رغم أهمية المؤهلات التي يزخر بها العالم القروي ، فالواقع يكشف عن مجموعة من الاختلالات والإكراهات تتجلى بالخصوص في الهشاشة والعزلة والخصاص على مستوى التجهيزات والخدمات الأساسية ومرافق القرب الضرورية وتوفير سبل العيش الكريم للساكنة. ويعتبر ملف التعمير من بين المشاكل الأساسية التي تعرقل التنمية بالعالم القروي، فأول وثيقة قانونية تتعلق بتنمية التكتلات العمرانية القروية كانت في 25 يونيو 1960، وتعتبر بمثابة أول نص قانوني يتعلق بالتعمير بعد الاستقلال، وكان الهدف من ذلك هو إحداث تصاميم التنمية تخص تنظيم وتخطيط المراكز القروية الصغرى وتوجيه ومراقبة توسعها، إلا أن عددا كبيرا من المجالات القروية ولحد الآن لا تتوفر على تصاميم التهيئة ولا التنمية في الوقت الذي تعرف فيه هذه المجالات توسعا ودينامية تعميرية مهمة، ويحدث هذا في ظل غياب الامكانيات الضرورية لمواكبة متطلبات الساكنة وما تعانيه في مجال التعمير، والذي يزداد حدة عندما يكون العقار في وضعية الأملاك العائلية المشتركة أو أراضي الجموع أو تعذر إثبات الملكية الفردية … وهذه الإكراهات المتعلقة بتكوين ملفات طلبات الترخيص تطرح بشكل مستمر من طرف الساكنة والهيئات المنتخبة، بل وتزداد حدة بتنوع المجالات القروية من فضاءات قريبة من المراكز والطرق الجبلية والسهلية… وكذا حسب طبيعة الأنظمة العقارية السائدة. وتعتبر رخص البناء من بين الملفات الساخنة التي يواجهها مجلس جماعة اركمان، باعتبارها تشكل أهم الأدوات في تطبيق قانون التعمير حيث تتيح إمكانيات مهمة في مجال مراقبة التطبيق الأمثل لوثائق التعمير، ولعل أهميتها تبرز فيما تشكله من تقييد لحق الملكية العقارية، وذلك من خلال إخضاع هذا الحق للرقابة قبل البناء وعدم ممارسة هذا الحق خارج مقتضى النص القانوني الجاري به العمل، إذ اشترط المشرع المغربي قبل إحداث أي بناية أو إدخال أي تعديل على بناية قائمة، الحصول على هذه الرخص، معتبرا إحداث المباني دون ترخيص مخالفات يعاقب عليها القانون، وتجدر الإشارة إلى أن لرؤساء المجالس الجماعية الدور الأبرز في منح هذه الرخص مستعينين في ذلك باستشارات من جهات ذات الصلة ومن أبرزها الوكالة الحضرية. وأمام هذه الوضعية المزرية التي يعاني منها سكان الجماعة فيما يتعلق بالحصول على رخص البناء والصعوبات التي تكتنفها، فلابد أن تعمل السلطات العمومية بتوجيه رأي المدبرين المحليين من خلال دوريات تحثها على تبسيط مساطر التعمير وفق خصوصيات المنطقة، وأن لا يقتصر دورها في الشرطي الذي يحرر المخالفات وتركيع المخالفين على أداءالدعائر، فهذا يتنافى مع دور المؤسسات التي من اللازم أن تعمل على إيجاد حلول لضمان كرامة المواطنين، قوانين تناست أن تشترط تنظيم المجال بتوفر الإمكانات المادية والموضوعية وتلزم الدولة بضرورة العمل على توفيرها، فأين سيذهب المواطن إن منع من بناء مسكن لأسرته؟ والجماعة الآن مثقلة بملفات من هذا النوع، فهناك من تعرض منزله بأحد الدواوير للخراب الكلي فحاول بإمكانياته البسيطة رغم الفقر والهشاشة إعادة بنائه من جديد، ففوجئ مؤخرا بحكم قضائي يلزمه بالهدم وأداء الغرامة لعدم تمكنه من الحصول على رخصة البناء، وهناك من يرغب في بناء مسكن حتى يضمن استقرارا أسريا لأبنائه من أجل متابعة دراستهم الثانوية في ظروف مقبولة في احد المراكز، إلا أن إجراءات التعمير تقف حاجزا أمامه للحصول على الترخيص وأمام أبنائه لمتابعة دراستهم. فعلى مستوى التدبير المحلي لا توجد لحد الآن استراتيجية واضحة ولا برنامج عمل مفصل ولا تنسيق مع مختلف المصالح من أجل تدبير هذا الملف الشائك الذي لا يحتمل التأخير. فمن أجل تحقيق قفزات مهمة في هذا الملف نحتاج إلى وهج فكري ومنتخبون يكونون مع الساكنة التي انتخبتهم وليس مع القوانين الجافة والمجحفة أحيانا والتي تغافلت أن هناك ساكنة بسيطة تنقصها كل مستلزمات الحياة الكريمة بالجماعات التابعة لإقليم الناظور، وهي تعاني من المساطر المعقدة للتعمير … فالفكر الجريء الخلاق والمفاهيم الجديدة للتسيير وتدبير المرافق العمومية تحتاج إلى زعامات موهوبة تقود المبادرات الهادفة والمصيرية والتي تكون في صالح المواطنين، فالسياسي الفارغ من القيم ومن الأفكار ومن الأحلام يصبح عبئا ثقيلا على الساكنة ويؤدي بالجماعة إلى خسائر معنوية ومادية باهظة. وإذا كان دور المجالس القروية محدودا جدا في إطار إعداد تصاميم التنمية والتهيئة العمرانية، فذلك يرجع إلى ضعف التكوين والتأطير للمنتخبين القرويين، وإلى عدم إطلاعهم على القوانين المنظمة للتنمية المجالية، ولكن مقابل ذلك، خص القانون التنظيمي الجديد للجماعات المحلية رؤساءها بدور مهم في نطاق التسيير والتنفيذ ومعالجة القضايا المتعلقة بالبناء والتعمير والإسكان، إذ تم تحويل جميع الاختصاصات التي كانت تمارسها السلطة الإدارية المحلية في إطار ظهير 23 يونيو 1960 المتعلق بالقانون الجماعي السابق وقانون 17 يونيو 1992 الخاص بالتعمير، إلى مجالس الجماعات ورؤسائها بمقتضى القانون الجماعي رقم 78.00 المعدل سنة 2008، ولم يبق للسلطة المحلية إلا حق المراقبة والإشراف على مقررات البناء والمنع في حالة ثبوت وجود مخالفة قانونية تعيق مخطط التنمية والتعمير. وإذا كانت رئاسة جماعة اركمان تتحفظ من مسؤولية إعطاء أي ترخيص لهذا النوع من البناء غير النظامي في غياب تصميم التهيئة، فذلك راجع إلى إكراهات ميدانية وسياسية وضغوطات الخوف من مسؤولية الوقوع في مزالق البناء العشوائي المحظور، رغم الصلاحيات التي منحت للرئيس بخصوص تقدير ما إذا كانت واقعة المخالفة تمثل إخلالا خطيرا بضوابط التعمير والبناء من عدمه، هذا المقتضى الذي نصت عليه المادة 67 من قانون 12.90 المتعلق بالتعمير. ورغم كل هذا فما زالت السلطة الإدارية المحلية تعتبر نفسها الوصية على قطاع البناء والتعمير عمليا وبشكل مباشر، مما يجعل بعض المجالس منقادة في النهاية لتلك السلطة. للإشارة فقرارات منح الترخيص يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع: الرخصة الصريحة والتي يمنحها رئيس الجماعة بعد التأكد من احترام الطلب لجميع المقتضيات التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. الرخصة الضمنية تكون بعد سكوت رئيس المجلس الجماعي عند انقضاء مدة شهرين من تاريخ إيداع طلب الحصول على رخصة البناء. الرخصة المقيدة أو المشروطة والتي يلجأ إليها رئيس الجماعة بعد دراسة الملف، حيث لا ترى اللجنة داعيا لرفض الملف مادام يمكن الاستجابة لبعض الملاحظات في وقت لاحق، ويشمل قرار الترخيص على هذه التحفظات. وفي الأخير أقول أنه بالرغم من كل هذه المقتضيات القانونية التي تهم مجال التعمير ببلادنا، إلا أن الواقع أبان عن مجموعة من النقائص، إن على مستوى وثائق التعمير وإن على مستوى ضوابط البناء، أو ما يخص المخالفات، ولعل هذا النقص يتمثل في صعوبات واقعية تتوزع بين ما هو سياسي وما هو اجتماعي وكذا ما هو واقعي وقانوني، ولعل أبرز هذه الصعوبات تتجلى في تنوع الأنظمة العقارية إضافة إلى تأثير العناصر السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ميدان التعمير، مما يجعلنا نطالب بضرورة التفكير في تنظيم ندوات ومناظرات محلية وإقليمية وجهوية حول موضوع إشكالية التعمير وما تطرحه من تحديات على مستوى الجماعات التابعة لإقليم الناظور، قصد الخروج بخريطة طريق عبر توصيات ومقترحات عملية تستجيب لمتطلبات الساكنة حول هذا الملف الذي ما زال يعاني من تداخل الاختصاصات بين المجالس الجماعية والسلطات الإدارية المحلية، مما يجعل آلية التدخل والمعالجة لبعض الملفات معقدة إن لم أقل مستحيلة نظرا لازدواجية المسؤولية والمقاربة.