الشعرُ هُو عاطفة جياشة مَشحونة في كل كلمَة، وفي كل مقطع، ويمكن أن أذهب إلى حَد القول بأن الشعر هُو نوع من الشَّعوذة اللغويّة واللفظيَّة والجَمَالية والفنيَّة، هدفهَا سحر المتلقِي. بالطبع هُناك مدرسة شعرية نسائية وكان هذا الأمر بمَثابة إعطاء صَوت للمرأة التي هُمّشت وعَانت، المَرأة التي تعدّ مَعدن الانسانية و المَنبع الذي أعطى لنا الحياة جميعًا، لا يمكن لي أن أعمم في هَذا المَوضُوع، لكن انطلاقا من تجربتي الشخصيّة، إن بين العَوَامل التي أدت إلى بُروز الفيمينيزم الأدبي la literaturafiminista هو الدفاع عن حقوق الانسان، التي حُرمت منها المرأة مِن قبل، فقد كانت ضحية مُمَارسَاتٍ بترياركالية أبويّة عدة من بينهَا التمييز والاقصَاء والعنف النفسِي و الجنسي..إلخ، فكل هَذِه المشاكل الاجتماعية وهَذِه السلوكيات دفعت المَرأة منذ أواخر القرن التاسع عَشر إلى الثورة على النظم القديمَة والكلاسيكية، سواء كانت دينية،سياسية، ثقافية أو أدبية، لكن هذا لا يعني بأن المَرأة كما يسوق لذلك البعض، أقدس وأعلى درجة من الرجل، لا أحد أقدس من الأخر، لكل منهما دَوره في الحياة تحْتَ سَقف المُسَاواة. ليوبُولدو، مَاريا بانيرو، مِيكيل أيرانديس، أنَا روسيتي… إن استعمال وسائل الاتصال الحديثة بشكل حَكيم وعقلاني، يمكننا من إيصَال أفكارنا ومواقفنا إلى أبعد حَد، وأبعد شخص فِي الكون، وهذا الأمر يعد مكسبا وجبَ استغلاله، فقديما كان نشر الفكرة يتم عبر الورق والورق أو الكتاب يستهدف فردًا واحدًا، بينمَا تصل الرسالة في ظل تكنولوجية الاتصال الحَديثة إلى مجتمعات وأفراد ذوي جنسيات مختلفة، يقومُون بنشرها وإلصاقها على مواقع تواصلهم والتفاعل معها، إن الكلمة مهمَا تطور هذه التقنيات تظل عاملا فعالا أساسيا، يفرضُ سَطوته على الأزمنة والأمكنَة والشعر ما يزال سلاح مقاومة وسيظل على مر التاريخ. لا يكمن للشاعر أن يعيش إلا في بيئة الحُريّة، إلا إذا اختار لنفسه أن يموت ببطئ أو أن يكون عبدًا مَملوكا لا يقدر على شيء. في الحقيقة، هذا السؤال يتعلق بفكر الشاعر ونظرته إلى الحياة ومواقفه، فقيمته تنعكس على مَا يكتبه، لا أقل ولا أكثر، ولانخطئ إن قلنا بأن لكل شاعر فلسفته الأخلاقية والجَمَالية التي تكون إلى حَد مَا متعارضة مع أفكار شاعِر أخر، فهناك شعر اجتماعي كما هناك شعر سياسي وآخر عاطفي ويساري وقومي وثوري…فكل هذه الألوان الشعرية تندج في إطار الفن الشعري، ويمكن أن أقول بأن حال الشعراء كحال السّياسيين يختلفون ويسائلون الحياة بطريقتهم وإنطلاقا من أحاسيسهم ونظرتهم الخاصة. إذا أخذنا بعين الاعتبار بأن هناك كمًّا هائلا من الكتاب والشعراء الذين يكتبون الشعر، كما قال لي يومًا أحد الكتاب ساخرًا بأن الشعراء صَار عددهم أكثر من القراء، كما لو أن الشعراء يقأون لبعضهم البعض، يقرأون لأنفسهم ولغيرهم من الشعراء. النشر فِي إسبانيَا كما في الدول العربية و المَغاربيّة ليس هينًا، ولكنه ليس مستحيلا، غير أن الإشكال الكبير أن هناك الكثير من الموهوبين فِي ميدان الكتابة لم يسبق لهم أن تعاملوا مع دور النشر، ونجدهُم يكتفون فقط بالمشاركة في الأمَاسِي الشعرية والثقافية، وسبب هذا العزوف هو ندرة المقبلين على الدواوين الشعرية من جهة ومن جهة أخرى أن نشر الاصدارات الشعرية ليس مهنة مربحة، مقارنة مَع الأجناس الأدبية الأخرى مثل الرواية. أنا أقارن الشعر بالموسيقى الكلاسيكية، وأقارن الرّواية بموسيقى الروك، طبيعة السرد الروائي كما هو معروف تقوم على خلق المتعة والتسلية، وتمتلك من الأدوات والآليات من يجعلها تقحم أشخاصًا وأحداثًا متداخلة في بوتقة سردية واحدة، بينما الشعر هو تهذيب للغة ولعب بها وتجميلٌ لها عبر انتقاء كلمات وألفاظ بدقة متناهية لخلق الدهشة والمتعة وإثارة عاطفة المتلقي. فهو إبداع ليس في متناول الجميع بل وكثير ليست لهم دراية به، فعلى سبيل المثال إذا قلت لك بأن عينا حبيبي جميلتين فهذا الوصف سيبدو لك عاديا، أما إذا قلت لك بأن " قزحية عينيه تهتز فِي بوصلة الخلود" فقد يكون الأمر مختلفا تماما وقد حدث كثيرًا أن لا أحد صَدق هذا الكلام أحَد ( تضحك)… عبر أعبر عن ذاتي وعن ما يخالج قلبي ووجداني، إن استخدامي لصيغة المفرد والذات المتكلمة في أشعاري يعبر عن ما عايشته وما شعرت به..بعيدا عن اختلاق أحداث أو مواقف لم أشعر بها من قبل، أقول للشعَرَاء والكتاب بأن الكتابة هِي مسؤولية وعليهم أن يكتبوا ويكتبوا من أجل أن يُسعدُوا وأن يكونوا سعداء، وأن يجعلوا من الكتابة فعل حب. لأن ما يتم عبر الحب حتما سيصل إلى أبعد إنسان أينما كان، وأن يَجعلوا من الشعر شعار محبة وسلام لا شعَار كراهية وحرب. أنا بصدد توقيع عقد مع إحدى دور الطباعة والنشر في أمريكا اللاتينية ( الشيلي) وفي هذه السنة سيصدر لي ديوان شعري جديد بعنوان " عَضات " ولي مشروع أدبي أخر، سَيكون مفاجئة سأفرج عنها بعد النشر. وفي الأخير شكرا لك، ولكل من سَاهم في نشر هذا الحوار لأتحدث إلى جمهور المثقفين في الوطن العربي الذين أكن لهُم كل التَّقدير.