[email protected] تلعب الأحزاب السياسية في الدول الديمقراطية دور الوسيط بين الفئات الشعبية بمختلف أطيافها السياسية والثقافية والدينية من جهة، وبين مؤسسات الدولة التي تطبخ فيها القرارات التي تحدد السياسات العامة في مختلف المجالات، هذا الدور المركزي للأحزاب السياسية جعل الكثير من علماء السياسة يربطون الممارسة الديمقراطية بالأحزاب السياسية، من هنا يستحيل أن نتحدث عن وجود حد أدنى من الديمقراطية في البلدان التي يمنع فيها تأسيس الأحزاب السياسية بحرية، في حين أن الدول التي تسمح بالتعددية السياسية يكون الفضاء السياسي مفتوحا على مختلف التيارات السياسية السائدة في المجتمع الأمر الذي يتيح للجميع التعبير عن آرائه وقناعاته السياسية بكل حرية. وفي المغرب تم إقرار مبدأ التعددية الحزبية منذ أول دستور عرفته البلاد سنة 1962 وذلك لكبح طموحات حزب الاستقلال الذي كان يطمح في أن يكون الحزب الوحيد في المغرب ، إلا أن هذه التعددية العددية لم تستطع بعد عقود من إطلاقها على خلق فضاء سياسي مؤسس على التنافس السياسي النزيه وظل هذا التنافس مقتصرا على تلبية أكبر قدر من مطالب قياداتها وأتباعها دون أي محاولة جدية لتقديم مشاريع مجتمعية تجيب عن المشاكل اليومية التي يتخبط فيها الشعب. وارتباطا بالمرحلة التي نعيشها الأن، فالملاحظ أن الأحزاب السياسية المغربية قد استتهلكت الكثير من عبارات التطمين والتبشير بغد أفضل خصوصا بعد قرب موعد الانتخابات المبكرة التي سيشهدها المغرب في 25 نونبر القادم، وهي نفسها الخطابات التي ترددت على مسامعنا إبان الحملة الانتخابية لتشريعيات 2007، ورغم أن الكثير من المتتبعين ينظرون إلى هذه الانتخابات من زاوية أنها ستدشن للقطيعة مع ممارسات الماضي على اعتبار أنها ستكون الأولى في العهد الدستوري الجديد، إلا أن التغيير الذي كان ينتظره الكثيرون، ما فتئ أن أصبح مجرد وهم كلما أقترب موعد الانتخابات أكثر فأكثر، حيث أن الممارسات التي عهدناها في الاستحقاقات الماضية عادت مرة أخرى لتحكم مرحلة الإعداد لموعد 25 نوفمبر وتأكد أن التغيير الموعود لن يكون قريبا . وقد تعود المشهد السياسي في المغرب كلما اقتربت اللحظة الانتخابية على وقائع تصل أحيانا حد الطرافة، ولم يخرج موعد 25 نوفمبر عن هذه القاعدة. البداية كانت من داخل التحالف المشكل للحكومة والخلاف الذي حصل بين الوزير الأول عباس الفاسي وصلاح الدين مزوار وزيرالاقتصاد والمالية، ومن مظاهر التخبط أيضا التحالف الهجين الذي جمع في ثناياه ثمانية أحزاب لا يوحدها أي أساس فكري أو إديولوجي، ويبقى الهدفه الوحيد لهذا التحالف هو البقاء ضمن دائرة من سيحظى بحصة من كعكة الانتخابات، الشيء الذي وضح شيئا ما من ملامح المرحلة المقبلة . من جهة أخرى لا يزال المشهد السياسي المغربي يعيش على إيقاع بعض الممارسات التقليدية التي تفقد العمل السياسي معناه وتبعده عن مغزاه، من قبيل عملية منح التزكيات من قبل الأحزاب السياسية التي لم تكن مبنية على أساس الانتماء الحزبي والاقتناع ببرنامج انتخابي معين، ولا على أساس الكفاءة وقدرة المرشح في تدبير الشأن العام ، وإنما كان المعيار الذي طغى في منح هذه التزكيات هو البحث عن الوجوه التي لها القدرة على الحصول على مقعد برلماني بغض النظر عن أي معيار آخر، وهنا لا نتحدث عن القدرة السياسية وإنما القدرة الناتجة عن النفوذ الاجتماعي والاقتصادي، إضافة إلى سيادة علاقات الصداقة والقرابة والمصاهرة في توزيع هذه التزكيات. كل ذلك لا يمكن في النهاية إلا أن يجعلنا أمام تجربة مكررة : برلمانيون من أجل مصالح شخصية ، وقيادات حزبية من أجل حقائب وزارية، فالنخب الحزبية التي احتكرت المشهد السياسي المغربي برمته لعقود طويلة يصعب أن تتنازل عليه بسهولة لفسح المجال لجيل جديد يحمل آمال غد أفضل. الوضع السياسي المتأزم الذي نعيش على إيقاعه جعل المواطن ينظر إلى الانتخابات على أنها مجرد موعد عابر لا يعنيه في شيئ ولن يؤثر في حياته اليومية بأي شكل من الإشكال، وأصبح صوت المقاطعة يعلو عن نداءات الدولة والأحزاب للمشاركة، حيث أن فئات عريضة داخل المجتمع أصبحت لها قناعات راسخة باستحالة أن يأتي التغيير على يد نفس الوجوه التي عمرت في مؤسسات لسنوات طويلة دون أن تنزل ولو جزء بسيط من وعودها في التغيير . رغم كل ذلك فنحن أمام مرحلة تاريخية، ليس لأن المغرب بصدد الدخول في عهد ديمقراطي دشن بدستور جديد، ولكننا أمام مرحلة تاريخية لأن السياسي في المغرب استنفذ كل خطاباته التسويفية، بعد أن أخلف الوعد في أكثر من مرة، ويبقى الاختبار الأبرز الذي ينتظر الجميع إجابته يوم الخامس والعشرين من نوفمبر هو مدى قوة الجاذبية التي يتوفر عليها أكثر من 30 حزبا سياسيا في تحقيق نسبة مشاركة كفيلة بمنح الشرعية للمؤسسات التي ستنبثق عن هذه الاستحقاقات ؟؟؟ No related posts. شارك هذا الموضوع مع أصدقائك Tweet