سألت في الايام القليلة الماضية أحد الاصدقاء الذي كان قد حظر لقاء تواصليا بمدينة أمستردام للوزير المنتدب المكلف بالجالية المغربية بالخارج حول الدستور( سألته) حول ما دار في هذا اللقاء “الاستثنائي” وبالاخص الجانب المتعلق بالجالية و بالدستور . لم يبخل عني صديقي بالجواب بل سارع الى ذلك دون حتى اي تفكير, قائلا : ج : نعم لقد كان لقاءً “ساخنا” أكد من خلاله السيد الوزير أن الدستورالجديد سيعالج إشكالية الهجرة من منظور شامل، باعتبار انه خصص من أجل ذلك فصول خاصة لمغاربة الخارج والذين حظوا باهتمام خاص في هذا الدستور . قاطعته : اية فصول تحدث عنها الدستور ؟ ابتسم صديقي قبل ان يُكمل حديثه قائلا : ج- أنا لم اقرأ مشروع هذا الدستور, فالوزير هو من قال ذلك ,وحسب ما فهمته من حديثه ان من هذه الفصول من تؤكد على حماية حقوق مغاربة الخارج ومصالحهم المشروعة، وتمتيعهم بحقوق المواطنة الكاملة وضمان أوسع مشاركة ممكنة لهم،علاوة على دسترة مجلس الجالية المغربية بالخارج… كما ركز ايضا على حق التصويت والمشاركة انطلاقا من بلدان الاقامة …والذي خوله لهم الدستور . س: وماذا عن الحظور, هل كان كبيرا ؟ ج : الى حد ما. س : وهل تجاوب الناس مع حديث الوزير ؟ ج : إذا كان اكثر من نصف هذا الحظور جاء خصيصا ليتفاعل معه فماذا تنتظر اكثر من “التفاعل” … خاصة ان مطالب الكثير منهم لم تتجاوز بعد, تلك التي كانت في عهد الستينات. فالهمُّ الوحيد للكثير من هؤلاء هو, مدارس تدرس أبناءهم لغتهم سواء كانت أمازيغية اوعربية وتوفير اماكن للعبادة وتدريس ابناءهم الدين الإسلامي . وإن رُفع سقف المطالب عند هؤلاء فلن يتعدى أكثر من توفير ظروف ملائمة داخل القنصليات ليتسنى لهم قضاء مآربهم في ظروف عادية.هذا هو سقف المطالب عند هؤلاء شبيه بمطالبيه..وهذا منذ زمن ليس ببعيد…زمن كان تُكتم فيه حريتهم ، وتُنتهك حقوقهم . ولا زال هؤلاء على “عهدهم” القديم سائرون. ناسين ان ذلك كان فقط…إلى حين.!! س : ماذا تقصد ؟ ج : أقصد أن حب الإنسان لكرامته وحريته أصيل ولصيق به ، وإن غاب لفترات ما, ولأسباب ما .. فلابد ان يصرخ في داخله في يوم ما . فالشرارة الاولى لصرخة تونس انطلقت من حادثة تتعلق بهذه القيم…الحرية والكرامة . س : من حق هؤلاء ان يتفاعلو بالايجاب مع الوزير فهو لم ينقل في حديثه الا صورة مفسرة للدستورالجديد ؟ ج : ربما ! ولكن الوقت الان ليس وقت شعارات و تقديم وعود غير صادقة، ولا حتى وقت الحديث عن إنجازات ومشاريع دساتير و قوانين لا توجد إلا على ” الورق” وفي مخيلة الوزير . س: فما العمل اذن ؟ ج : في ظل الوضع الراهن وفي ظل تردد هؤلاء ( حكومة و وزراء ومسؤولين و…) في إتخاذ القرار الصائب و المناسب ستبقى المسئولية مسئولية الجميع، و خاصة النخب، لتدارك الأمور قبل فوات الآوان.. س : وهل هناك من لا يشاطر هذا الحظور الرأي؟ ج : إسمع يا صديقي , الناس هنا أنواع وأشكال , فكما تحدثنا ( اعلاه) عن عينة منهم ,هناك ايضا من لا يريد لا, دستور جديد ولا حق في التمثيلية ولا ترشح ولا شئء آخر سوى راحة البال والعيش هنا بسلام. ثم هناك آخرون لا يهمهم ,لا مجانية جوازالسفر ولا نقل جثامينهم مجانا الى بلدانهم بعد الوفاة ولا عملية مرحبا كل صيف ولا مجلس الجالية ولا حتى الوزارة المكلفة بالجالية بل ولا حتى وزير الجالية نفسه . س : وما للوزير, فهو كيف ما كان الامر يطبق ما هو مسطر في أجندته فقط ؟ ج : نعم . وزير يتقاضى الملايين شهريا وإن سألته حول ماذا قدم للجالية المقيمة بالخارج أجابك : مجانية تحويل الأموال من الخارج إلى المغرب !!!. س : ولكن حسب علمي ان مشروع الدستور الجديد حمل أشياء إيجابية للجالية…اليس الامر كذلك؟ ج : ربما . ولكن لا تنتظر منه كثيرا وحتى ولو كان الامر كذلك فلن نرى شيئا على ارض الواقع …فالدستور واحد لا فرق بين الجديد والقديم الا على مستوى الصياغة ..لتبقى كل حقوق الجالية منحصرة في ما يسمى “عملية مرحبا” .. تبذير للمال العام ، تجنيد الالاف من البشر كل سنة, من مدنيين وعسكريين ليأتوا الى المطارات والموانئ و يقولون لك :” مرحبا بيك ف بلادك” ! وللأمانة فهي: “مرحبا بلِّي جَا أُو جابْ”. س : وماذا عن مجلس الجالية…ألا يمثلكم؟ ج : إن كان فعلا يمثل أحد , فهو لا يمثل إلا نفسه..أما أنا فلا أعرفه ولا أعرف لحد طرح سؤالك هذا, ماهو دوره , ولماذا تم إنشاؤه أصلا, ربما فقط ليقتسم الغنيمة وينفرد هو الاخر بنصيبه من ميزانية الدولة. س : وما رأيك انت شخصيا في الدستور ؟ ج : هل تقصد دستور” الكوكوت”…الدستور الذي أُعد له وطبخ واستوى في دقائق… ما أعرفه ان مدونة السير لوحدها استغرق الاعداد لها والترويج و…و…شهور بل سنوات قبل ان تخرج الى الوجود…والدستورالذي سيحكم البلاد “طبخوه” ومنحوه للعباد في اقل من ربع المدة التي استغرقتها المدونة. س : ولكن مع ذلك نرى ان الكثير من المغاربة مستعدون للتصويت لصالحه؟ ج : نعم نرى ذلك على شاشات التلفزيون … فالدولة ذكية في ترويجها للدستور… وهي تسلك في ذلك كل الوسائل , المباحة وغير المباحة بل أحيانا بوسائل تخالف في الاصل ما جاء به الدستور نفسه , منها رشوة للمواطنين للخروج في مسيرات مؤيدة له. أو نقل صور لتجمهرات هي في الاصل تكون لأماكن المهرجانات الموسيقية…أشخاص حاملين للاعلام الوطنية يفرحون ويرقصون مع نغمات الموسيقى المنبعثة من “منصات اتصالات” …وتُنقل هذه الصور على انها فرحة بالدستور الجديد. هذا إظافة الى عدم تمكين الآراء المخالفة للتعبيرعن رأيها ,بل ما يثير السخرية احيانا هو تسخير الاطفال و بعض الاشخاص الذين لا علاقة لهم لا بالسياسة ولا بالعمل السياسي في الحملات الدستورية ويتم حشدهم في حافلات و شاحنات هي في الاصل مخصصة ,اما للنقل المدرسي أو لنقل السلع والبضائع أو ما شابه ذلك واستغلال تواجدهم في المهرجانات الخطابية لبعض الأحزاب . وهذا يقع في الاماكن العامة , وناهيك عن ما يقع داخل الاماكن المغلقة منها المساجد حيث يتم إلزام الخطباء والأئمة بخطبة مؤيدة للدستور والحث على التصويت بالموافقة بل واعتبار ذلك ( من قِبل بعض الائمة) واجبا دينيا و وطنيا .. وهو الشيء الذي لا يؤدي في آخر الحكاية إلا الى تكريس مزيدا من التخلف و”إستحمار” المواطنين. س : وما العيب في كل هذا ؟ ج : تقصد : إستحمار” المواطنين!!؟ س : لا, عفوا . أقصد ما العيب في أن تروج الدولة للدستور ؟ ج : العيب يا صديقي, ان الترويج للدستور بهذا الشكل يضرب عرض الحائط أهم بنود هذا الدستور ,حرية الفرد في التعبير… على الدولة التزام الحياد و خلق جو ملائم للجميع ليقول كلمته بكل حرية وقناعة بل ومنع كل عمل سواء كان لقاء اومظاهرة تروج له وسواء بنعم او لا . والاكتفاء فقط بشرحه لمن ( ربما) لم يفهمه !!! خلاصة القول: ترك كل الحرية للشعب ليقول نعم او لا , وبهذا تكون الدولة حقا : دولة الحق و… القانون. س : وما موقفك انت من كل هذا و بالدستور تحديدا ؟ ج : أنا لست ضد أحد ولا حتى ضد هذا الدستور في حد ذاته…فهو كيف ما كان الامر يعتبر مشروعا طُرح للاستفتاء…وللشعب كل الحرية ان يقبله او يرفضه حسب قناعاته .. ولكن انا اتحفض على الطريقة, سواء طريقة إعداده او طريقة الترويج له وفي الجانب الاخر ايضا طريقة تفاعل بعض الشرائح من الشعب معه , حيث اصبح الامر عبارة عن تراشقات و تصفية حسابات تحكمه أجندات وايديولوجيات معينة منها الظاهر ومنها المستتر. بدل اخذ الامور محمل الجد والمسئولية..فالامر كله لا يستدعي اكثر من احتمالين. أن تزكي هذا االمشروع وتصوت ب(نعم) او ترفضه وتصوت ب (لا)…وإن تعدى الامر هذين الاحتمالين فلن يتجاوز اقصى أن تقاطع هذا الاستفتاء وهو الاحتمال الثالث . هكذا هي الاشياء يا صديقي ,لا غموض فيها ولا تعقيد . ومن يفكرون غير ذلك , فذلك ليس سوى مجرد تحصيل حاصل خارج عن اراداتهم واحيانا نحن من يفرض عليهم ذلك .نفسح لهم المجال ليتحدثوا بأسمائنا و يتحكمون بقراراتنا , ناسين او متناسين او ربما غافلين عن ان مجرد اعادة التفكير في الامر ينتهي ارتباط تفكيرنا بهم . وندرك بالتالي كم تخلفنا في طريقة تفكيرنا, كشيء موروث من نمط التفكيرعن طريق قوالب جاهزه نراها دائما ولكننا لا نرى أصحابها . سؤال أخير:هل تصوت للدستور, وكيف ؟ جواب أخير : سأصوت ب:نعم, لأن الدستور يحوي بعض الأشياء الجديدة تبدو انها للصالح العام . سأصوت ب لا: لان الدستور تنقصه اشياء أخرى كثيرة ومهمة اكثر من التي جاء بها . سأقاطع : لأن طريقة اعداده و الترويج له تشوبها علامات استفهام كثيرة , وجب الاجابة عنها قبل التصويت ب لا او نعم شارك -------- أضف تعليقا Click here to cancel reply. الإسم (مطلوب) البريد الإلكتروني (لن ينشر مع التعليق) (مطلوب) الموقع الإلكتروني