رئيس مجلس المستشارين يستقبل رئيس برلمان المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا    اتفاقية تاريخية.. المغرب وموريتانيا يوقعان مشروع الربط الكهربائي لتعزيز التعاون الطاقي    مشروع الميناء الجاف "Agadir Atlantic Hub" بجماعة الدراركة يعزز التنمية الاقتصادية في جهة سوس ماسة    الدار البيضاء ضمن أكثر المدن أمانا في إفريقيا لعام 2025    البيت الأبيض يعلن تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية"    بوروسيا دورتموند يتخلى عن خدمات مدربه نوري شاهين    وفد الاتحاد الأوروبي يزور مشروع التطهير السائل بجماعة سيدي علال التازي    مع اقتراب رمضان.. المغرب يحذف الساعة الإضافية في هذا التاريخ    هذا ما تتميز به غرينلاند التي يرغب ترامب في شرائها    مؤسسة بلجيكية تطالب السلطات الإسبانية باعتقال ضابط إسرائيلي متهم بارتكاب جرائم حرب    إحالة قضية الرئيس يول إلى النيابة العامة بكوريا الجنوبية    أندونيسيا: ارتفاع حصيلة ضحايا حادث انزلاق التربة إلى 21 قتيلا    احتجاجات تحجب التواصل الاجتماعي في جنوب السودان    إسرائيل تقتل فلسطينيين غرب جنين    نقابات الصحة ترفع شعار التصعيد في وجه "التهراوي"    طقس الخميس: أجواء باردة مع صقيع محلي بعدد من المناطق    باريس سان جيرمان ينعش آماله في أبطال أوروبا بعد ريمونتدا مثيرة في شباك مانشستر سيتي    دعوة وزيرة السياحة البنمية لزيارة الداخلة: خطوة نحو شراكة سياحية قوية    منظمة التجارة العالمية تسلط الضوء على تطور صناعة الطيران في المغرب    الاحتيال على الراغبين في الهجرة السرية ينتهي باعتقال شخصين    حجز 230 كيلوغراما من الشيرا بوزان‬    الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية    طنجة المتوسط يعزز ريادته في البحر الأبيض المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    لا زال معتقلاً بألمانيا.. المحكمة الدستورية تجرد محمد بودريقة من مقعده البرلماني    عامل نظافة يتعرض لاعتداء عنيف في طنجة    فوضى حراس السيارات في طنجة: الأمن مطالب بتدخل عاجل بعد تعليمات والي الجهة    ضمنهم طفل مغربي.. مقتل شخصين وإصابة آخرين في هجوم بسكين بألمانيا والمشتبه به أفغاني    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    السكوري: نسخة "النواب" من مشروع قانون الإضراب لا تعكس تصور الحكومة    في درس تنصيب أفاية عضوا بأكاديمية المملكة .. نقد لخطابات "أزمة القيم"    ريال مدريد يُسطر انتصارا كاسحا بخماسية في شباك سالزبورج    شباب الريف الحسيمي يتعاقد رسميا مع المدرب محمد لشهابي    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    في الحاجة إلى ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    نحن وترامب: (2) تبادل التاريخ ووثائق اعتماد …المستقبل    رسميا.. مسرح محمد الخامس يحتضن قرعة الكان 2025    المغرب يُحبط أكثر من 78 ألف محاولة هجرة غير نظامية في 2024    القضاء يبرء طلبة كلية الطب من التهم المنسوبة اليهم    منتخب "U17" يواجه غينيا بيساو وديا    القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد    الشيخات داخل قبة البرلمان    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء في مهرجان الطفل    120 وفاة و25 ألف إصابة.. مسؤول: الحصبة في المغرب أصبحت وباء    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    عادل هالا    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تصاعد المد العنصري ضد المسلمين
نشر في أريفينو يوم 28 - 05 - 2011

وعواقبه الوخيمة على تماسك المجتمعات الغربية

*بقلم/التجاني بولعوالي
باحث مغربي مقيم بهولندا
المد العنصري ضد المسلمين
المسلمون الذين هاجروا في ستينيات القرن الماضي إلى أوروبا باعتبارهم يدا عاملة مؤقتة، لم يبقوا كذلك، وإنما تغيرت أوضاعهم بشكل جذري، نقلهم من مجرد مهاجرين جنوبيين عابرين إلى مواطنين أوروبيين حقيقيين، ليس بالإقامة والعمل فحسب، وإنما بالقانون الذي بوأهم منذ مستهل عقد الثمانينيات مكانة اجتماعية مختلفة، وفّرت لهم جملة من الحقوق والمكتسبات، في العمل، والصحة، والتأمين، والتعليم، والأسرة، وغير ذلك.
في مقابل هذا التحسن الذي شهدته وضعية المسلمين في أوروبا، وهو يتخذ أكثر من طابع، كالقانوني والاجتماعي والصحي والتعليمي والاقتصادي، وما إلى ذلك، لم يظل المسلمون مكتوفي الأيدي بعيدا عن أي إسهام في مجتمعات الاستقبال، كما تروج الكثير من وسائل الإعلام الصفراء، والدراسات الأكاديمية المؤدلجة، بقدر ما أنهم قدموا ما لا يحصى من الخدمات والتضحيات، التي على أساسها انبنى جانب هام من نهضة أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ثم إنه لا ينبغي أن نحصر التحولات التي اعترت بنية الشريحة المسلمة الأوروبية، فيما هو كمي فحسب، يقتصر على التطور العددي والديمغرافي الذي شهده الوجود الإسلامي في أوروبا، الذي يتجاوز، حسب آخر إحصائيات موثوق فيها، على صعيد القارة الأوروبية الرقم 53 مليون نسمة، ويقترب على صعيد الاتحاد الأوروبي من الرقم 16 مليون مسلم (1)، أي حوالي عدد سكان هولندا برمتها! أو في ظاهرة انتشار الإسلام في أوساط غير المسلمين، والتزايد المطرد لعدد المعتنقين الجدد للدين الإسلامي، حيث أثبتت بعض الدراسات العلمية أن عددهم بلغ 10 ألف شخصا سنويا في فرنسا وحدها، وذلك خلال تسعينيات القرن الماضي.(2)
وإنما ينبغي أن نتعدى ذلك إلى ما هو كيفي، إذ تكشف آخر الدراسات العلمية التي تناولت واقع المسلمين في أوروبا، أثناء العقد الأول من الألفية الجديدة، عن التحولات العميقة التي تخللته، وتتخذ مظاهر متعددة، كتصاعد مستوى المعرفة لدى الأجيال المسلمة الصاعدة، التي اقتحمت مختلف ميادين العلم والمعرفة والتكنولوجيا، فأصبحت تحضر اليوم في شتى مجالات الحياة، من صحة واقتصاد وقضاء وهندسة ومجتمع مدني وثقافة، وغير ذلك. وولوج المسلمين عالم الاقتصاد والتجارة والمال، حيث صاروا يمتلكون ويديرون عشرات الآلاف من الشركات والمقاولات والمشاريع. واقتحام المثقفين والفاعلين المدنيين المسلمين ميدان الممارسة السياسية، مما مكنهم في زمن قياسي من الحضور الوازن على مستوى التمثيل البلدي والبرلماني، وغير ذلك من المكاسب الحيوية والنتائج الإيجابية.
غير أنه في الوقت الذي كان ينتظر فيه المسلمون في أوروبا ردود أفعال إيجابية ومحفزة على الإسهامات الملموسة، التي بدؤوا يشاركون بها في المجتمعات التي يستقرون فيها، حدث العكس، عندما كوفئوا بمختلف الإساءات والإهانات لمقدساتهم الدينية، وقوبلوا بالرفض والاتهامات من أحزاب اليمين المتشدد وحركات النازية الجديدة، وغيرهما.(3) مما يثبت أن علاقة أوروبا مع مواطنيها المسلمين، أضحت محكومة بمشاعر الحذر والاتهام والخوف المتبادل بين المكونات الأصلية للمجتمعات الغربية والمكونات الأجنبية الوافدة عليها. يقول في هذا الصدد المفكر السويدي إنجمار كارلسون في كتابه (الإسلام وأوروبا تعايش أم مجابهة؟): “لا شك أننا نقف على مشارف تبدلات جذرية في الهوية الأوروبية. إن ظواهر التفرقة والعنصرية والتعصب والقومية الضيقة تستفحل وتتفاقم بسرعة متزايدة في عموم بلدان أوروبا كرد فعل متوقع نتيجة تعاظم معدلات الهجرة التي تبدو حاليا ضئيلة بالمقارنة مع ما ستكونه في المستقبل”.(4) ثم يفسر هذه الصورة المتردية للغرب حول المسلمين المطبوعة في وعيهم على نحو مخيف بأنها “لا ترمز، كما يقول، فقط إلى حاجتنا لعكاز نتوكأ عليه ونحن نحدد هويتنا الحضارية، وإنما تعني أيضا حاجتنا إلى فناء خارجي نرمي فيه بالأجزاء السالبة من حضارتنا وبالأشياء السوداء من تاريخنا”.(5) وهذا ما ستترتب عنه، لا محالة، جملة من العواقب الوخيمة، التي تقف حجر عثرة في سبيل أي تعايش منشود بين مختلف عناصر ذلك الواقع، كالعنصرية والتمييز العرقي والإقصاء وتفاوت فرص العمل والتأخر الدراسي والفقر، وغير ذلك، وهي كلها ظواهر تتلظى بها بالدرجة الأولى الشريحة المسلمة.

أسباب المد العنصري
ترى ما هي أهم الأسباب الراهنة التي تقف وراء نشوء هذا المناخ المشحون الذي يسوده العداء العلني للمسلمين، من قبل بعض الجهات الأوروبية؟
* الحركات الأيديولوجية المعادية كأحزاب اليمين المتطرف والنازية الجديدة، التي تكشف عن عدائها الكبير للإسلام والمسلمين، من خلال خطاباتها السياسية وبرامجها الحزبية، وقد أفلحت بشكل لافت في تعبئة قسم عظيم من الرأي العام الأوروبي ضد المسلمين، الذين باتوا يشكلون ورقة سياسية رابحة في العديد من الدول الأوروبية، مكنت بعض تلك الأحزاب من حصد نتائج انتخابية معتبرة.
* الحركات الاجتماعية والثقافية، كجمعيات الشواذ جنسيا ومنظمات المرتدين الجدد عن الإسلام وبعض الحركات النسوية المتعصبة، فهي كلها تسعى إلى تشويه صورة الإسلام في عيون الغربيين، واعتباره يشكل خطرا على التماسك المجتمعي الأوروبي، ما دام أنه يعمل جاهدا على إقصاء الكثير من الشرائح والمكونات، استنادا إلى فتاواه وتعاليمه المجحفة.
* المثقفون والكتاب والسينمائيون الأوروبيون، الذين يساهمون بآرائهم في خلق الصور النمطية حول الإسلام، وإفشائها في المجتمع عبر مختلف الوسائل والآليات، كالصحافة، والكتب، والأفلام، والكاريكاتير، وغير ذلك.
* وسائل الإعلام، وهي تؤدي دورا جوهريا في صياغة صورة مغلوطة حول الإسلام والمسلمين، إذ تعمل العديد من هذه الوسائل الإعلامية المطبوعة والمسموعة والمرئية والإلكترونية، على تقديم مختلف القضايا الإسلامية الفقهية والتاريخية والواقعية، بشكل مشوه، يفتقد إلى الموضوعية والمصداقية والتجرد العلمي.
* كما أن بعض المسلمين يساهمون بشكل كبير في تشويه صورة الإسلام لدى الآخرين، وذلك من خلال جملة من السلوكات المنحرفة التي يرفضها الدين الإسلامي نفسه، مما يسئ إلى مكانة المسلمين قاطبة، التي تصبح مكمن تشكيك وارتياب وحذر.
هذه بعض الأسباب الجوهرية المسئولة عن الهجمة الشرسة التي يتعرض لها المسلمون في أوروبا باستمرار، وهي أكثر التصاقا بالسياق الأوروبي والغربي، ويمكن أن تضاف إليها بعض الأسباب العامة، كالحروب الصليبية، والاستعمار التقليدي، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والتدخل الأمريكي الغربي في بعض الدول الإسلامية، والهجمة العالمية على الإسلام باسم مكافحة الإرهاب، وغير ذلك.
وقد تُرجم ذلك العداء للإسلام والمسلمين من خلال مختلف المواقف الفعلية، التي مارستها الحركات المعادية، كالرسوم الدانمركية، والأشرطة الرقمية، ومنع الرموز الدينية، وحظر الحجاب في المؤسسات العمومية، وتنظيم المظاهرات والمؤتمرات، وغير ذلك كثير. وتتحدد أهم الممارسات العدائية التي تعرض إليها المسلمون الأوروبيون في الآونة الأخيرة، في ثلاث وقائع بارزة؛ أولها يتعلق بحظر بناء المآذن في سويسرا، عن طريق الاستفتاء الشعبي الذي أجري في 29 نوفمبر 2009، واليوم يسعى البرلمان السويسري إلى المصادقة على قانون حظر بناء المآذن. وثانيها يرتبط بمؤتمر أوروبي ل “مقاومة الأسلمة في أوروبا”، الذي نظم بالعاصمة الفرنسية باريس يوم 18 ديسمبر 2010، وقد شاركت فيه العديد من المنظمات اليمينية والشخصيات المعروفة على مستوى القارة الأوروبية بعدائها للإسلام، هذا بالإضافة إلى شتى الأنشطة والتظاهرات المعادية للإسلام والمسلمين، التي تنظم بين الفينة والأخرى في مختلف المدن والعواصم الغربية، أما الثالثة فتتحدد في إعلان قس في كنيسة أمريكية بمدينة فلوريدا، حرق نسخة من القرآن الكريم أمام الناس في الذكرى التاسعة لهجمات 11 سبتمبر 2001.

ظاهرة الانعزال باعتبارها تهديدا للتماسك الاجتماعي
يشيع في الأدبيات السياسية والإعلامية الغربية، أن الأجانب يميلون إلى الابتعاد عن الانخراط في المجتمعات الغربية التي يعيشون بين ظهرانيها، ومن ثم تشكيل “غيتوهات” منعزلة ومستقلة بذاتها، عادة ما توجد في هوامش المدن والعواصم الأوروبية الكبرى وضواحيها. بمعنى أن هذه الظاهرة الاجتماعية نابعة عن اختيار ذاتي محض، يختاره الكثير من الأجانب والمسلمين حفاظا على الهوية الدينية والثقافية التي يحملونها، وتفاديا لخطر الانصهار في الثقافة الغربية المهيمنة.
لكن، إلى أي حد يمكن اعتبار هذا التفسير صحيحا؟ وهل اختار الأجانب والمسلمون بالفعل الانعزال عن باقي شرائح المجتمعات الغربية في تجمعات صغيرة مستقلة؟
لعل هذا التفسير ينطبق أكثر على أجيال الهجرة الأولى، التي حكمت عليها مختلف الظروف الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، أن تظل بعيدة عن قلب المجتمع ووقائعه اليومية. أما فيما يتعلق بالأجيال الأخيرة، فالأمر يظل مختلفا، لاسيما وأنها اقتحمت معظم مجالات الحياة الغربية، وانتظمت في شتى الميادين عن طريق الدراسة والعمل والمجتمع المدني والمشاركة السياسية، وغير ذلك.
ومع ذلك، يمكن الحديث عن ظاهرة الانعزال عن المجتمع لدى الكثير من الفئات الاجتماعية المنحدرة من أصول أجنبية ومسلمة، وليست هذه الظاهرة صادرة عن القناعة الذاتية، كما كان سائدا في القديم لدى جيل الآباء، وإنما تنشأ، بالدرجة الأولى، من جراء الصورة النمطية السلبية التي يقدمها المجتمع الغربي حول الإسلام والمسلمين، سواء من خلال وسائل الإعلام والاتصال، أم من خلال الدعاية السياسية، أم من خلال المناهج الدراسية، أم غير ذلك. مما يؤثر سلبا على نفسية الأجيال الأخيرة من المسلمين، فيساهم بشكل عميق في إبعاد الكثير منهم عن الانخراط العفوي والإيجابي في الواقع، ويعتبر هذا، في الحقيقة، بمثابة رد فعل واقعي على تلك المواقف الغربية المعادية لما هو إسلامي.
ثم إن ظاهرة الانعزال هذه، لا تقتصر فقط على ذلك الابتعاد الجسدي والمادي عن المجتمع، واختيار تجمعات هامشية بديلة، كما كان يحصل مع الجيل الأول، وإنما تتعداه إلى الانعزال الاجتماعي، والاغتراب النفسي عن المجتمع، حيث يعيش المسلم بجسده في الغرب، غير أن ذهنه بعيد كل البعد عن ذلك الواقع، فيترتب عن ذلك نوع من الانفصام الشخصي لدى أعداد غفيرة من المسلمين الغربيين، مما يؤثر بشكل سلبي على وجودهم في الغرب، ليس على مستوى الأداء والمردودية والإسهام فحسب، وإنما على مستوى السلوك والمبادرة والمواطنة.
من هذا المنطلق، فإن أيما خلل يعتري عنصر المواطنة من شأنه أن يهدد التماسك الاجتماعي، وهذا ما يسري على المجتمعات الغربية التي أصبحت فريسة التفسخ الأسري والتحلل الاجتماعي والانحطاط الأخلاقي، مما يعني غياب التماسك الاجتماعي الطبيعي، الذي يتكون بواسطة العلاقات الإنسانية الطبيعية، التي تتم على أساس التبادل العادل للمصالح والأفكار والبضائع، لا على أساس التسلط الأيديولوجي والاحتكار الاقتصادي والهيمنة الثقافية، كما يجري في ظل النظام العالمي الجديد واقتصاد السوق والعولمة الثقافية. لقد تنبه صاحبا كتاب (فخ العولمة)، إلى أن ظاهرة العداء للأجانب صارت اليوم سلعة رائجة في الغرب، يقولان: “فموجة العداء للأجانب السائدة بين السكان الأوروبيين والأمريكيين أضحت ظاهرة جلية، تأخذها السياسة بعين الاعتبار منذ أمد طويل. فللحد من نزوح اللاجئين والمهاجرين لم تعد حقوق الإنسان تحظى بالاحترام، بل صارت تُقيد من خلال قوانين هجرة وأساليب ردع تتزايد قسوة وصرامة من يوم إلى آخر، في الولايات المتحدة الأمريكية وفي كل البلدان الأوروبية تقريبا”.(6)
هذا إن دل على شي ء، فإنه يدل على أن عنصر التماسك الاجتماعي الذي تراهن على تحقيقه الكثير من السياسات الأوروبية والغربية، عن طريق مختلف الآليات السياسية والتنظيمية والتعليمية، يظل محض ورقة إعلامية في مهب الصراعات الأيديولوجية، التي تشكلها حسب تغيرات الواقع وحاجيات الناس. وهذا لا يعني أن المجتمعات الغربية تفتقر إلى أي تماسك أو تلاحم، بقدر ما يشير إلى أن هذا التماسك المعيش أو ذلك التلاحم المشهود، ليس نابعا من عمق المجتمع، وليس ذا طابع اجتماعي، وإنما متولد عن النضج المؤسسي الذي حققته الكثير من الدول الغربية، الذي يؤهلها إلى توحيد وتنظيم المجتمع بسائر شرائحه وأنساقه بواسطة آلية القانون، التي تجعل الجميع سواسية أمام سلطانها العجيب.
غير أن التقلبات السياسية الراديكالية التي تخللت الواقع الغربي طوال العقدين الأخيرين (العقد الأخير من الألفية الماضية والعقد الأول من الألفية الراهنة)، بدأت تعصف في الآونة الأخيرة بالمكسب القانوني، الذي كافحت أوروبا والغرب من أجل إقراره زمنا طويلا، لا يعد بالسنوات والعقود وإنما بالأجيال والقرون. ويتخذ الإخلال بالقوانين في المجتمعات الغربية مظاهر متنوعة، حيث يظل المواطن من أصول أجنبية مواطنا من الدرجة الثانية، ولو أنه يحمل الجنسية الغربية، أو ولد في إحدى الدول الغربية، أو حقق نجاحات علمية أو عملية متميزة، ومرد ذلك ليس إلى النص القانوني في حد ذاته، وإنما إلى تطبيق مقتضياته، التي تخضع للتدخلات الشخصية والحسابات الأيديولوجية، والميول الثقافية والدينية، مما يجعل ظواهر كالعنصرية والتمييز العرقي وعداء الأجانب والكسينوفوبيا تطفو على سطح الواقع، فيرتج من جرائها صرح التماسك الاجتماعي، وتعجز القوانين عن إصلاح ما أفسدته المشاعر المعادية والسلوكات المنحرفة والمعاملات السيئة، كما تعجز المساحيق عن إصلاح ما أفسده الدهر!

آليات لمواجهة المد العنصري
في الحقيقة هناك الكثير من الطرائق والكيفيات، التي يمكن توظيفها قصد مواجهة ظاهرة المد العنصري ضد المسلمين في العديد من الدول الأوروبية والغربية، وهي لا تقتصر على جهة معينة دون أخرى، بقدر ما يتحتم على الجميع المساهمة فيها، من مثقفين وسياسيين وإعلاميين وباحثين ومواطنين، وغيرهم. وقد سبق لبعض الفاعلين المدنيين والتنظيمات الثقافية والحقوقية أن طرحوا مثل هذه القضايا المعادية للمسلمين والأجانب، وسعوا إلى الرد على بعض مواقفها، وتصحيح بعض مساراتها، غير أن أغلب تلك المحاولات كانت تبوء بالفشل، نتيجة جملة من الأسباب، كالتوظيف الأيديولوجي، ورداءة الأداء الإداري، وغياب التواصل الحقيقي، والاستغلال المادي، وغيرها.
ثم إنه في غضون التغيرات الدولية الجديدة المطبوعة بتصاعد الوعي الشعبي، صارت هذه الظواهر الاجتماعية المنمطة لما هو إسلامي، تعتري كل فئات المجتمع ومكوناته، سواء أكانت مسلمة أم غير مسلمة، سواء أكانت فقيرة أم غنية، سواء أكانت متعلمة أم غير متعلمة، لذلك أصبح الجميع مدعوا للمشاركة في مواجهة زحفها السريع، الذي يتهدد طمأنينة المجتمع وتماسكه.
وليس الغرض من طرح هذا الجانب، أن نسعى حثيثين وجاهدين إلى إيقاف ظاهرة العنصرية وما جاورها من الظواهر المعادية للإسلام والمسلمين في الغرب، فهذا من باب المستحيل الذي لا يمكن تحقيقه، وإنما الغرض هو الحد من بعض السلبيات والتأثيرات المضرة التي تحملها تلك الظواهر، والاستمرار في نقل الصورة الحقيقية للإسلام، وتصحيح التشويهات الإعلامية والأيديولوجية التي تعتريها من حين إلى آخر.
ويمكن في هذا الصدد وضع مجموعة من الآليات العملية، التي تقتضي جملة من الإمكانيات المادية والبشرية والإعلامية، التي ينبغي توظيفها لمكافحة ظواهر العنصرية وبغض الأجانب وتنميط الإسلام، وغيرها، ومن ثم حماية الشريحة المسلمة من الحملات المغرضة، التي تقض مضجعها، فتعيش حاضرها غير مستقرة، وترتقب مستقبلها بمزيد من الخوف والغموض.
وتتحدد أهم تلك الآليات فيما يأتي:
* المتابعة الإعلامية لما تنشره مختلف وسائل الإعلام الأوروبية والغربية، من مواد وتصريحات تنطوي على إساءات عنصرية للإسلام والمسلمين.
* المتابعة القانونية، وتنكب من جهة أولى، على النظر في القوانين الخاصة بالأقليات الأجنبية وقضاياها، سواء فيما يتعلق بتطبيق القوانين القديمة، أم بالقوانين الجديدة المستحدثة. وتقوم من جهة ثانية، بملاحقة حالات العنصرية من قبل محامين مسلمين وأجانب وغربيين متعاطفين.
* تقييم حالات الكراهية والعنصرية التي تستهدف المسلمين في ضوء القوانين الدولية والأوروبية، وتحميل الحكومات الأوروبية مسئولية الإجحاف الذي تعامل به مواطنيها المسلمين.
* القيام بحملات توعوية لدى مؤسسات المسلمين في الغرب. (الجمعيات، المساجد، المدارس، النوادي، الشركات…). والتعاون المتواصل مع المؤسسات غير الإسلامية التي لها نفس الأهداف والاهتمامات، كمنظمات حقوق الإنسان، ووسائل الإعلام المستقلة، وغيرها.
* الرد العلمي المدروس على حملات العداء والعنصرية التي يتعرض إليها المسلمون في مختلف الدول الأوروبية، قصد دحض الاتهامات الكاذبة التي تلصق بالإسلام والمسلمين.
* زرع الوعي اللازم بظاهرة العنصرية وعواقبها السلبية لدى المسلمين في أوروبا، وتحسيسها بالآليات والكيفيات الناجعة لمواجهتها بشكل عقلاني ومسئول.
* تشكيل جبهة موحدة من مثقفين أوروبيين، مسلمين وغير مسلمين، من مختلف الدول الأوروبية، تطرح آليات مواجهة حملات العنصرية والعداء التي تلحق بالمسلمين في أوروبا.
* إخطار مختلف الجهات الأوروبية الحكومية والتمثيلية والإعلامية، بالتأثير السلبي لهذه الظاهرة على المواطنين المسلمين، والضرر الاجتماعي والنفسي الذي تسببه لهم. مما يخلخل تماسك المجتمعات الأوروبية وتوحدها البنيوي، ويجعلها مهددة بالتشتت والانعزال والتفرقة العنصرية.

الهوامش:
1 ينظر إحصاء المعهد المركزي لأرشفة الإسلام في ألمانيا، عام 2007
2 المسلمون في أوروبا، يورغن نيلسن، ترجمة وليد شميط، دار الساقي، بيروت – لبنان، ط1/2005، ص 31
3 تنظر بعض التقارير الرسمية الأوروبية، مثل التقريرين: EUMC-verslag over ‘islamofobie' onwetenschappelijk, tendentieus, culpabiliserend, Philips Claeys. Muslims in the European Union, Discrimination and Islamophobia, EUMC 2006
4 الإسلام وأوروبا تعايش أم مجابهة؟ انجمار كارلسون، تر. سمير بوتاني، مكتبة الشروق الدولية – القاهرة، ط1/1424 – 2004، ص 120
5 المرجع نفسه، ص 28
6 فخ العولمة، الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية، هانس بيترمارتن وهارالد شومان، ترجمة د. عدنان عباس علي، عالم المعرفة 238، أكتوبر 1998، ص 337


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.