قال المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إنه "في ظل عدم قدرة الاقتصاد الوطني، خاصة الاقتصادات المحلية في الجهات، على خلق فرص عمل كافية، تلجأ فئة واسعة من الباحثين عن الشغل إلى ممارسة تجارة غير منظمة من خلال الاشتغال كباعة متجولين في المدن". وأوضح المجلس، في رأي له حول الموضوع، سيقدم مضامينه عصر اليوم في مجلس المستشارين، أنه "في غياب إحصائيات رسمية حديثة، خصوصا في ظل تداعيات جائحة كورونا، فإنه يمكن تقدير عدد الباعة المتجولين بمئات الآلاف، علما أن تقديرات لقطاع الصناعة والتجارة تعود لسنة 2014 أشارت حينئذ إلى وجود 430 ألف بائع متجول". ويرى المجلس، أن هناك "عدة عوامل ساهمت في تفاقم ظاهرة التجارة الجائلة، من أبرزها، النمو الديمغرافي للساكنة، وضعف الأنشطة الاقتصادية في الجهات وما ترتب عنه من هجرة قروية، والتوسع العمراني غير المنظم، ووجود أنشطة تهريب للبضائع، وضعف تنظيم القطاعات الاقتصادية والمهن، وتنامي الهجرة من دول جنوب الصحراء في السنوات الأخيرة". كما تحدث الرأي عن "تبعات مظاهر الخلل في المنظومة التربوية واستفحال الهدر المدرسي، إذ تخلى في سنة واحدة وهي 2020، أكثر من 300 ألف تلميذ عن مسارهم الدراسي دون الظفر بتكوين ومؤهلات تساعدهم على الاندماج الاجتماعي والاقتصادي". إحصائيات غير محينة تعود آخر الدراسات التي أنجزتها السلطات العمومية والهيئات الرسمية التي تلقي الضوء على ظاهرة التجارة الجائلة إلى سنة 2014، يضيف رأي المجلس، "الدراسة الأولى هي البحث الوطني حول الاقتصاد غير المنظم الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط، أما الدراسة الثانية، فقد باشرتها وزارة الصناعة والتجارة في نفس الفترة". واعتبر المجلس أنه "رغم أن الأرقام والمؤشرات المتاحة ليست محينة إلا أنها ذات دلالة عميقة، كما أنها تؤشر إلى حجم الظاهرة". وكانت المندوبية السامية للتخطيط، استخلصت الإحصائيات الواردة في البحث الوطني حول الاقتصاد غير المنظم، انطلاقا من نتائج البحث الوطني حول التشغيل الذي شمل 90 ألف أسرة على امتداد التراب الوطني. وتشير دراسة المندوبية السامية للتخطيط إلى أن وزن فئة الباعة المتجولين (وفق تعريفها) يبلغ 51,4% من مجموع وحدات القطاع غير المنظم التي يبلغ عددها 1,68 مليون وحدة على الصعيد الوطني. وأنجزت وزارة الصناعة والتجارة بحثا وطنيا حول فئة الباعة المتجولين سنة 2014 خلص إلى أن عددهم يبلغ حوالي 430.000 بائع متجول. إيجابيات وسلبيات يرى المجلس، أنه "رغم الصورة السلبية اللصيقة بالتجارة الجائلة، خاصة أنها تمثل مكونا من مكونات القطاع غير المنظم، فإنها تمثل قطاعا ذا إيجابيات اقتصادية واجتماعية لا يمكن إنكارها". وأضاف المجلس، "الباعة المتجولون يساهمون بشكل مباشر وغير مباشر في الرفع من مستوى النشاط الاقتصادي والرواج التجاري بالنظر لحجم وتنوع البضائع التي يسوقونها، كما يتيح هذا النشاط التجاري للمستهلكين، خاصة من الطبقات المتوسطة والفقيرة، حرية أوسع في التبضع بأسعار تنافسية، مع امتياز القرب وتوفر العرض التجاري خلال حيز زمني واسع ومرن. كما تتيح التجارة الجائلة الفرصة لفئة واسعة من الأفراد الذين لا يتمتعون بتكوين يسمح بإدماجهم في سوق الشغل كي يمارسوا نشاطا مدرا للدخل". وبرهنت جائحة كوفيد على أن للتجارة الجائلة مزايا اقتصادية واجتماعية استثنائية في أوقات الأزمات، يضيف المجلس، "إذ لجأت الصين إليها كأحد الحلول من أجل تحقيق إقلاع اقتصادي ومواجهة أزمة البطالة بعد حالة الانكماش الاقتصادي التي سببتها الجائحة". غير أن هذه المزايا تقابلها جوانب سلبية للتجارة الجائلة، يقول المجلس، "كالفوضى الناجمة عن الاحتلال غير المشروع للملك العمومي بما تحمله من صورة سلبية للمدن، والضوضاء، وعرقلة حركة مرور السيارات والراجلين، والتلوث البيئي، والمنافسة غير المتكافئة مع القطاع الاقتصادي المنظم، وترويج بضائع قد تشكل خطورة على المستهلك، وتوسيع حجم القطاع غير المنظم في الاقتصاد الوطني". وأضاف رأي المجلس، "يعاني العاملون في التجارة الجائلة من غياب الحقوق الاجتماعية، كالحماية الاجتماعية والتأمين والتمثيلية المهنية أو النقابية، وكذلك الحرمان من الحقوق المرتبطة بالعمل، ما يجعل الاستفادة من الاستقرار الاجتماعي والاستقرار المهني أمرا يكاد يكون متعذرا".