية.. - وهذه مِن إضاءة "التربية الديمقراطية الإيجابية"، توضيحًا للقواعد والقوانين، لمُساعدة الطفل على الاستيعابِ وترجمة الأفكار إلى تطبيقات، فهماً وسلوكاً في المدارس، والبيوت أيضاً لها النصيب الأكبر في هذا، تنويورًا بحُسنِ السلوك المبنِي على الاحترام والكرامة.. وتتجلى هذه القيمة عندما يُعطي الوالدان المجال لأطفالهما كي يختاروا ما يناسبهم، بحسب الفئة العمرية ومرحلة التعلم والنمو، وعلى الأطفال أن يتحملوا مسؤولية اختياراتهم، ويُحسنُوا تفعيل مبدأ الرقابة الذاتية وتدريبه على المراجعة والمُحاسبة، لتمكين الناشئة من مسؤولية الاختيارات حتى في سنّ مُبكّرة، وهذه مُبادرةٌ مفيدة، تؤطرُ على تكوين شخصية تعتمدُ على نفسِها، في استقلاليةِ القرار، وبدونِ اعتماد على الآخر.. - ومن حق الطفل أن يتعلمَ في سنّ مُبكرةٍ كيف يعتمدُ على نفسه، وعلى اتخاذ قراراته بشكل مُستقلّ، وتعزيزًا من الأسرة لاتخاذِ أيّ موقف مُقنِع خاص، تماشيّا مع الحق في اتخاذ أي قرارٍ مستقلّ مؤهّلٍ للإقناع أو الاقتناع.. وبهذا يُبقِي الوَالدَان طِفلَهُما لكي يَختارُ بنفسِه قراراتِه، ويُبقِي ظِلَّهما يحنُو على طِفلِهما من بعيد، يُراقبُه ويُساعدُه ويُرشدُه نحو القرارِ الأكثرِ صواباً... وفي هذا السياق، يقولُ بعضُ الحُكماء: "ضرورةُ الاعتناءِ بالتّعليم.. هو مَصدَرُ كلّ المَشاكل.. فيه ما يحُلُّها، وفيه ما يُعقّدُها.. وجبَ إدراكُ الفرقِ ما بين الانضباط، وحُريةِ الإرادةِ والاختيّار.. وفي كل الأحوال، لا يُقبَلُ تَجاوزُ حُرية التّعبير: الحُريةُ لها حدُود.. - وللتّخفيف منَ العَواقبِ السّلبية التي قد تَطرأ أثناء تطبيقِ مبادئِ الديمقراطية، منَ الأفضل أن يكُونَ الوالدان نموذجاً للقُدوة الحسَنة للطّفل، أثناءَ تلقّي الثقافة الديمُقراطية.. وفي هذا السياق، يجدُر أن يتّصفَ النمطُ التربوي للوالديْن بالثّبات، حتى لا تتناقضَ أفعالُهُما مع الأقوال، بل تكُون مُتوافِقة ومتّسِقة مع بعضِها، وهذا يتطلبُ حزمًا مع الذات، وصبرًا والتزامًا.. وهذا من العوامل التي تُشعرُ الطفلَ بالأمانِ والمصداقية، خاصةً عند الانسجامِ بين الأمّ والأبِ حولَ الأساليب التربوية بين الطرفيْن، وانسجامِ القراراتِ التي يتّخذِانِها، تفاديّا لأيّ تناقُض أو تشكُّك أو تشويش.. - وفي هذا تُفِيدُ الديمُقراطيةُ الأُسَرية، باعتِبارِها أساسًا لمدرسةِ الديمُقراطية المُفيدة داخلَ البِناءِ الأُسري، وهذه تُجنّبُ انزلاقَ الديمقراطية الأُسَرِية عن أيةِ حالةٍ لادِمُقراطية.. وفي كلّ الأحوال، ضرُورةُ بناءٍ ديمُقراطيّ مَتِين، في فضاءاتِنا العموميةِ والخصوصية، من أجل تنشئةِ مُجتمعٍ ديمُقراطي على كلّ المُستويات، في مملَكةٍ الديمُقراطيةِ الوطنية.. [email protected]