في يوم 27 أبريل 2018 أعلنت الحكومة عن إطلاق مخطط ضخم للتشغيل بسقف توقعات لتوفير مليون و200 ألف منصب شغل مع متم الولاية الحكومية الحالية، سنة 2021، غير أن تحقُّق هذه التوقعات أصبح الآن في حُكم شبه المستحيل، على بعد أشهر معدودة من انتهاء الأفق الزمني المحدد لتحقيق أهداف المخطط الكبيرة، بسبب أزمة جائحة كورونا وما تبعها من تقشف حكومي. وإذا كانت وتيرة خلْق سوق الشغل في المغرب لفرص عمل جديدة تتسم ببطء شديد، نتيجة ضعف نسبة النمو، فإن جائحة كورونا أزّمت هذه الوضعية أكثر، بل أوقفت جزءا من مناصب الشغل السنوية شبه القارّة بشكل مؤقت، بعد إعلان حكومة سعد الدين العثماني تعليق التوظيف في القطاع العام، باستثناء سلك الأمن وقطاع الصحة. واتخذ العثماني قرار توقيف مباريات التوظيف في القطاع العام كإجراء ضمن الإجراءات التي تستنجد بها الحكومة لمواجهة الآثار السلبية لجائحة كورونا على الاقتصاد المغربي وعلى الموازنة العامة للدولة، وكان هذا القرار، وهو من القرارات الأولى المتخذة من طرف الحكومة لمواجهة آثار الجائحة، متوقعا ومُنتظرا، حسب رأي رشيد أوراز، الباحث في الاقتصاد بالمعهد المغربي لتحليل السياسات. وفي تحليله للقرار الحكومي وضح أوراز، أنّ الدولة تعدّ مشغّلا كبيرا في المغرب، وتخلق فرص شغل يتم تحديدها في قانون المالية كل سنة، لكن في أوقات الأزمات الاقتصادية الصعبة، يضيف الباحث الاقتصادي، "لا شك أن أول سياسة حكومية ستتأثر هي التوظيف في القطاع العام". ويبلغ عدد موظفي القطاع العام في المغرب 564549 موظفا، وفق المعطيات المضمّنة في قانون المالية للسنة الجارية. وفي السنة الحالية تقلّص عدد مناصب التوظيف المحدثة من 25458 منصبا، اعتُمدت في قانون مالية 2019، إلى 23112 منصبا في قانون المالية 2020، الذي سيخضع للتعديل لإعادة توزيع المخصصات المالية حسب حاجيات القطاعات بعد أن خلخلت جائحة كورونا التوقعات التي بني عليها. واختارت حكومة العثماني لمخطط توفير مليون و200 ألف منصب شغل موجه بالأساس إلى الشباب في أفق 2021 شعار "ممكن"، غير أن تحقق هذا المخطط أصبح الآن في حُكم "غير الممكن"، لأن الأزمة الحالية "لا شك أنها ستؤثر على سوق الشغل في المغرب"، يقول أورواز، مبرزا أن تأثّر سوق الشغل "سيكون من بين نتائج الأزمة التي لا يمكن الإفلات منها مهما كان اقتصاد الدولة قويا". وإذا كانت الفئة المتضررة بالدرجة الأولى من تقليص مناصب الشغل هم العاطلون عن العمل، فإن ارتدادات هذا التقليص ستطال فئات مجتمعية أخرى في حال وازتْها معدلات تضخم مرتفعة أو تأثُّر للعرض في السوق، "لأن ذلك سيجعل فئات اجتماعية كثيرة تعاني وليس فقط العاطلين عن العمل"، يوضح أوراز. وثمّة جانب سلبي آخر لانكماش سوق الشغل، سواء في القطاعين العام أو الخاص، يتعلق ببحث العاطلين عن منافذ شديدة إلى العمل. وفي هذه الحالة، فإن الإحجام عن التوظيف سيؤدي، بحسب أوراز، "إلى تضخم حجم القطاع غير المهيكل، المتضخم أصلا في المغرب"، مبرزا أن هذا التضخم سيؤثر على النمو الاقتصادي في الأمد القريب والمتوسط وعلى التنمية الاقتصادية على الأمد البعيد. وفي ظل هذا الوضع المنذر بمزيد من الإجراءات التقشفية، يرى الباحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات أن الدولة "ستحقق نجاحا مهما إذا أفلحت في دفع أجور الموظفين الحاليين كاملة خلال الأزمة الحالية، التي من المتوقع أن تستمر لأشهر أخرى"، لافتا إلى أن هناك تخوفا من أن يؤدي تعطُّل النشاط الاقتصادي إلى عجز موازناتي كبير للدولة، "ولا شك أن ذلك سيدفعها إلى القيام بسياسة تقشفية لإعادة شيء من التوازن لموازنتها العامة".