1)ظهر مصطلح التنمية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية كمفتاح سحري للأخذ بيد الدول المصنفة متخلفة و الدفع بها نحو التقدم الاقتصادي و الاجتماعي و تحقيق مستوى عال من الرفاهية لشعوبها، لكن النية المبية لمؤسسات بروتن وودز من صندوق النقد الدولي و البنك العالمي من أجل الحاق التنمية بنمط الاقتصاد الغربي الذي يختزل العالم في سوق واحدة جعل هذا المفهوم يطرح العديد من الاسئلة، حول جدية الدول المتقدمة للتخلي عن وصايتها على الشعوب و كذا التساؤل حول مدى جدية المسؤولين في دول الجنوب لخدمة شعوبهم و النهوض الفعلي بالاقتصاد و السياسة و التربية و بعيدا عن أية وصاية اجنبية. 2)من خلال استقراء بعض التجارب التنموية في بلادنا، يتضح أن المقصود هنا من التنمية هي تلك الحلول الترقيعية التي لا تحمل دواء للمشاكل البنيوية لمجتمعاتنا بقدر ما هي آنية و جزئية، كما أنها لاتشمل الإنسان الذي يعد محورا أساسيا لكل تنمية، ففي الوقت الذي تؤسس فيه بعض الجمعيات لتربية النحل و المعز في العالم القروي، مازال الطفل محروما من المدرسة، كما أن المدارس تصفد أبوابها بعدما انهارت جدرانها أو هي على وشك الانهيار، و مازال 44% من ساكنة المغرب لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، كما أن القلة القلية من الحاصلين على الشواهد العليا لا يتم التفكير فيهم بجدية لحل مشاكلهم و إدماجهم في سوق العمل، لأن الدولة رفعت يديها عن القطاعات الحيوية كالصحة و التعليم و الشغل، مطبقة بذلك سياسة التقويم الهيكلي المفروضة من طرف صندوق النقد الدولي، و راحت تنافس المواطنين في الاقتصاد، و توزيع الأراضي على المعمرين الجدد من أبناء الأثرياء و الوجهاء في السلطة السياسة و الإدارية، لتقيم عليها مرجاكرفومكدونالدات، و لتستقدم الشركات العابرة للقارات (من جمع للأزبال إلى الإنترنيت و المواصلات) لتدير و تسير بلادنا، بينما الشعب المسكين يدوخ ببعض فتاة التنمية و يزج به في الجبال لتربية المعز، بدعوى انه من أبناءها و قاوم على قممها المستعمر القديم ليخرجه من الباب و يدخل من النافذة كما يقال، لقد أكدت إحصائيات 2006 أن السيولة النقدية المتنقلة من دول الجنوب إلى نظيرتها في الشمال و من أجل خدمة المديونية قد و صلت إلى 501 مليار دولار بينما السيولة النقدية التي دفعها الشمال للجنوب و من أجل إعانته على التنمية لم تتجاوز 58 مليار دولار، و لنا أن نلاحظ الفارق، هذا دون أن ننسى ما تجنيه الشركات الأجنبية من أرباح لتذهب مباشرة إلى مقراتها في باريس و نيويورك… 3)لا أحد ضد تنمية المعز و النحل (فالخدمة شريفة كما يقال بالعامية بل هي عبادة)، و إنما لابد من و ضع النقاط على الحروف، ذلك أن التنمية هي حركية مجتمع برمته و كل من موقعه و فق مقولة تقسيم الأدوار و التخصصات، و الضخ فيها يتم عن طريق التوزيع العادل للأراضي الخصبة والثروات، و قبل ذلك الاهتمام بالإنسان و كرامته، ليستشعر حقا أنه مواطن ليس غريبا عن وطنه، و لا يكون ذلك إلا بحقه بالتربية غير المدجنة لكي يتخرج من المدرسة إنسانا صالحا ، لا تنتفخ بطنه فيطمع ما في أيدي الآخرين و يسلبهم كرامتهم و حريتهم و هذه هي الكفاءة الأخلاقية، كما يتخرج منها إنسانا عالما أو متخصصا لكي لا يحكم بهواه وهذه هي الكفاءة المهنية.