قال عبدالحميد فاضيل، أستاذ باحث بالمدرسة الحسنية للأشغال العمومية، أن التخلص من النفايات في أوروبا يتم بمقابل مالي، بمعنى أن إيطاليا قد دفعت مقابلا ماليا لشركات الإسمنت المغربية، مقابل حرق النفايات في المغرب. ما الخلاصات التي كشفت عنها قضية النفايات الإيطالية من وجهة نظرك؟ في تقديري، طريقة المعالجة لم تكن سليمة. لقد كان هناك قصد مسبق لإخفاء المعلومة الحقيقة، مما جعل النقاش يخرج عن هدفه. لقد سبق لمصنِّعي الإسمنت أن استوردوا شحنات أخطر من الشحنات الأخيرة التي أثارت الجدل وسط الرأي العام، ومنها شحنات المطاط والبلاستيك لأنها تولد طاقة حرارية أكبر، ولكنها تخلف نفايات خطيرة. أما الشحنات الأخيرة القادمة من إيطاليا فهي نفايات ذات أصل منزلي تم فرزها وتنشيفها وتعقيمها، أي هي شحنة مكونة من كارتون وبلاستيك وبقايا الثوب وبقايا الخشب. ما لم يفهم هو أن أوروبا تلزم بأن لا توضع النفايات في المطارح العمومية إلا بعد التدوير (أي إعادة استخدام المخلفات لإنتاج مواد جديدة)، والمواد غير القابلة للتدوير هي التي توجه إلى المطارح، مما يتطلب كلفة مالية. لذلك تلجأ الشركات إلى تقليص حجم تلك النفايات غير القابلة للتدوير (الطن الواحد يقلص إلى 300 كيلوغرام) وحينها تكون أمام خيارين: إما حرقها مما يخلف مواد خطيرة، أو التخلص منها. لهذا تفضل أوروبا أن تتخلص من نفاياتها؟ ما لم يفهم لحد الآن هو أن التخلص من النفايات في أوروبا يتم بمقابل مالي، بمعنى أن إيطاليا هي التي يفترض أن تكون قد دفعت مقابلا ماليا لشركات الإسمنت المغربية وليس العكس. وعليه، فإن شركات الإسمنت قد تكون استفادت من مثل هذه العمليات ثلاث مرات: أولا أنها تحصل على مواد ينتج عن حرقها طاقة حرارية وكهربائية كبيرة، وبالتالي تقلص من كلفة الوقود الأحفوري (البترول، غاز،..). وثانيا أنهم يستوردون النفايات من أوروبا بمقابل مالي. وثالثا استعمال ذلك في الدعاية لما يسمونه نفايات خضراء. وبخصوص هذه النقطة الأخيرة، فنحن لا ننفي علميا وجود اقتصاد أخضر، لكن يجب أن يترافق ذلك مع وجود معدات تقنية عالية الكفاءة لدى مصنعي الإسمنت تمنع الأدخنة المتسربة بعد عملية الحرق، ولا يبدو أن شركات الإسمنت المغربية تتوفر على هذه التقنيات. ماذا عن الملوثين الآخرين غير مصنعي الإسمنت؟ علميا تُستعمل النفايات الصلبة من قبل ثلاثة أنواع من الشركات: في الدرجة الأولى شركات الإسمنت، تليها في الدرجة الثانية شركات إنتاج الطاقة الحرارية، ثم ثالثا شركات إنتاج الحديد والصلب. لكن في المغرب تستعمل النفايات الصلبة فقط، من قبل شركات الإسمنت، وهي نفس التجربة في فرنسا، لكن في ألمانيا تستعمل النفايات من قبل القطاعات الصناعية الثلاثة. لذلك فالحديث عن شركات الإسمنت لوحدها له ما يبرره. لماذا لا تستعمل هذه الشركات النفايات المغربية بدل الاستيراد؟ استعمال النفايات في توليد الطاقة يمر عبر سلسلة عمليات معقدة من الناحية التقنية، إذ يتطلب الأمر تجهيزات تقنية عالية الكفاءة غير متوفرة لحد الآن في المغرب. ولهذا تلجأ هذه الشركات إلى الاستيراد. هناك مشروع قيد الإنشاء في جهة بني ملال بين شركة "إسمنت الأطلس" ومستثمرين ألمان، ينجز في إطار برنامج للتعاون بين الطرفين، قد يؤدي في حال نجاحه إلى خلق هذه الصناعة بالمغرب، لكن لحد الآن لا نتوفر على هذه الصناعة التي نطمح إليها.