[email protected] البطالة، وحش يخيف كل الناس… حفرة تفزع كل طالب مخافة الوقوع فيها بعد التخرج. وللأسف، فالغالبية العظمى من قصيري ذات اليد و “منعدمي الكتف” يحسون بألم الوقعة في الحفرة ويذوقون فيها المرارة إلى آجال غير مسماة في عديد الأحيان. عكس أصحاب “الأكتاف العريضة” أو “الأيادي الطويلة المليئة” الذين يتم توظيفهم بمجرد التخرج، وفي أحيان كثيرة تكون وظائفهم محجوزة حتى قبل أن يتخرجوا، ويتم حجز أماكنهم في مشاريع حتى قبل أن تبنى وتدشن. لأن اسمهم العائلي فهري أو علوي أو باروني… فالشعب المغربي كله يعرف بامتلاك محمد السادس حصة لا بأس بها في هولدينغ أونا، لكن القلة القليلة منه تعرف بميزانية القصور وراتب الملك، لأنهما أمران لا يسمح حتى للبرلمان بمناقشتهما، ويؤمر أعضاؤه بالمصادقة عليهما دون النطق ببنت شفة. وقد شاء القدر أن ترفع مجلة الصحيفة المغربية* اللثام وتكشف الحقيقة، لتليها مجلة فوربس الأمريكية* ثم عدة منابر إعلامية وطنية… إذ كشفت الأولى (مجلة الصحيفة المغربية) أن ميزانية سنة 2005 فاقت 248 مليار سنتيم، وميزانية 2006 ارتفعت بما يقارب ستة ملايير سنتيم لتتعدى 254 مليار سنتيم، وأتت مجلة فوربس الأمريكية سنة 2007 لتتحدث عن ارتفاع ميزانية القصور لسنة 2008 ب 34 مليار، حيث حددت المجلة هذه الميزانية في 288 مليار سنتيم. ولا شك أننا ببلوغ سنة 2011 والدخول في مرحلة الحديث عن ميزانية القصور لسنة 2012، وبناء على الارتفاع المهول في هذه الميزانية خلال السنوات الأخيرة فأكيد أنها ارتفعت حاليا عن 300 مليار سنتيم حسب ما تفرضه احتياجات السيادة حتى الزائدة منها والتي تبذر (بفتح الذال مع الشد) دون وجه حق. لست رجل اقتصاد، لكن دعونا نكتفي بما صرحت به مجلة فوربس سنة 2007 دون الحديث عن الارتفاع الذي لا بد وقد عرفته الميزانية خلال الأربع سنوات الأخيرة. إذ جاء في المجلة أن ميزانية القصور تبلغ 960 ألف دولار في اليوم الواحد، أي ما يعادل 800 مليون سنتيم، ويعادل أيضا 24 مليار سنتيم في الشهر، و288 مليار سنتيم في السنة كما ذكرت آنفا. وإن قمنا بعملية حسابية بسيطة فإننا سنلاحظ أن 24 مليار سنتيم ستشغل لنا 60.000 عاطل براتب 4.000 درهم للشهر. وبإمكاننا رفع هذا العدد إن قمنا باستثمار تلك الأموال: - 288 مليار سنتيم (ميزانية السنة الأولى) معناها مجموعة شركات موزعة على مناطق المغرب لتكافؤ فرص الشغل. - ميزانية القصور ابتداء من السنة الثانية (سنة انطلاق العمل) ستخصص لدفع أجور العمال (60.000 عامل). ولأن استثمار هذه الأموال في هذه الشركات معناه توفير ربح للدولة، فإن بإمكان هذا الربح توفير عدد إضافي من الوظائف، على عكس تبديد هذه الأموال على القصر ما يعني عدم استفادة لا الشعب ولا الدولة. قد يقول قائل إن للقصر حاجيات كدفع أجور العمال ومصاريف التنقل… خصوصاً أن ميزانية 2006 حسب مجلة الصحيفة المغربية أخذت من خزينة الدولة ما يفوق 3 مليار سنتيم للشهر للمواد الطاقية، وما يفوق 8 مليار سنتيم لدفع أجور موظفي القصر، وما يقارب المليار سنتيم تكاليف الهاتف، وما يقارب 250 مليون سنتيم لملابس الخدم كالحرس الملكي، و 40 مليون كأجر للملك وتدخل ضمن القائمة المدنية حسب مجلة تيل كيل (هذه الأرقام كل شهر)… والجواب (الحل) قد يبدو صعبا بعض الشيء على البعض، لكن لن يصعب على العائلة الملكية وعلى من قرأ تقرير رويترز شهر أبريل الماضي، والذي تناقلته وسائل الإعلام الوطنية. فالتقرير يقول بأن الشركة الوطنية للاستثمار التابعة للأسرة الملكية (العلوية) أعلنت عن ارتفاع صافي أرباحها وأصولها بقيمة 828 مليار سنتيم خلال 2010، أي بنسبة تضاعف 3,5 مرات (347%) أرباح السنة السابقة 2009 التي بلغت 238 مليار سنتيم. وإن علمنا أن هذه الأموال كانت ملكا للشعب المغربي قبل أن تعود ملكيتها للراحل الحسن الثاني بطريقة أو بأخرى لترثها عنه أسرته وولي عهده، فإنه لا ضير إن طالبنا بدفع احتياجات السيادة والقصر منها. أولا لأنها أموال الشعب، وثانيا لأن لا أحد من حقه محاسبة عمال القصر على تبذير أموال الشعب حتى البرلمان والذي من المفروض أنه يمثل الشعب (سأذكر بعض مظاهر التبذير لاحقا). لكن إن دفعت المصاريف من أموال العائلة الملكية (أو بالأحرى الشعب) فستكون هناك مراقبة ومحاسبة، وهو ما سيوقف المبذرين من الوفد المرافق للملك… عند حدهم. يقول إدريس ولد القابلة ومصطفى حيران في ملفهما “كيف كون وراكم الحسن الثاني الثروة الملكية؟” المنشور بجريدة المشعل المغربية: لقد أجمع الباحثون على أن الملك محمد الخامس لم يكن ثريا ولم يكن يولي الاهتمام لجمع أو مراكمة الثروة بل كان يكتفي بما يجعله يعيش مع عائلته عيشة كريمة. ويضيفان: تعددت الآليات المعتمدة من أجل الإثراء السريع على حساب الشعب، وقد ساهمت الاختيارات الرأسمالية التبعية منذ الاستقلال في توفير الكثير من السبل والطرق لوضع اليد على الثروات الوطنية بسهولة كبيرة قد تبدو أحيانا من قبيل الأشياء التي لا يتقبلها العقل، ومنها استغلال الديون الخارجية والامتيازات وشركاء الواجهة والإصلاح الزراعي و”المغربة” والخوصصة واسترجاع الأراضي من يد المعمرين الفرنسيين وتجميع الأراضي قبل بناء السد قصد استصلاحها لإعادة توزيعها وقوانين الاستثمار في مختلف القطاعات والاتفاقيات الدولية والهبات والمساعدات الخارجية، وغيرها من السبل غير الشرعية من قبل المضاربة في الامتيازات وتسهيلات اقتصاد الريع واستغلال النفوذ والارشاء والارتشاء، والسطو على الخيرات الوطنية وأموال الشعب، وممتلكاته بمجرد إصدار تعليمات شفوية أو عبر الهاتف، هذا في وقت ظل فيه القصر والعائلة الملكية في عهد الحسن الثاني المصدر الأساسي للإثراء ومركزا لمنح مختلف الامتيازات، وهي في عمومها نفس الآليات التي اعتمدها الاستعمار لإثراء المعمرين وعملائه والمتعاونين معه ورجال ثقته. وإن أخذنا بعين الاعتبار حسب الأرقام التي استنتجتها سابقا أن ميزانية القصور قد تكون في حدود 300 مليار سنتيم في السنة، فإن الربح الصافي للأسرة الملكية بعد استخلاص ميزانية السيادة والقصور يفوق 500 مليار سنتيم للسنة، ما يعني أن العائلة الملكية رابحة في كل الأحوال (بالصحة والراحة، اللهم لا حسد). كما أنه من يحتاج أن يأخذ من أموال الفقراء 40 مليونا كأجر كل شهر وشركاته تدر عليه 69 مليارا (1725 مرة 40 مليون) كل شهر؟؟ هذا، وإن لم يُرض العائلة الملكية هذا العرض (بلا حساب) فهناك عرض أكثر إغراء منه (بالحساب). يقول ابن خلدون: إن الدولة التي تلجا للترف والتبذير تحتاج إلي فرض المزيد من الضرائب والمكوس إلى درجة تكون بها شريكا لكل صاحب عمل، وقد تصادر أموال بعض المغضوب عليهم من كبار الموظفين لتسد عجز الموارد، وفي النهاية يلجأ السلطان وأعوانه إلى ممارسة التجارة بحجة زيادة الموارد وإصلاح الأحوال. ويرى ابن خلدون أن ذلك خطأ فادح يقضي على الحركة التجارية والاقتصادية ولا يصلحها، لأن الناس في السوق يتنافسون وهم متكافئون في الإمكانات وفي المكانة، فإذا نزل السلطان أو الدولة لينافس الأفراد في السوق أضاع تكافؤ الفرص واستغل نفوذ الدولة في منافساته مع الأفراد وفرض أن يشتري السلع منهم بما يريد وأن يبيعها لهم بما يريد، وإذا تحكم بهذا في السوق توقفت حركة البيع والشراء وانتشر الكساد والركود وتقاعس الناس عن العمل في الزراعة والصناعة والتجارة لأن خير مسعاهم سيذهب للسلطان دونهم، وإذا قعد الناس عن العمل ذاب رصيدهم من الأموال وضاع في الاستهلاك وتدبير أمور المعاش. وفي هذه الأحوال الاقتصادية المتردية لا بد أن يتأثر إيراد الدولة من الضرائب. وهنا يجب اعتبار الحاكم الذي يمارس التجارة خطيراً ويؤذي مصالح الدولة والشعب، لأنه قد يفرض سلطته للتملص من دفع الضرائب، وكذا طرد كل منافس أو فرض شروط مستحيلة للتنافس… ولعل أفضل مثال هو ما راج مؤخراً عن طرد شركة خليجية للزيت قدمت لفتح فرع بالمغرب، ولأنها شركة ضخمة وذات جودة وتهدد مصالح شركة لوسيور الملكية فقد تم طردها، لتأخذ هذه الشركة أموالها وتستثمرها في الجزائر ويخسر الشعب المغربي آلاف فرص العمل. لهذا نقول صدق ابن خلدون، ووجب على الحاكم الفصل بين السلطة والمال باختيار أحدهما، فإما التجارة أو الحكم. لا بد لنا من مراجعة بسيطة لمصير أموال الشعب (ميزانية القصور)، ونحن نعلم حسب الصحيفة المغربية أن مصاريف التنقل تعدت في ميزانية 2006 ال 37 مليار سنتيم، وفي كل خرجة رسمية للملك يتم حجز غرف جميع فنادق المدينة التي ينزل فيها، ما يكلف الدولة الكثير من الأموال دون وجه حق. فهل هذه المصاريف تدخل ضمن مصاريف التنقل أم أنها مصاريف إضافية تستنزف جيوب الشعب؟ خصوصاً وأنه بلغني من مصدر مقرب لأحد المستثمرين العقاريين بالناظور، أن هذا الأخير يقوم بإكراء فيلاته المجهزة للوفد المرافق للملك، وأن هذا الأخير ربما لاعتبارات أمنية يطالب بالفيلات فارغة على أن يجلب كافة التجهيزات (أجهزة تلفاز، ثلاجات، آلات تصبين، أسرة…)، ثم بعد المغادرة يترك هذا الوفد هذه التجهيزات (التي دفع ثمنها الشعب الفقير) بالفيلات ويستفيد منها هذا المقاول، ونفس الشيء يحدث خلال كل زيارة وربما في كل مدينة يدخلها الملك. وإن صح هذا الأمر فلماذا تبذير أموال الشعب بهذه الطريقة؟ قد يحسب القرار في الدستور الجديد خفض عدد المستشارين بدل حذف الغرفة بأكملها ضد الملك. فكما هو معلوم فرواتب المستشارين بلغت 36.000 درهم للعضو، وإن عرفنا أن الميزانية المخصصة لدفع رواتب 270 مستشاراً تقترب من المليار سنتيم كل شهر (بالتحديد 972 مليون). فإنه حتى وإن قام الملك بخفض عدد أعضاء الغرفة إلى 120 وحافظ على 540 مليون سنتيم، فإن ميزانية الدولة لا زالت ستصرف 432 مليون سنتيم كل شهر. وإن كانت الدولة ستقوم بتشغيل العاطلين بأموال هذه الميزانية المستردة من 150 عضواً المستغنى عن خدماتهم فإن توفير 2430 منصب شغل أفضل بكثير من توفير 1350 براتب شهري 4.000 درهم، وذلك عبر إلغاء الغرفة الثانية بأكملها وإعطاء صلاحيات المستشارين للنواب. هذا إن تم استخدام هذه الأموال أصلا لتشغيل حاملي الشواهد، ولم تجد لها الدولة مخرجا آخر لتبذيرها. أليس الشعب المغربي العاطل أحوج ما يكون لهذه المليار سنتيم من المستشارين الأغنياء؟ إن كنا حقا نعتبر أنفسنا في دولة الحق والقانون، فيجب أن نحاسِب ونحاسَب لكي نرقى بهذه الدولة إلى مستوى تطلعاتنا. ولا يقولن أحد إن الملك يقوم بكل ما يستطيع لتحسين الأوضاع، لأن أولى الخطوات لتحسين الأوضاع هي تشغيل أزيد من 62.000 عاطل بما سبق ذكره، وهذا بين يديه إن أراد فعلا تحسين أوضاع شعبه. يكفي فقط التعبير عن حسن النية والشروع في تطبيقه. وإن كان من أحد قد شك وهو يقرأ عنوان المقال في وجود أية علاقة بين البطالة وميزانية القصور، فهل لا يزال شكه قائما؟ ملحوظة: اخترت مبلغ 4.000 درهم كراتب للموظفين وبنيت عليه حساباتي، لأنه مبلغ مناسب كحد أدنى للأجور أمام غلاء الأسعار، ولكل من لم يرضه المبلغ فالأرقام واضحة وليعد حساباته على هواه. قد يكون هناك من حصل على أرقام رسمية لميزانية سنة 2012، وإن كانت مختلفة عن التي ذكرتها إلا أنني لا أظن الاختلاف كبيرا، وكما أسلفت في النقطة السابقة يكفي له أن يجري حساباته. المراجع: - مجلة الصحيفة المغربية العدد 8 من 4/10 نونبر 2005 - مجلة فوربس في عددها بتاريخ 30 غشت 2007 - مجلة تيل كيل الفرنكوفونية العدد 156 - كتاب تاريخ ابن خلدون - جريدة المشعل شارك -------- أضف تعليقا Click here to cancel reply. الإسم (مطلوب) البريد الإلكتروني (لن ينشر مع التعليق) (مطلوب) الموقع الإلكتروني