ارتفاع أسعار النفط مدعومة بتقلص مخزونات الخام الأمريكية    قبيل عيد الأضحى.. القطيع المستورد من الخارج يدخل الحجر الصحي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وكالة بيت مال القدس الشريف تشارك في المعرض الدولي للنشر والكتاب برواق قبة الصخرة المشرفة    أنشيلوتي: "ما يفعله ريال مدريد شيء سحري.. والريمونتادا ليست غريبة"    الأمن يضرب بقوة في وجه "تجار الموت" .. حجز 7600 قرص مخدر بطنجة    بعد اعترافها بآثاره الجانبية المميتة.. هيئة أوروبية تسحب ترخيص لقاح كورونا من أسترازينيكا    الدعم ‬الاجتماعي ‬المباشر.. ‬الغش ‬في ‬بعض ‬المعطيات‬ ‬تسبب في ‬وقف ‬الدعم ‬عن ‬عدد ‬من ‬الأسر    أخنوش يستعرض بمجلس النواب إنجازات ومكتسبات الحكومة    الكشف عن ثاني مصنع أيسلندي لالتقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه    زكريا فرحات: الرؤية الملكية حوّلت التحديات إلى فرص استثمارية بالمغرب    نيروبي.. انطلاق أشغال القمة الإفريقية حول الأسمدة وصحة التربة بمشاركة المغرب    "صحة غزة": ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و904 منذ 7 أكتوبر    أخنوش محرجا الاتحاد الاشتراكي: كنتم ترغبون في دخول الحكومة واليوم تهاجموننا.. فماذا حصل؟    البرلمان المغربي يشارك في الدورة ال 29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب    أفق جديد لسوسيولوجيا النخب    "طيف سبيبة".. رواية عن أطفال التوحد للكاتبة لطيفة لبصير    من بينها المغرب.. سبع دول تنضم لمبادرة "طريق مكة"    المنتدى العربي للتنمية المجتمعية بالدار البيضاء.. تسليط الضوء على جهود المملكة في التعاطي السريع والفعال مع زلزال الحوز    شخصيات نسائية من البرلمان وعالم المقاولة يناقشن تعزيز حقوق النساء العاملات    ترقب استئناف المفاوضات بمصر وحماس تؤكد تمسكها بالموافقة على مقترح الهدنة    الصحة العالمية: مستشفى أبو يسف النجار برفح لم يعد في الخدمة    جوائز الدورة 13 لمهرجان مكناس للدراما التلفزية    متحف "تيم لاب بلا حدود" يحدد هذا الصيف موعداً لافتتاحه في جدة التاريخية للمرة الأولى في الشرق الأوسط    مركز السينما العربية يكشف عن أسماء المشاركين في فعالياته خلال مهرجان كان    مهرجان تطوان الدولي لمسرح الطفل يفتتح فعاليات دورته الخامسة عشرة    علم فرنسا يرفرف فوق كلية الطب بالبيضاء لتصوير "حرب العراق" (صور)    حقوقي: بودريقة انتهى سياسيا ويجب افتحاص ماليتي نادي الرجاء ومقاطعة مرس السلطان    المغرب ينخرط في مبادرة "طريق مكة"    ريال مدريد يضرب بايرن ميونخ 2-1 ويتأهل رسميا لنهائى أبطال أوروبا    المرزوقي: لماذا لا يطالب سعيّد الجزائر وليبيا بالتوقف عن تصدير المشاكل إلى تونس؟    البرهان: لا مفاوضات ولا سلام إلا بعد دحر "تمرد" الدعم السريع    للمرة الأولى.. بايدن يهدد بإيقاف إمداد الجيش الإسرائيلي بالأسلحة    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بمناطق المغرب    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    الصين توصي باستخدام نظام بيدو للملاحة في الدراجات الكهربائية    محاكمة الرئيس السابق لاتحاد الكرة بإسبانيا    ملتقى طلبة المعهد العالي للفن المسرحي يراهن على تنشيط العاصمة الرباط    تسليم هبة ملكية للزاوية الرجراجية    رحيمي يورط إدارة نادي العين    عامل إقليم تطوان يترأس اجتماعا موسعا لتدارس وضعية التعمير بالإقليم    ضربة موجهة يتلقاها نهضة بركان قبل مواجهة الزمالك    وزارة الأوقاف تعلن عن أول أيام شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    "ريال مدريد لا يموت".. الفريق الملكي يقلب الموازين في دقيقتين ويعبر لنهائي "الأبطال"    الداخلة على موعد مع النسخة ال 14 من الأيام العلمية للسياحة المستدامة    كل مرة بمليون.. الحظ يحالف أمريكية مرتين في أقل من 3 أشهر    كيف أنهت "البوليساريو" حياة الأطفال؟    الفنان محمد عبده يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان    أخنوش: الحكومة خفضت مديونية المملكة من 72 إلى 70 في المائة من الناتج الداخلي الخام    كأس العرش.. الجيش الملكي يتجاوز نهضة الزمامرة ويتأهل إلى دور ربع النهائي    الحمل والدور الحاسم للأب    الريال يقلب الطاولة على بايرن ويلتحق بدورتموند في النهائي    الأمثال العامية بتطوان... (593)    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    أسترازينيكا تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    بعد ضجة آثاره المميتة.. "أسترازينيكا" تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لهيب الصحراء - سقوط الأقنعة [ 12 ]
نشر في الصحيفة يوم 17 - 11 - 2022


1. الرئيسية
2. لهيب الصحراء
لهيب الصحراء - سقوط الأقنعة [ 12 ]
الصحيفة
الأثنين 3 أبريل 2023 - 18:23
رواية لهيب الصحراء هي حكاية عن مقاتل داعشي يراجع أفكاره خلال عملية بين ليبيا والمغرب حين يكتشف فساد أفكار داعش، وتحكم بعض الأنظمة العربية فيها. خلال رحلة أبي حفص عبر صحراء ليبيا، متوقفا في مخيمات تيندوف في الجزائر، يكتشف العلاقات السرية بين أمير داعش في ليبيا والمخابرات الجزائرية. يجد أبو حفص نفسه في مواجهة التناقضات التي يرزح تحتها الفكر الداعشي، وكيف أن القادة يصطادون الشباب مستغلين لحظات ضعفهم الإنسانية لملئ رؤوسهم بأفكار متطرفة وفاسدة. حين يقرر أبو حفص التخلي عن العملية والهروب من سجن أفكار داعش، يجد أمامه ضابطا من المخابرات الجزائرية لهما معا تاريخ مشترك، وعندها تبدأ المواجهة، ويشتعل اللهيب في الصحراء.
[ 12 ]
مرت أيام لا يعرف عددها فقد خلالها أبو حفص الإحساس بالزمن وتقلبات النهار. بياض الغرفة أفقده الارتكاز وجعله يحس بأنه معلق في الفراغ. الضوء الساطع حرمه من الانغماس في النوم وأفقده القدرة على حساب الأيام. لم يكن يسمح له بالنوم إلا قليلا وعلى فترات متقطعة. كلما بدأ يستشعر احساس الغرق في النوم تنطلق أصوات قرع طبول صاخبة من جدران الغرفة.
حتى الوجبات الهزيلة التي كانت تقدم إليه كانت تتم بشكل عشوائي حتى لا يعتمدها مقياسا لمرور الزمن، وأيضا كان لونها أبيضا.
درجة الحرارة المنخفضة ما إن تتسرب إلى عظامه وتخزه حتى تبدأ في الارتفاع إلى أن يغطيه العرق فتبدأ بالانخفاض مجددا ويصبح قميصه المبتل بالعرق باردا كقطعة جليد ملتصقة بظهره.
قاوم فترة، لا يعرف إن كانت طويلة أم قصيرة، ثم بدأ يفقد السيطرة على نفسه وبدأت تصيبه نوبات من الصراخ والبكاء المفاجئين.
تشعثت لحيته وفقدت حاسة شمه قدرة استشعار رائحة نتنه. لم يسمح له إطلاقا بالخروج من الغرفة ولم ير أحدا غير شخص يلبس لباسا أبيضا كرجال الفضاء يأتي في أوقات عشوائية بالطعام ويفرغ سطل الفضلات حين يفيض.
مرت أربع نهارات وخمسة ليال، وانفتح باب الغرفة أخيرا عن رجلين حملاه من تحت ذراعيه وصعدا به إلى الطابق الأرضي، وأجلساه على كرسي أمام الطاولة المتوسطة للغرفة. استطاع أن يميز على الطاولة كومة من الأوراق وبضعة صور تظهره في أماكن مختلفة.
"مرحى."
جاءت الضحكة الصاخبة من خلف أبي حفص، ثم جاء الجزار وارتكز على الطاولة بقبضتيه ناظرا إلى وجهه بتدقيق.
"أبو حفص، عبقري المتفجرات الشهير. لم أتوقع يوما أنني سأراك وجها لوجه."
حاول أبو حفص أن يبتسم لكنه لم يجد لديه أي طاقة لتحريك عضلات وجهه. بقي رأسه منحنيا، كأنه ملقا على صدره، وراحتا يديه ملتصقتين بين فخذيه.
"يبدو أنك أزعجت قائدك كثيرا،" ضحك الجزار واستدار يجلس على الكرسي المواجه لأبي حفص. "لم يكلفنا سوى مئة ألف دولار ويومين من الانتظار ثم سلمنا ملفا كاملا عنك بكل التفاصيل التي يحلم بها أي جهاز مخابرات."
غمغم أبو حفص بشيء ما، ولم يهتم الجزار بسماعه. أخرج من جيبه مبردا للأظافر، وضع ساقا على أخرى وبدأ يبرد أحد أظافره، ثم زم شفتيه كأنه يحادث نفسه.
"في الحقيقة، أعتقد أنه يمكن أن يبيع أمه ذاتها لو عرض المشتري ثمنا مناسبا."
صمت بضع دقائق انشغل خلالها ببرد أظافره، متجاهلا أبا حفص، ثم انقلبت سحنته، على حين غرة، بشكل كامل وقلب الطاولة وهجم على أبي حفص يمسكه بقوة من تلابيبه ويضغط برأس المبرد على عنقه.
"الآن يا سيد. هل ستبدأ بالغناء أم سيكون عليّ تلويث ملابسي بدمائك، وستغني في الأخير رغما عنك؟"
المزيد من الصمت والأنفاس الثقيلة، ثم جاء الصوت المتقطع.
"م.. ماء."
اعتدل الجزار في وقفته. عدَّل بذلته ونفض عنها غبارا وهميا، ثم حمل الطاولة وأعادها لمكانها تاركا الأوراق والصور المتناثرة.
"طبعا عزيزي. تريد ماءً؟" ثم رفع صوته في اتجاه الباب. "أحضروا له ماءً."
سمع أبو حفص الباب يفتح وتلهف لشربة ماء ترطب حلقه الجاف. انتظر طويلا وصول حامل الماء الذي يبدو أنه يتقصد الابطاء في خطواته، ثم رأى الجزار يحرك رأسه إلى الأعلى والأسفل بإيماءة بطيئة، وانتفض حين انسكب عليه دلو من الماء المثلج.
صرخ أبو حفص وانتفض كأن صاعقة كهربائية مرت في عروقه، ثم سقط إلى الأرض يصرخ ويبكي.
"س.. سأفع.. سأفعل. سأفعل أي شيء. وسأغني. نعم سأغني."
استمر أبو حفص ينتفض على الأرض بضعة دقائق وهو يتنهنه، ثم أحس برجل يحمله من الخلف ويعيده إلى الكرسي.
"أبو حفص العتيد. لم أتوقع أن تنكسر بهذه السهولة. أم أنك،" انحنى الجزار ينقب في الأوراق المتناثرة ثم رفع ورقة منها وراجعها بسرعة. "أم كنت منكسرا من قبل؟ ربما شيء ما حدث في سوريا؟"
رأى أبو حفص صورة مضببة للجزار يدور في مكانه، واضعا يديه خلف ظهره، ثم استدار إليه وانحنى برأسه الذي رآه أبو حفص، تحت قطرات الماء والدموع، ضخما بشعا.
"شيء ما حدث في سوريا. شيء ما حدث لم تخبر به أحدا."
استقام الجزار وعاد للجلوس، ثم وضع ساقيه على الطاولة.
"لكنك طبعا ستخبرني أنا. أليس كذلك؟"
لم يمنح أبو حفص للجزار سوى صوت أنفاسه.
"هيا حبيبي. حان الوقت لتغني."
رغم كل الإرهاق والتعب والألم قاوم أبو حفص بعنف حتى لا تنفجر بثور ذكرياته صديدا.
"لم يحدث شيء. فقط الحريق كان مؤلما جدا،" توقف أبو حفص طويلا ليسترد أنفاسه. "احتجت لبضعة أشهر حتى أستعيد القدرة على تحريك يدي."
"سأتظاهر بتصديقك. لدي الآن ما هو أهم من مآسيك الشخصية عزيزي."
أنزل الجزار قدميه من على الطاولة، وارتكز عليها بذراعيه مركزا على وجه أبي حفص.
"يديك الآن بخير. الحريق لم يفقدك براعتك. صحيح؟"
"نعم، صحيح."
تنهد الجزار بارتياح وعاد للوراء.
"ستقوم إذًا بالمهمة كما كان مخططا من قبل؟"
صمت أبو حفص طويلا وعاد الجزار ينشغل ببرد أظافره وهو يقلد صوت دقات الساعة. تثاقلت أنفاس أبو حفص، ثم رفع رأسه وأغمض عينيه، ونطق بالجواب.
"نعم."
ضرب الجزار على الطاولة بكفيه واقترب برأسه إلى وجه أبي حفص.
"لماذا؟"
رفع أبو حفص عينان متسائلتان، ولم يحر جوابا.
"وافقت في البداية على تنفيذ العملية،" وقف الجزار واستدار خلف أبي حفص. "ثم حين أتيت أنا رفضت المشاركة،" وانحنى يهمس في أذنه. "والآن بعد تعذيب خفيف وافقت مجددا،" ثم استقام مجددا واضعا يديه بقوة على كتفي أبي حفص. "لماذا؟"
عض أبو حفص شفتيه.
"وافقت على العملية في البداية لأنها الطريقة الوحيدة لأغادر داعش."
"كيف؟"
"كنت سأزيف موتي، بترك آثار لحمضي النووي في موقع التفجير، ثم كنت سأختفي في موريتانيا."
رفع الجزار حاجبيه ومط شفتيه.
"فكرة جيدة. نظريا على الأقل. أهنئك عليها،" قال الجزار وهو يصفق بيديه، ثم عاد للجلوس على الكرسي، وعقد ذراعيه، وانحنى إلى أبي حفص. "ثم غيرت رأيك؟"
"الجزار."
تراجع الجزار بظهره إلى الوراء، ومرت لمحة من الامتعاض على وجهه قبل أن يتدارك نفسه.
"تعرفني إذا؟"
لم يقاوم أبو حفص الغمغمة ساخرا.
"أنت الذي أدخلني هذا العالم. كنت مجرد شاب بسيط وقع بين يديك، فكانت نتيجة تعذيبك ارتمائي في أحضان—"
قاطعه الجزار متأففا ووقف مجددا، معطيا ظهره لأبي حفص، قائلا بالفرنسية.
"تبريرات تبريرات. كلكم هكذا. تختارون طريق الارهاب وتلقون بالأمر على الآخرين."
"إرهاب؟" احتاج أبو حفص لجهد كبير ليطلق ضحكة ساخرة. "ماذا تفعل أنت هنا؟"
استدار الجزار وركل كرسيه ونزل بقبضته على الطاولة بلكمة تركت أثرا واضحا عليها.
"ما أفعله هنا هو أنني أدافع عن وطني."
حملق الرجلان طويلا في عيني بعضيهما، ثم اعتدل الجزار وأقفل زري سترته.
"سننطلق بعد يومين. حمام دافئ مع وجبة شهية وبعض أقراص الفيتامينات، وستعود لك قواك بسرعة،" جلس الجزار على الطاولة وقرب شفتيه من أذن أبي حفص. "لكن لو غيرت رأيك مجددا، فسأذهب شخصيا للاعتناء بأم محمد."
قفز أبو حفص من الكرسي وقبض على عنق الجزار.
"أيها اللعين." أبعد الجزار يدي أبي حفص المرتخيتين، دفعه إلى الأرض، وخرج تاركا صدى ضحكاته الساخرة يتردد في أذني أبي حفص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.