1. الرئيسية 2. آراء في استقبال العام 2023 عبد الحسين شعبان الأربعاء 28 دجنبر 2022 - 15:37 كثيرة هي التحدّيات التي تواجه العام الجديد، فقد سلّطت الحرب الروسية في أوكرانيا الضوء على مجموعة كبيرة من الأزمات الدولية المترابطة والمتداخلة، وهذه جميعها تشكّل تحدّيات مستمرّة للعام 2023 وربما يمتدّ بعضها إلى أعوام قادمة، ويبقى البحث عن حلول ومعالجات لإطفاء بؤرة الحرب ونزع فتيل التوتّر تمهيدًا لإحلال السلام وبنائه وإدامته هاجسًا مؤرقًا للعالم أجمع. وكان الديبلوماسي الأمريكي المخضرم هنري كيسنجر قد توصّل إلى استنتاج مفاده: حان وقت إحلال السلام على أساس التفاوض في أوكرانيا للحدّ من مخاطر نشوب حرب عالمية مدمّرة أخرى، وهو الرأي الذي بشّر به خلال اندلاع أزمة جزيرة القرم العام 2014 داعيًا إلى إجراء استفتاء تحت إشراف دولي للبتّ في أمر الأراضي التي أعلنت روسيا ضمّها، لكن حكومة زلنسكي رفضت مقترحاته واعتبرتها "مهادنة للمعتدي". وتعتبر أزمتي الغذاء والطاقة متفرّعتين عن الحرب الأوكرانية، فلم يعد بإمكان أوكرانيا تصدير الحبوب، كما أن إجراءات واشنطن والغرب عمومًا لمنع الآلة العسكرية الروسية الاستفادة من أرباحها، ورد فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقطع إمدادات الغاز عن أوروبا كانت وراء استفحالها، ناهيك عن ارتفاع نسبة التضخّم بسبب ارتفاع أسعارهما باضطرابات أخرى تتعلّق بالنقل ومعوّقاته، وتعقيدات انتشار وباء كورونا "كوفيد 19". وكان موقع ناشونال إنترست National Interest الأمريكي قد نشر تنبؤات لباحثين مختصّين هما ماثيو بوروز وروبرت مانينغ، اللذان قسّما الأزمات إلى ثلاث مستويات، عالية السقف ومتوسطة السقف ومنخفضة السقف، في إطار الدراسات المستقبلية. وتوقّفا عند الحرب في أوكرانيا واعتبراها لغزًا لا أحد يستطيع التكهّن كيف يمكن أن تنتهي؟ ويمكن طرح أسئلة عديدة من سيكون الرابح فيها؟ ومن هو الخاسر أو المهزوم؟ وهل ستبقى أوكرانيا موحدّة؟ وهل ستتمترس روسيا في الأجزاء التي احتلّتها، وهي بأغلبيّة روسية، بعد شبه جزيرة القرم التي سيطرت عليها العام 2014؟ وما هو شكل النظام الدولي الذي سيُقام بعد انتهاء الأزمة الاوكرانية؟ وهل التعدّدية القطبية أصبحت أمرًا واقعًا بعد تخلخل نظام القطب الواحد الذي هيمن على العلاقات الدولية إثر انهيار الكتلة الإشتراكية في أواخر الثمانينيات وانتهاء عهد الحرب الباردة؟ إن الأزمة الأوكرانية المركبة والمعقدة، هي أزمة العلاقات الدولية أيضًا لاتصالها بالأمن الإنساني الدولي، ناهيك عن استنزافها للغرب كذلك ، الذي أخذ يضخّ الأسلحة والمساعدات لأوكرانيا في ظروف الانكماش الاقتصادي وانخفاض مستوى حياة السكان والمطالبات الشعبية التي بدأت ترتفع بعدم هدر ضرائب المواطنين على مساعدات خارجية، فضلًا عن احتمالات التصعيد الحربي بإرسال أسلحة متقدّمة من واشنطن وعدد من العواصم الغربية إلى كييف، وارتفاع درجة حرارة الردّ الروسي النووي المحتمل. والأزمة ممتدّة ومتفاعلة مع أزمات أخرى من أمريكا الوسطى وهاييتي إلى شمال أفريقيا حتى جنوب السودان، وتشمل منطقة القرن الأفريقي وسوريا واليمن وأفغانستان وباكستان، ناهيك عن استمرار سياسة "إسرائيل" العدوانية وصعود التيار الأكثر تعصّبًا وعنصرية داخل "إسرائيل". وترتفع تأثيرات الحصار الأمريكي والغربي على إيران مع عدم التوصّل إلى حلّ بخصوص الملف النووي، وزاده اليوم ما يجري من احتجاجات شعبية داخل إيران. ومن القضايا الجديدة في هذه الأزمة تزويد إيرانموسكو بطائرات مسيّرة وصواريخ استخدمتها الأخيرة في حربها ضدّ كييف. وعلى صعيد العلاقات الأمريكية – الصينية، فإنه على الرغم من الاتفاق في قمة العشرين الأخيرة على استئناف المفاوضات، فإن مسألة تايوان قد تبدّد هذه الجهود، فلا تزال هناك خلافات جوهريّة تتعلّق بالقيم والمعايير الخاصة بالتجارة واستخدامات التكنولوجيا وحقوق الأنسان، ويزداد الأمر تعقيدًا مع المأزق الكوري باختيار بيونغ يانغ المستمر لمجموعة كاملة من الصواريخ البالستية وقذائف كروز. وحتى بعد انعقاد مؤتمر المناخ الدولي في شرم الشيخ (كوب 27) في 6 تشرين الثاني / نوفمبر 2022، فإن أزمة المناخ العالمية ما تزال مستمرّة وتحتاج إلى جهود كبيرة للتعاون وتخصيص مبالغ هائلة لمعالجتها، علمًا بأن بعض التقديرات العلمية تقول أن درجة حرارة الأرض سترتفع بنسبة 1.5% ما لم تلتزم البلدان بتخفيض 43% من إجمالي انبعاث غازات الاحترار العالمي. العالم 2023 سيكون مثقلًا بالعديد من تركة العام الذي سبقه، وأوروبا التي لم يخطر ببالها أن الحرب ستدقّ أبوابها، أصبحت تهدّد اليوم بيوتها، الأمر الذي يحتاج إلى تفاهمات جديدة لصياغة نظام دولي جديد ما بعد الأزمة الأوكرانية.