تجسيدا للعرف الثقافي السنوي الذي دأب فرع اتحاد كتاب المغرب بالناظور والمديرية الإقليمية لوزارة الثقافة والاتصال وجريدة الريف المغربية، نظموا لقاء مفتوحا مع الناقد والروائي والمترجم الأستاذ عبد القادر الشاوي مساء السبت:14 أبريل 2018 بمشاركة الكاتب والصحفي طالع السعود الأطلسي ، والناقد محمد أقضاض، والأستاذ أحمد زاهد الذي سير هذا اللقاء باقتدار. استهل اللقاء بكلمات الجهات المنظمة ؛ حيث رحب الأستاذ جمال أزراغيد، الكاتب العام لفرع الاتحاد،بالحضور والضيوف الذين تجشموا متاعب السفر للوصول إلى هذه البقعة المناضلة من أجل ترسيخ قدمها في خريطة المغرب الثقافي معتبرا هذا اللقاء لحظة مائزة لكونها تستضيف وجها من الوجوه الثقافية والسياسية والفكرية وأحد أقطاب الحركة الحداثية المغربية. ثم استعرض كتاباته وأعماله الكثيرة في مختلف المجالات: الإبداع شعرا ورواية ،النقد ،الفكر والترجمة التي مثلت التنوع والتجارب المهمة والمختلفة التي عايشها الكاتب . وخلص أن الشاوي مازال يخلخل المياه الراكدة بآرائه وأفكاره الجريئة الصادرة عن حياة إبداعية ودبلوماسية زاخرة ، ويثير أسئلة حارقة في المشهد الثقافي المغربي… أما مدير المديرية الإقليمية لوزارة الثقافة والاتصال الأستاذ حفيظ البدري فقد نوه بهذه المبادرة الثقافية التي أصبحت تقليدا سنويا متميزا، شاكرا الجهات المنظمة لها مبرزا ما يمثله عبد القادر الشاوي في مسيرة الحراك الإبداعي ، وما يشكله الإبداع والجمال من قيمة في حياة الإنسان والمجتمع ، داعيا إلى الاستمرار في تنظيم هذه التظاهرات وفاء للأسماء التي أسدت الكثير للثقافة المغربية.. ثم أعقبه على المنصة مدير جريدة الريف المغربية الأستاذ محمد بولعيون الذي أشاد بالحضور الدال على أن مدينة الناظور رغم ما تعيشه من انتكاسات في المجال الثقافي فإنه مازال فيها رجال غيورون متشبتون بأمل في مستقبل ثقافي مشرف لها، مذكرا بهذا العرف الثقافي الذي شهد على بداياته الأستاذان طالع السعود الأطلسي وأحمد زاهد. كما شكر الأستاذ الروائي والصحفي والإنسان عبد القادر الشاوي الذي لبى الدعوة لحضور هذا النشاط الثقافي بهامش بعيد عن المركز . وعرج على التعريف بالضيف كأحد المنتمين إلى الحركة اليسارية بالمغرب ، أدى ضريبة التغيير من خلال اعتقاله والزج به في السجن لمدة طويلة، وأن ما عاشه كان له تأثير واضح في كتاباته الأدبية التي تنهل أغلبيتها من سيرته الذاتية وتجربته الإنسانية ، تسعى إلى زرع الآمال وبناء مغرب يسع للجميع. وبعدئذ تناول الكلمة الكاتب والصحفي طالع السعود الأطلسي الذي شكر المنظمين والمحافظين على هذا العرف الثقافي بالناظور ، ما يشكل دليلا على مقاومة لجملة أوضاع تريد أن تهمش الثقافة، مؤكدا أن المغرب ليس فيه هامش ولا مركز، المغرب واحد بتنويعات مختلفة لخدمة وطن واحد. والناظور مدينة مهمة ينبغي أن يترسخ فيها هذا العرف الثقافي ما حدا به إلى اقتراح مأسسته في إطار يحمل اسم"الضفة الثقافية لمارتشيكا" الذي من المزمع أن ينظم لقاءين ثقافيين في السنة على الأقل. وبعده تحدث عن اليسار المغربي الذي بدأ ثقافيا، وهذا ما جسدته مجلة "أنفاس"، حيث كان البعد الثقافي في الحركة السياسية مهما، فمناضلو اليسار كانوا مثقفين. من هنا ، فالبعد الثقافي في التدبير السياسي كان سابقا عن الفعل السياسي ، وخير مثال الحركة الوطنية التي بدأت حركة ثقافية لأن أهم رموزها مثقفون .والشاوي يجسد جوابا على علاقة الثقافي بالسياسي باستمرار حيث كان له حضور في مجلة "أنفاس"، ومساهمات في الحقل الثقافي ، وانتماء إلى اتحاد كتاب المغرب. وأكد أن البعد الثقافي في الحركة السياسية مهم. وتوقف عند كثير من محطات انتقال الشاوي من إبداع إلى آخر، ومن مجال إلى آخر مختتما كلمته بالقول إننا في حاجة إلى أمثال الشاوي وأقضاض حتى ننمي الحياة الثقافية من جديد ويكون للسياسة معنى في حياتنا. أما الناقد محمد أقضاض فقد أبرز في مداخلته أن الإنسان ثقافة وإذا فصل عنها سنصبح في غابة مستطردا أن الثقافة ينتجها الإنسان، وأية منطقة تنتج وتطور ثقافتها. ثم قارن بين سنوات السبعينيات والثمانينيات وبين اليوم ، ليستنتج ويؤكد أن الثقافة كانت ممنوعة ، إذ لا يسمح بتنظيم أنشطة ثقافية إلا بعد جهد ومساءلة ، أما اليوم فالأمر مختلف يسمح بتنظيم أنشطة ثقافية متنوعة لما يعرفه من تفتح وحرية ، إلا أن الملاحظ هو أن الجيل القديم كان يجمع بين الثقافة والسياسة بخلاف الجيل الجديد الذي يقتصرعلى الثقافة. ورأى أن الفصل بين الثقافة والسياسة يؤدي إلى تدهور خطير في المجتمع مشيدا باقتراح الأطلسي الداعي إلى مأسسة هذه المبادرة الثقافية حفاظا على استمراريتها وتأطيرها . كما رأى أن الحديث عن الشاوي هو حديث عن ظاهرة ثقافية متعددة الأبعاد ، فهو روائي ،ناقد ،مترجم، حقوقي،دبلوماسي وهذا نادر ما يجتمع في مثقف واحد. وبعدئذ استعرض مجموعة من أعمال الشاوي استهلها بقراءة كتابه"اليسار في المغرب (1970 1974) تجربة الحلم والغبار" الذي هو بمثابة دراسة في التجربة ومراجعة لها ، كما أنها نقد ذاتي للشاوي المناضل في هذا اليسار الذي كان من مؤسسيه ومن ضحاياه أيضا. وأشار إلى أن الشاوي واصل كتاباته داخل السجن منذ محاكمته سنة 1977 ، فنشر عدة كتب وتابع دراسته إلى غاية حصوله على شهادة الدراسات المعمقة.. الشاوي ناقد مارس النقد الأدبي انطلاقا من الإنصات إلى صوت النصوص بدل تبني المنهج الإيديولوجي أو البنيوي الطاغيين في زمنه إيمانا منه أن النقد قاصر مازال يبحث عن منهج. ورأى أن الشاوي يركز على السيرة الذاتية التي أصبح فيها أجدر النقاد قراءة لهذا النوع الأدبي ، ومثل لذلك بكتاب " الكتابة والوجود" الذي هو في الأصل رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة نالها داخل السجن، فضلا عن مقالات في السيرة الذاتية وغيرهما . ثم استعرض حياته الأدبية التي ابتدأها شاعرا قبل الانتقال إلى التخييل الذاتي الذي تجسد في مجموعة من الأعمال الروائية التي نجد فيها فترات غير منتظمة من حياته ، إضافة إلى مظاهر أخرى مميزة لها.. وأخيرا تناول الكلمة الأستاذ عبد القادر الشاوي الذي شكر الحضور والمنظمين لهذا اللقاء ورأى أن ما سمعه من الأستاذين الأطلسي وأقضاض يدخل في نطاق ما هو عام، أما هو فيريد أن يعرف كيف يرى نفسه وهذا ليس بأمر غريب ، فقد سبقه عبد الله العروي الذي تحاور مع نفسه ، فهو السائل والمجيب في نفس الوقت . فجاء تدخله عبارة عن تأملات فكرية وفلسفية في ماهية الحياة التي ما هي إلا ممارسة لا غير ملخصا تجاربه الشخصية في ثلاث حلقات أساسية توسع فيها بالشرح والتفسير والاستشهاد ، والتي أوجزها في: 1 التجربة الشخصية كمسار. 2 التجربة الشخصية كإسهام في معترك الحياة وخاصة منذ إدراكه أن مجاله الخاص هو الثقافة والكتابة 3 التجربة الشخصية ككينونة إنسانية وجودية.. ثم انتقل إلى الحديث عن اليسار المغربي مستعرضا بعض مظاهره وتحولاته وتجربته الشخصية فيه. وفي الختام، فتح باب النقاش الذي ساهمت فيه مجموعة من الوجوه الثقافية والسياسية إغناءً لهذا اللقاء التواصلي بما طرحوه من أسئلة وإضافات مفيدة . وانتهى اللقاء بالتقاط صور تذكارية تؤرخ لهذه اللحظة الفارقة في المشهد الثقافي الناظوري.