لم تعد تفصلنا عن الانتخابات البرلمانية سوى بعضة أيام معدودة. وهي فرصة تاريخية هامة يتمكن فيها المواطنون في أغلب الدوائر الانتخابية المغربية من مشاهدة مرشحيهم، وتذكر ملامحهم بفعل غيابهم الطويل عن الدوائر التي بمجرد نجاحهم يختفون منها كالأشباح. إنها لعبة الانتخابات التي تكرر نفسها بدون ملل، على مدى سنين تداولت فيها السلطة أسماء ما كان لها من الشعب إلا أغراض مادية ومعنوية توفيها ثم تقلع بطائرة نفاثة لا يستطيع المرء لحاقها في البداية خطب وأهازيج وحفلات ومهرجانات، كل شيء مباح تزوير الشواهد المدرسية، شراء الخطب والشعارات الجاهزة وابتياع الأصوات والذمم الفاسدة، طبق توابله كلام جميل ينخر أعماق المواطنين الأميين والمحتاجين، يخبرونهم عن الرخاء والمساكين في عز الأزمة الاقتصادية فيفرحون، يحكون لهم عن مناصب الشغل التي ستوفر وهم العاطلون فينتابهم إحساس جميل بالأمل، يتبجحون بتوفير السكن اللائق والحرية والكرامة وسط حشود طالها التهميش والهشاشة ونخر الفقر فيها دروبا عميقة. وعندما تنتهي حلقة الانتخابات الجميلة يبدأ الجزء الكئيب من الرواية فعوض الدفاع عن حقوق المواطنين وإصلاح أحوال البلاد المتعثرة في أذيال المستغلين والوقوف وجها لوجه أمام المفسدين في جميع القطاعات والمروجين للممنوعات لكن للأسف ينقلب السحر على الساحر، نجد المرشحين الذين كانوا يسخرون جميع الأبواق والمنابر للنجاح ويتاجرون بأحلام الفقراء والمستضعفين كما يستغلون أمية وجهل بعض المواطنين يصبحون موالين لأنظمة الفساد التي كانوا يرمونها بالحجارة ويصلبونها على جدران محافلهم الانتخابية، فيصبح قط ألامس أسدا ويطغى على من ساندوه وكانوا ممره لكرسي البرلمان ويكفهر وجهه في من ينتمون لدائرته ويقفل الهواتف في وجوههم ويتبرأ منهم براءة الذئب من دم يوسف، فيصير من بطانة أصحاب السلطة والجاه ولا يبحث إلا عن مصالحه الشخصية ليكوم ثروات وينهب ويسرق ما تسقط عليه يده لأن فترة الانتخابات محدودة وعندما تقرب الانتخابات الجديدة يلبس عباءته القديمة ويحن لحيه القديم فيجلب من جب سنواته الخوالي خطاباته الراشية والمتآكلة لينشرها على المواطنين وكأن شيئا لم يقع وتعود حليمة لعادتها القديمة لكن الرهان أصبح اليوم جد صعب لأن المواطنين فهموا اللعبة وشبعوا من الكلام المعسول المنمق والأفواه الباسمة التي تخلف وراءها مع كل استحقاق انتخابي آلاما وأماني وأحلاما محطمة على جدار الثقة والانخداع وإن كان الموسم الانتخابي الفارط قد شكل حجر عثرة في حسابات بعض الأحزاب والتيارات لأن العزوف عن المشاركة كان ملموسا فهذه السنة سوف تحسم في مصير الكثيرين. والاستحقاق الانتخابي المقبل سوف يعكس حقيقة المغرب الجديد أو سيكرس مواقف العهد القديم. No related posts. شارك هذا الموضوع مع أصدقائك Tweet