لا يمكن للمرء إلا أن يكون غبيا (علما أن الغباء موجود) ما لم يدرك أن الحسيمة تتعرض لمؤامرة خطيرة، بدأت فصولها في صيف 2010 وتصاعدت وتقوت خلال 2011 مستغلة ثورات الربيع بشمال إفريقيا وكذا الحراك السياسي الداخلي بعد 20 فبراير. ترى ما هي الأسباب الواقفة وراء ذلك؟ ومن يكون هؤلاء المتآمرون؟ أولا: التقرب والعطف الكبيرين اللذين أبان عنهما الملك محمد السادس تجاه الحسيمة وسكانها، وإصراره على فرض عدة مشاريع لم تحظ بالقبول من قبل معظم الوزراء والمقربين، هؤلاء ازدادوا غيضا وتجرعوا المرارة أكثر عندما تم، في سابقة تاريخية، إلقاء خطاب العرش من الحسيمة. ثانيا: ازدياد نفوذ بعض النخب الحسيمية والريفية بعد تولي محمد السادس لمقاليد الحكم غدا يشكل خطرا على اللوبيات السياسية والاقتصادية في المغرب، مما جعلهم يتخوفون على فقدان مواقعهم خلال الاستحقاقات المقبلة، وبالتالي إعلان الحرب على هذه النخب الريفية الفتية لاستئصالها وإرجاعها إلى ما كانت عليه خلال العهد البائد. ثالثا: إحساس بعض الأطراف السياسية بالحسيمة بنوع من الإقصاء والتهميش، خاصة بعد انتخابات 2009، دفعها إلى الالتقاء بصفة مباشرة أو غير مباشرة بأطراف خارجية، لا سيما بعد أن عجزت النخبة السياسية الحسيمية عن توحيد وتجميع النخب المحلية. هذه هي الأسباب الموضوعية في رأينا على الأقل، وهناك أسباب ذاتية مرتبطة بأخطاء في التعامل والتقدير من لدن كافة الأطراف وبدون استثناء، هذا إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تجتازها اسبانيا وأوربا عموما، وعدم استكمال تنفيذ المشاريع السياحية لأجل التقليص من معضلة البطالة، وتكاثر عدد سيارات الأجرة التي تسببت في عرقلة السير العادي والجولان بالمدينة وبالتالي حدت من المدخول اليومي لسائقيها. أما ما عدا ذلك، من حكايات واتهامات وترهات… وما نتج عنها، فهو مبالغ فيه بشكل مأساوي كما هو الشأن بالنسبة للصراع العائلي، حول مشاكل مرتبط بالإرث، والذي اندلع ببوكيدارن وتسبب في صراعات ومواجهات مؤسفة. دون أن نغفل قضية الشبان المتفحمة جثثهم داخل الوكالة البنكية في 20 فبراير، وإذا صدقنا تشريح الطب الشرعي الذي يقر بأن الوفاة كانت نتيجة الاختناق، فلنا أن نتساءل: من أضرم النار في الوكالة البنكية؟ ولماذا لم تتدخل قوات الأمن والوقاية المدنية؟ ومن أحرق البلدية؟ ولماذا كل هذا العناد في اقتحام مؤسسة “مجلس الجهة” علما أن هناك إحصائيات تفيد بأن مكتسبات الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بإقليمالحسيمة لا توازيها مكتسبات أي إقليم آخر بالمغرب. وأجدني، هنا، مضطرا للتذكير أيضا، بأنه خلال انعقاد المجلس الإداري لوكالة تنمية عمالات وأقاليم الشمال بالمملكة، صرح مديرها، السيد فؤاد البريني، بأن إقليمالحسيمة هو الذي استفاد أكثر فأكثر مقارنة بالأقاليم الأخرى، الشيء الذي لم يرق الوزير الأول (عباس الفاسي) ووزير الدولة (امحند العنصر) اللذين طالبا بضرورة “التوازن” مع الأقاليم الأخرى. تبعا لذلك، يحق لنا أن نتساءل: لماذا أصبحت فجأة ملفات الحسيمة مهملة في رفوف الوزارات؟ ولماذا بدأ بعض الأفراد المحسوبين على الجهات الأمنية في استفزاز المواطنين ونعتهم ب” أولاد السبنيول”، فيرد عليهم الآخرون “أولاد الفرنسيس”؟ ثم، كيف يمكننا أن نفهم تضامن ريفيين بعضهم يقيم في الخارج مع بعض اللوبيات الفاسية بغاية تقويض المصالحة مع الريف ونخبه وأبنائه؟ وإذا أمكن لنا إيجاز خيوط هذه المؤامرة، سنقول بأن البعض يخطط لها لأسباب سياسية واقتصادية مرتبطة بمصالح كبرى ومخططات استراتيجية، وهؤلاء لا ينتسبون للريف؛ وهناك طرف ثان محلي، هذه المرة، تحركه روح الانتقام والحقد والجحود؛ وفئة ثالثة لا تملك أي حس عقلاني ونقدي فتنجر وراء تصديق الأكاذيب والإشاعات ويغمرها حماس طائش وساذج، وهي تشكل الوقود/ الآلية التنفيذية للمؤامرة التي تتلقى الدعم المادي والمعنوي من الطرفين الأولين السالفي الذكر. فيما نجد أغلبية ساكنة الحسيمة رافضة لهذه المؤامرة البائسة، وسعيدة بالزيارات الملكية المتتالية وما أفضت إليه من مكتسبات ومشاريع غيرت وجه الحسيمة نحو الأفضل، وبالتالي فهي تندد وتستنكر تحويل مدينتها الهادئة إلى بؤرة للتوتر والعنف وممارسة السلوكات العدوانية الشاذة…ومن ثم، فهذه الأغلبية مستعدة للدفاع عن الحسيمة بكل الوسائل الممكنة لأن حبها لمدينتها صادق وعميق وليس مجرد نفاق كما هو الشأن لدى البعض الذين خبرهم أبناء المدينة خلال محطات كثيرة: الزلزال، الفيضانات، إحراق الحسيمة وباقي المصائب التي حلت وتحل بمدينتنا. إننا ندرك جيدا لماذا يأتي بعض هؤلاء إلى الحسيمة وماذا يريدون بالضبط؛ ولذلك علينا، كأبناء غيورين على مدينتنا، أن نتحلى بمزيد من الثبات والذكاء لأجل إحباط هذه المؤامرة، وألا نستسلم للاستفزازات والمضايقات التي نتعرض لها، وأن نرد على كل ذلك برجاحة العقل وسداد الفكر وسلامة الرأي. ولتحيى الحسيمة حرة وأصيلة ولتفشل المؤامرة الخسيسة.