ما زالت تتردد على أسماعنا تصريحات مسؤولي الصحة التي تفيد بأن الصحة حق للجميع والعلاج مجاني لكل المواطنين بعض النظر عن اختلاف طبقاتهم الاجتماعية، إلا أننا نواجه واقعا مريرا يعيشه الوضع الصحي بالمغرب ينذر بكارثة إنسانية نظرا لأسباب عديدة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، غياب التجهيزات الطبية الضرورية وكذا قلة الأطر الصحية وانعدام ضمائر بعض ممارسي هذه المهنة، لنتساءل لماذا إذا يتم إقصاء بعض الحالات من هذا العلاج؟ ولما نكون مجبرين على دفع ضريبة الولوج إلى المشفى لحارس البوابة والممرض المناوب إذا كان فعلا التطبيب مجاني ومتاح لجميع المغاربة؟ قد تصيبنا انتكاسة صحية فتقصد بذلك أحد المستشفيات نحاول أن نجد علاجا داخل أجنحتها المتعددة، إلا أننا نواجه عالما مغايرا لذاك الذي رسمناه في أذهاننا بعد أن تم تخدرينا بالوصلات الإشهارية والإخبارية، التي تؤكد أن الوضع الصحي بالمغرب قد إستطاع أن يستجيب لحاجيات المرضى، معتقدين أن هذا القطاع مازال ينعم بوجود أيادي أمينة رحيمة بالضعفاء وبمعاناتهم، تمدهم بالصبر على البلاء وتسكن آلامهم رغم عوزهم المادي وفقرهم الثقافي، إلا أن واقع الحال يصدمنا بعد أن عاينا بأم أعيننا ما يقع خلف أسوار المستشفيات وداخل أجنحتها من انتهاكات لا تمت بصلة لهذه المهنة النبيلة، ليظهر لنا جليا بأن هذا القطاع ماعدا بريئا كما اعتقدنا، بل بيع هو الأخر في المزاد وأصبح يعج بوحوش بشرية متنكرة في شخص طبيب أو ممرض وحتى مساعد ممرض تعتصر قلوب المرضى لتخرسها، فكم من مريض توجه صوب المستشفى وهو يمشي ليغادرها إما بعاهة مستديمة أو محمولا في نعش ليوارى التراب، لنتوجه بسؤال لمسؤولي هذا القطاع من أين لكم الجرأة لتحوير الوقائع الملموسة التي يعاينها المواطن في سبيل علاجه؟ كيف لكم أن تقولوا أن القطاع الصحي يستجيب لعلاج المرضى؟ أين أنتم مما يقع وراء أبواب المستشفيات والمراكز الصحية من تجاوزات يخجل الواحد منا ذكرها؟ مازلت أتذكر يوم ساقتني الأقدار إلى الاستنجاد بأطبتنا نظرا لانتكاسة صحية ألمت بي في غفلة مني، لم أجد مهربا من اللجوء إلى أحد مراكزنا الصحية التابعة لمدينتنا الموقرة بحثا عن مسكن لآلامي ومراعاة لظروفي التي ما كانت تسمح لي باللجوء إلى غير هذا التطبيب المجاني، وحالتي هذه تنطبق على أغلب القاصدين لهذه المراكز. توجهت وكل آمال بأن ألقى الاهتمام والعناية اللازمة، تجولت عيناي في المكان أتساءل عن غرابة المكان أتطلع إلى المشتكين أمثالي ووجوههم تعكس المعاناة، فاجأتني رثاثة المكان وبهتانه، جدرانه تآكلت بفعل التسربات المطرية أجهزة مكدسة لا تمت بصلة لهذا المجال، ناهيك عن غرفة الفحص والمعاينة التي تعاني من نقص الإمدادات وضيق مساحتها الذي لا يتسع لأكثر من شخص واحد، فعلا إنه لوضع يبعث على الحسرة وضيق النفس، وماذا عن نظافة المكان؟ حدث ولا حرج. أرسلت بعد ذلك إلى مركز تشخيص الأمراض، لأفاجأ بما يندى له الجبين وتستحي الألسن ذكره، فقد توجهت إلى أحد الأطر الصحية لتعين لي موعدا مع الطبيب المختص، ودون أن تلقي نظرة على توجيهات طبيبي، أجابتني بأن هؤلاء المختصون ما عادوا يأتون لهذا المركز، لتسترسل بعد ذلك في حديثها مع زملائها، فعلى ما يبدوا قد قاطعت نصف حديثها المهم، لأعاود المجيء في اليوم الموالي لأنضم لطوابير المرضى التي تنتظر أمام مكتب تسجيل المواعيد، – مركز صحي مهم بالمدينة وتنقصه الأطر الصحية؟ – أخيرا بعد مدة الإنتظار التي تتجاوز الثلاثين دقيقة، أتى الموظف المسؤول لتبدأ عملية الكر والفر من شباك لأخر دون أن ندري ما الذي نفعله فعلا؟ أجئنا للهرولة من شباك لأخر أم للعلاج؟ أخيرا تمكنت من رؤية الطبيب المختص الذي عاينني وأخبرني بأنني أحتاج لإجراء عملية جراحية، قايضني بطريقة غريبة فعلا حول مصاريف هذه الجراحة قائلا “درت معاك مزيان”، ألا يخدروننا بالقول بأن العلاج مجاني لكل المواطنين؟ لماذا إذا يقايضني هذا الطبيب؟ أنحن بصدد بيع سلعة أم ماذا؟ وماذا عن تلك الأدوية التي يتم تزويد المستشفيات بها أين مصيرها يا ترى؟ وماذا إذا لم أتوفر على مصاريف العملية هل سيتم التغاضي عن احتياجي الضروري لهذا العلاج؟ إستفهامات عدة تبرز نفسها للواجهة، نحاول أن نجد ما يبررها إلى أن الوضع يتكرر والمعاناة تتفاقم، لنجد أنفسنا مكتوفي الأيدي لا حول ولا قوة لنا غير الاستعانة بأقلامنا التي قد تساعدنا على إيصال ندائنا إلى الجهات المسؤولة لمعالجة هذا الوضع المزري الذي ما فتأت تستعمل في مواجهته الآذان الصماء.