بالأمس اختفت طفلة ذات الثالثة عشر ربيعاً، قادت الشرطة الهولندية عملية بحث واسعة بكل أشكال البحث مع الفحص والتحري والتحقيق بكافة التفاصيل والملابسات ذات العلاقة ، مدعمة بقوات التدخل السريع ومشاة البحرية، والوحدة الأمنية المتنقلة وأعضاء من فرقة التشريح والتحقيق الشرعي وتم تمشيط الغابة وكل الاماكن المجاورة.. استعملت كل الوسائل.. طائرات ، مروحيات ، طائرات دون طيار، خيول الشرطة ، الكلاب المقتفية للاثر و..و..و لم يتوقف البحث الا بعد ان عثر عن الفتاة..حيث لم تمض الا أربع وعشرون ساعة حتى انتقل الخبر الحزين الى السعيد. وهنا تذكرت ما رواه لي عجوز ذات مساء وانا اتسوق في سوق المدينة ،كان جالسا بجانب دكان على صندوق خشبي متكأ بذقنه على عكازه ، متأملا الافق.. الله وحده يعلم بما كان يفكر فيه .. نظرات لفتت انتباهي، تتوقفت عنده … كانت هيئته كأنه نائم ولكن عندما اقتربت منه اكثر وجدته يدندن بأغنية صامتة كلها حزن وألم وأسى. "ضاع .. فضاع العمرُ، يا وجعي، وما اخضرّت بساتيني بعده…" السلام آجدِّي... قلتها بصوت خافت وباستحياء املا بان لا أعكر صفوه وخلوته . اهلا يابني ...أجابني ودون حتى أن يرفع عينيه ودون أن يتوقف عن الدندنة… بماذا تدندن ؟ سألته. أنادي على ابن ضاع .. فضاع العمرُ، يا وجعي، وما اخضرّت بساتيني بعده… سألته ثانية أ إبنك من ضاع ؟ قال ليس إبني..هي حكاية حكاها لي صديق فقد ابنه منذ ثلاثين عاما..وهو ما زال يبحث عنه ..ذهب لأداء الصلاة ، وحينما دخل المسجد تركه مع أخته الصغيرة، وحينما فرغ من الصلاة وعاد إليهما لم يجد الطفل مع أخته .. مضى على فقدان طفله ثلاثون عاماً ولم يجده حتى الآن. أجلس هنا كل يوم ارى وأسمع عن أطفال صغار يتوهون..ويختفون.. وعلى الجانب الآخر ارى اطفالا صغارا امام الإشارات في عز الحر والبرد يتسولون لا أب ولا عائل لهم.. اغتالتهم مخالب الفقر والتشرد، حرموا من أبسط حقوقهم في اللعب بل منهم من قذفتهم الأمواج لبئر الرذيلة..والسرقة والادمان. أتساءل هل من بين هؤلاء الضائعون…مختفون؟ هل يوجد أيضًا من بين هؤلاء الاطفال الضائعين طفل صديقي المختفي ؟! أسئلة لم أجد لها جوابا ..غادرت العجوز والمكان والاغنية إياها لم تبرح من إذني ولا بصري.."ضاع .. فضاع العمرُ، يا وجعي، وما اخضرّت بساتيني بعده…" في بلادي يختفي الاطفال في أكثر من مشهد في التيه في صحراء الليالي الموحشة ، فوق سكاكين السماسرة .. لا مأوى ولا ورد ولا هدايا العيد ولا افراحه . صرخة أم تعلو بعد اختفاء طفل ، دموع محبوسة فى عين أب لا يملك من الأمر شيئاً سوى ان يرفع يده للسماء داعياً.. فلا إبلاغ عن الاختفاء ولا بحث عن متغيب أو مختفي إلا بعد مرور 24 ساعة على الاختفاء..هو حال أسر بلادي .. وفي بلادي لا زلنا كذلك نتحدث عن خريطة واسعة للاختفاء القسري.. وبين الأمل واليأس، تتنوع أسئلة ذوي المختفين و دون إجابات.. يطول الزمن، يتفاقم الألم وتتزايد لهفة الدمعات على فلذات الكبد. متساءلين حول ما ان كانوا ماتوا أم ما زالوا أحياء..هل دفنوا جثتهم أم تركوها لعراء الوطن.. هل ماتوا من البرد أم من الالم أم من الحزن. يفتقدونهم.. يمر عيد ورائه عيد، وتمرّ المناسبة تليها المناسبة فيطرقون رؤوسهم متسائلين هل سيمر العيد بدونهم ، كحال كل عيد أم سيمنحونهم فرصة أخرى للحياة ؟.