[email protected] الحديث عن التغيير يعني الحديث عن الدينامكية والحركة، وكي تكون هنالك دينامكية وحركة لا بد من وجود فعل، فبواسطة التغيير يبحث الإنسان عن سبل الرقي بمستوى عيشه، وهو الأمر ذاته عندما نتحدث عن المجتمعات، إلا أن التغيير لدى الأفراد يختلف عن ذلك الذي يقصد عند الحديث عن المجتمعات، فهذه الأخيرة عبارة عن نسيج معقد ومتنوع في غالب الأحيان، وهو ما يعني أن فرص النجاح مقترنة بحجم التوافقات والقواسم المشتركة الموجودة بين أجزاء هذه المجتمعات. كما أن مستوى" النضج" الذي وصلت إليه الفئة المثقفة ضروري لتحريك عجلة التغيير والحديث عن التغيير في المغرب يجرنا أوتوماتيكيا إلى طرح السؤال التالي: هل الظروف الراهنة تسمح لعجلة التغيير بالدوران؟ وكي لا نطلق حكما غير معلل لا بد من استعراض بعض ملامح الظروف الراهنة من المؤكد أن سؤال التغيير مطروح بقوة في المغرب بفعل الحالة الغير المستقرة التي يعيشها أكثر من قطاع، إلا أن الظروف التي يطرح فيها هذا السؤال لا تبدو سليمة، على اعتبار أن من يتوجب عليه قيادة قاطرة التغيير هو الأخر يعيش حالة أزمة، وهنا نتحدث عن الأحزاب السياسية، والمجتمع المدني بصفة عامة ،إضافة إلى قطاع التربية والتكوين، دون إغفال وضعية الإعلام وبالتطرق إلى الأحزاب السياسية فإننا نتطرق إلى جانب مهم من عوائق التغيير بالمغرب، فإذا كان الحزب السياسي هو ذلك الإطار الذي يلعب دورا مهما في تأطير المواطنين سياسيا والتعبير عن مطالبهم ومحاولة الوصول إلى السلطة من أجل تحقيق سياسته فإن ذلك لا يتعدى الإطار النظري في المغرب ، لأن الواقع يقدم لنا شيئا آخر، فرغم أن عددها تعدى الثلاثين إلا أن الأحزاب السياسية في المغرب لا شيء يفرق بينها غير أسمائها، وهنا نتحدث عن غياب للايدولوجيا الواضحة كما أن البرامج التي تتقدم بها الأحزاب إلى الانتخابات غير مستمدة من الواقع ولا تعبر عن عمق المشاكل التي يعيشه المواطن، وباختصار فإن الأحزاب السياسية لا تزال تغرد خارج سرب اهتمامات المواطن المغربي كما أن أزمة تجديد النخب السياسية تساهم أكثر في تشويه صورة الأحزاب السياسية ، بعدما أصبحت هذه الأخيرة مقترنة بأشخاص لا يرغبون في ترك مراكز القيادة للنخب الشابة التي من شأنها أن تضخ دماء جديدة في عروق الجسد السياسي، فالنخب التقليدية لا يمكن أن تأتي إلا بأفكار تقليدية كما أن المجتمع المدني لم يصل بعد إلى المستوى الكافي من النضج للتأثير في الحياة العامة ونشر القيم والمبادئ الايجابية داخل المجتمع، ومازال ينظر إليه بنظرة دونية واحتقارية رغم دوره الوازن في الدول الديمقراطية، كما أن تبلور هيئاته مدنية قوية لا يزال حلما بسبب العراقيل البيروقراطية التي تعترضه أما التعليم الذي يعتبر أمل أي تغيير مرتقب، فهو الآخر يعيش حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، فرغم التنوع في محاولات الإصلاح آخرها المخطط الاستعجالي ،إلا أن المشكل لا يزال قائما، وكل المؤشرات لا تبشر بأي شيء على الأقل في الأمد القريب، فيكفي أن نقول أن تعليم المغرب صنف في الرتبة 127 من أصل 177 دولة في تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأممالمتحدة ، كل ذلك بسبب غياب سياسة تدبيرية مدروسة، والتبعية التاريخية للنظم التعليمية الفرنسية والمشرقية التي لا تتلاءم والمرجعية الثقافية والفكرية للمغرب، إضافة إلى ضعف الميزانية المرصودة للبحث العلمي التي لا تتجاوز 0.8 من الناتج القومي، وهذا ما جعل مؤسساتنا التعليمية أشبه بماكينات لتصنيع المعطلين لا شيء أكثر أما الإعلام فلا يزال هو الأخر يتخبط في مجموعة من المشاكل، حيث أن حرية التعبير والصحافة عرفت تقهقرا خطيرا في السنوات الأخيرة ، حيث تراجع تصنيف المغرب فيما يخص احترام حرية الصحافة من الرتبة 106 إلى الرتبة 122 من أصل 173 دولة حسب منظمة "صحافيون بلا حدود"، مما يحول دون أن يلعب الإعلام دوره التربوي والتثقيفي الذي يعتبر ذا قيمة وتأثير في الديمقراطيات الحديثة كل هذا يحول دون نجاح أي سياسة تستهدف التغيير، ولا بد من فتح قنوات التواصل بين مطالب الجماهير و مراكز القرار، وهذا ما يؤدي إلى وصول هذه المطالب بسرعة إلى المسؤولين مما يساهم إلى حد كبير من فرص الاستجابة لها .وانعدام قنوات الحوار هذه في المغرب - وفي الدول النامية عموما - هو ما خلق عندنا هوة بين الجماهير وصانعي القرار. من العبث القول أن الغد القريب قد يجود علينا بمغرب آخر، ومغاربة آخرين، لكن أريد أن أقول أن أي سياسة علاجية للوضع يجب أن تكون مبنية على أسس واقعية ومدروسة، فأنصاف الحلول لا تسبب إلا في ضياع المزيد من الوقت، فالأمي يبقى أميا والراشي راشيا،والمحتال والكذاب و... كل منهم على صفته باق رغم كل السياسات الترقيعية الفاشلة التي لا تستهدف عمق المشكل. فالشعارات الرنانة التي يتبجح بها من يعيشون في مغرب آخر، بدأت تفقد فاعليتها بعدما قابلتها نتائج معبرة عن واقع الأمر ببلاغة