الباحث حسن بنعقية يرحل على حين غفلة. غادرنا الباحث حسن بنعقية إلى دار البقاء على حين غفلة،فلم يمهله المرض اللعين أن يتم مشاريعه العلمية والأكاديمية في الدراسات الثقافية للغة الأمازيغية،وقد سلم الروح لباريها وهو يعلم علم اليقين أن هذه المشاريع ستجد من يتفاعل معها من طلبته الباحثين والمهتمين بالدراسات والأبحاث الثقافية الأمازيغية في امتداداتها مع تاريخ الفكر الشمال إفريقي،وأبعاده الإنسانية والكونية.لماذا أسوق هذا الكلام؟أسوقه لأنني بصدد الحديث عن استاذ جامعي مغربي،درس في المدرسة العمومية،وكان من بين الطلبة المجدين الذين استكملوا دراساتهم العليا في الجامعات الاجنبية،ورجعوا إلى بلدهم المغرب بعد ان تمثلوا المرجعيات الغربية في البحث العلمي الرصين متمثلة في الفكر والمناهج النقدية.وقد كان للراحل حسن بنعقية الجرأة الادبية والعلمية في البحث في أصول الثقافة الامازيغية في شمال إفريقيا،ولاغرو فقد امتلك ناصية البحث في الثقافة الأمازيغية ،وتمثل تمثلا تاما خصائص اللغة الأمازيغية ومثاقفتها مع لغة المستمزغين بإسبانيا.وكان لابد ان يحصل هذا التمثل،كيف لا ،والفقيد رحمه الله كان استاذا مبرزا في الدراسات الفرنسية والأمازيغية وباحثا رصينا بالجامعة المغربية ،كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة،ورئيس شعبة الدراسات الانجليزية والفرنسية بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور،وهو لم يهدأ له بال إلا بعد ان وضع اللبنات الأساسية لشعبة اللغة الأمازيغية بالكلية.وقد أبى وهو حي يرزق ،وعلى الرغم من حالته الصحية ، إلا ان يدشن هذا الصرح الرصين،شعبة الدراسات الأمازيغية،ويحتفي به مع طلبته،وأساتذة الكلية،قبل ان تخطفه يد المنون على حين غفلة،ولا راد لقضاء الله وقدره.خلف الراحل حسن بنعقية تراثا علميا غزيرا،والجميل في هذا الإرث من الدراسات الثقافية الأمازيغية التي عشقها إلى حد التصوف،هو انفتاحه على متون ثقافية وحضارية بمختلف لغات العالم،وتثمينه لفكر شمال إفريقيا،وهذا ما يتبدى على الأقل للمهتم بكتاب الفقيد(تاريخ الفكر الشمال إفريقي،الصادر سنة 2016 بالفرنسية عن دار النشر لامرتان)،وتجدر الإشارة بهذا الصدد إلى أن هذا الكتاب أعتبره من وجهة نظري الخاصة مصدرا لا غنى عنهللباحثين المهتمين باللغة الأمازيغية ،لان الراحل حسن بنعقية اعتمد في تدوين هذا الكتاب/الموسوعة ،على متون فكرية وحضارية وثقافية من الصعب ان يصل إليها ويطلع عليها أي باحث،إلا إذا كان باحثا عصاميا لا يكل ولا يمل ،من طينة الفقيد حسن بنعقية الذي كرس حياته العلمية والأكاديمية لخدمة الثقافة واللغة الأمازيغية،مبدعا ،ومفكرا،وكاتبا رصينا،يتقن اللغة الإنجليزية،والفرنسية،والأمازيغية،والكاتالانية،ولا غرو،فقد ألف معجما أمازيغيا،إسبانيا كاتالانيا بالاشتراك مع باحثين آخرين،من المستمزغين الإسبان خاصة،وما كان يحركه في كتاباته،وأبحاثه حول اللغة الامازيغية وآدابها وفنونها،وموروثها الشعبي ،وحتى الثقافة العالمة، حول الحضارة الامازيغية،هو إسداء خدمات علمية وأكاديمية جليلة للجامعة المغربية،في الأدب، والتاريخ،والانتروبولوجيا،والنحو ،والمعجم باعتبارهامكونات،ومصادر ، لا غنى عنها ،للباحث في الدراسات الثقافية و الأمازيغية.لقد عاهد نفسه ،وطلبته ،على خدمة البحث العلمي الرصين،وهذا ما كان يصرح به في الندوات العلمية التي كان يؤطرها داخل المغرب وخارجه،ويحق للمكتبة المغربية ان تفتخر بخمسة وعشرين كتابا،ألفها الراحل حسن بنعقية،وهذا يدل على انه كان قارئا نموذجيا لا يقرأ وكفى ،وإنما يقرأ ليكتب موسوعاته الفكرية واللغوية ،وموسوعته التي صنفها باللغة الفرنسية خير دليل على ذلك.كان آخر عهدي بلقاء الراحل في سنة 2013،بالمقهى المقابل لكلية سلوان،تجاذبنا اطراف الحديث حول البحث العلمي،وواقع الجامعة المغربية ،والمسالك المحدثة بالكلية،والمقارنة بين البحث العلمي في جامعات اسبانيا وجامعات المغرب حول الدراسات الثقافية.اتذكر أنه كان لقاء علميا بالغ الاهمية،وشجعني على البحث العلمي الجاد.....رحم الله الفقيد،وأسكنه فسيح جناته.اللهم اجعل ارثه الثقافي والعلمي والاكاديمي،في ميزان حسناته،وصدقة جاريةينتفع بها الطلبة والباحثون والمثقفون.