إذا كان التقويم الميلادي قد ارتبط بميلاد المسيح عيسى عليه السلام والتقويم الهجري قد ارتبط بهجرة الرسول محمد (ص) من مكة إلى يثرب (المدينةالمنورة)، فإن التقويم الأمازيغي لم يكن مرتبطا بأي حادث ديني أو تعبدي…بل كان مرتبطا بالطبيعة وبحدث تاريخي هام تمثل في انتصار الأمازيغ بزعامة قائدهم الأمازيغي شيشونغ على الفراعنة إبان فترة حكم رمسيس الثاني، وذلك قبل 950 سنة من ميلاد المسيح. فمعلوم أن الفراعنة الذين اتخذوا من مصر مركزا لحكمهم كانوا ينظمون هجمات متكررة على الشعوب المجاورة لهم شرقا وغربا وعلى بلاد الأمازيغ خاصة، لإخضاع هاته الشعوب واستعبادها والسيطرة على خيراتها ونهب ثرواتها، لكن في 950 قبل الميلاد تكتل الأمازيغ وراء شيشونغ وتصدوا للجيش الفرعوني في منطقة قرب تلمسانبالجزائر تدعى اليوم ببني سنوس، وهزموا هذا الجيش وتابعوا فلوله حتى ضفاف وادي النيل حيث دارت معارك طاحنة تمكن خلالها الأمازيغ من فرض السيطرة على جزء هام من مصر وأعلن شيشونغ الأول وقيل الثاني ميلاد السلالة الحاكمة 23، وأصبحت بلاد الأمازيع بعد هذا الانتصار تمتد من بحر المحيط غربا إلى نهر النيل شرقا ومن البحر المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبا. وتشير بعض الدراسات إلى أن القائد الأمازيغي شيشونغ وصل إلى الكرسي الفرعوني بشكل سلمي، عندما استعان به بعض وجهاء مصر لوضع حد للفوضى والاضطرابات التي عمت مُلك الفراعنة جراء تنامي سلطة الكهنة المعروفين بالعرافين الطيبيين، لكن جل الدراسات تجمع على أن شيشونغ تمكن فعلا من فرض سيطرته على مصر أو على جزء منها، ولا زالت العديد من أعمدة معبد الكرنك بمدينة الأقصر تحتوي على نقوش ورسوم توثق لهذا الانتصار الأمازيغي وتتحدث عن الأسرة الأمازيغية 22 وليس 23 التي حكمت مصر. لقد مثل الانتصار على الفراعنة حدثا تاريخيا هاما، فكان أول هجوم يقوم به الأمازيغ خارج بلادهم وكان كذلك أول انتصار لهم خارج بلادهم، فمعروف عن الأمازيغ أنهم لا يهاجمون الشعوب الأخرى بل يكتفون بالدفاع عن أراضيهم ويصدون كيد الغزاة الطامعين في ثرواتهم. بعد هذا الحدث دأب الأمازيغ على الاحتفال بذكراه كل سنة، وأصبحت سنة الانتصار السنة الأولى في تقويمهم، فبخلاف ما ذهبت إليه بعض الدراسات إلى أن الانتصار كان يوم 13 يناير حسب التقويم الشمسي الروماني، فإننا نعتقد أن اختيار الأمازيغ ليوم 13 يناير كرأس السنة في تقويمهم الجديد مرتبط بالطبيعة، فاستنادا على التجارب التي تراكمت عند الأمازيغ وغيرهم من الشعوب نتاج تعاملهم مع الطبيعة ومحاولة منهم لفهم تحولاتها، فإن هذا اليوم (أي 13 يناير) كان في نظرهم يفصل بين فترتين مناخيتين، فترة البرد القارس وفترة الاعتدال، وفيه تتغير أطوار الحياة لدى معظم النباتات، ويعتبر البداية الحقيقية لإنجاز الأعمال الفلاحية والزراعية، كما يتم خلاله تحديد مواقع النجوم وتحديد حركات الأجرام. على امتداد التاريخ وعبر مختلف ربوع ثامزغا ظل الأمازيغ يحتفلون بحلول السنة الأمازيغية الجديدة ويعتبرون رأس كل سنة جديدة يوما متميزا في حياتهم فهو يمثل نهاية مرحلة والشروع في مرحلة جديدة يأملون أن تكون أفضل من سابقتها. وترمز الاحتفالات إلى علاقة الإنسان بباقي مكونات الطبيعة وتؤكد على ارتباط الأمازيغ بالأرض وعلى فهمهم الخاص للحياة، ويتجلى ذلك من خلال الأنشطة التي ينظمونها خلال رأس السنة والتي يرتبط أغلبها بالفلاحة من زراعة وغرس للأشجار وتربية للماشية واعتناء بالنباتات… ولا بد أن نشير إلى أن اعتناق معظم الأمازيغ للدين الإسلامي كان وراء التغيير الذي طرأ على عدد من السلوكات التي كانت تمارس من قبل، لتصبح منسجمة مع تعاليم الدين الإسلامي، فالملاحظ أن عددا من الاحتفالات التي كانت تقام بمناسبة رأس السنة غالبا ما تختتم بقراءة الفاتحة والتضرع إلى الله ليمن على الناس بالخير والرزق والبركة… وتداخل الثقافي والديني لم يقتصر على الاحتفال بالسنة الأمازيغية بل امتد إلى غيره من الأعياد الفلاحية (رعنصاث مثلا) والأعياد الدينية (عاشورء وعيد الأضحى ومولد الرسول (ص)). لا زالت العديد من الأسر تحتفل برأس السنة الأمازيغية/الفلاحية، وإن كانت أغلب الأنشطة في وقتنا الراهن تنظم من قبل الهيئات المدنية التي تهتم بثقافة الأمازيغ وتاريخهم، فنجد هذه الهيئات تنظم العديد من الأنشطة الثقافية والفكرية والترفيهية والاحتجاجية وإصدار البيانات والتقارير والتأكيد على مطالب الأمازيغ المتمثلة أساسا في الاعتراف الدستوري باللغة الأمازيغية والاهتمام بثقافة الأمازيغ وتنميتها… وبجعل الفاتح من كل سنة أمازيغية يوم عطلة كما هو الشأن بالنسبة للفاتح من السنة الميلادية والفاتح من السنة الهجرية، لكن هذا المطلب لم يحظى إلى حد الآن بالقبول ولا زالت الدولة مصرة على عدم الاعتراف به ولا تعطي له أية أهمية تذكر، وهنا أشير إلى أن جمعية ذاكرة الريف طالبت مرارا من الأكاديمة التربوية لجهة تازةالحسيمة تاونات أن تجعل من يوم 13 يناير يوم عطلة ضمن أيام العطل الأربعة التي تترك للأكاديميات الجهوية صلاحية توزيعها، لكن طلبها لم يحظى بالقبول لحد الآن… الشهر الأول في السنة الأمازيغية يسمى “ين أويور”، وهي كلمة مركبة من ” ين” أي واحد و “يور” أي الشهر، أما اليوم الأول فيسمى”ءيخف ن أسكاس” أي رأس السنة، وأما ليلة السنة الجديدة فتسمى”ءيض ن أسكاس” وهي كلمة مركبة من “ءيض” وتعني الليلة وأسكاس وتعني السنة، ويطلق عليها كذلك “أذاف أسكاس” أي دخول السنة الجديدة أو “ءيض ن نير” أي ليلة يناير أو أمغار أو الحاكوز أو حكوزة( العجوزة و يقصد بها الليلة الأخيرة من السنة المنصرمة). فكيف يحتفل الأمازيغ برأس السنة الأمازيغية؟ ماذا يفعلون وماذا يأكلون وماذا يشربون؟ وما هي الطقوس المرافقة لهذا الاحتفال؟ يشترك الأمازيغ عند الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة في طبخ وجبات أكل متميزة وفي الإكثار من استعمال الحليب واللبن لكي تكون سنتهم الجديدة صافية كالحليب وفي تناول أنواع مختلفة من الفواكه الجافة والبقوليات والقطاني، ولكن هناك طقوس وعادات متابينة من بلد لبلد ومن منطقة لأخرى داخل نفس البلد. ففي منطقة الطوارق يحرص الناس على عدم الإفراط في الأكل عند قدوم السنة الجديدة ويتجنبون الطبخ خلال رأس السنة ويكتفون بتناول أطباق تقليدية تم إعدادها في اليوم السابق، كما ينظمون رقصات على أنغام محلية… أما في تونس فإن الناس يركزون على غرس أشجار الزيتون ويتناولون الكسكس المروي بالحليب ويتجنبون تناول اللحوم ويتجنبون غسل أواني المطبخ… وفي الجزائر تتم إقامة حفلات ومعارض تبرز تراث الأمازيغ وتحضير أطباق وأكلات خاصة (الكسكس والرغايف…) ويأكل الناس حتى يشبعون، وتعمد النساء إلى رمي الأعشاب الخضراء فوق سطوح المنازل وتوفير الأكل للحشرات لكي تتجنب أكل الزرع، كما تمتنع العائلات الأمازيغية بالجزائر عن الحياكة، ويكون رأس السنة مناسبة لتبادل الزيارات العائلية وإنهاء الخصومات وإقامة الصلح ومناسبة كذلك للتضامن الاجتماعي عبر تجميع الصدقات وتوزيعها على المحتاجين، وقد يستمر الاحتفال مدة 7 أيام… في الأطلسين الصغير والكبير بتبادل السكان خلال هذا اليوم التهاني والتحيات، وغالبا ما يكون الاحتفال مشتركا بين الأقارب والجيران الذين يمارسون بشكل جماعي فقرات من الرقص والغناء، وتطبخ النساء شربة “ؤركيمن” التي يستعمل فيها جميع أنواع الحبوب والقطاني التي أنتجتها الأرض خلال تلك السنة، ويحرصن على الانتهاء من طهيها قبل غروب الشمس، وذلك قصد توزيع جزء منها على أطفال القرية أو الحي، هؤلاء الذين يطوفون على البيوت مرددين بصوت واحد ( ؤوركيمن، ؤوركيمن، ؤوركيمن…)، وتعتبر هذه الشربة من الوجبات الضرورية التي يجب على كل أسرة أن تتناولها في ليلة رأس السنة مع ترك الاختيار طبعا في أن تضاف إليها وجبات أخرى حسب إمكانيات كل أسرة… ومن الراجح جدا أن هذه الشربة هي التي تطورت لتصبح شربة – الحريرة- التي يكثر المغاربة في شربها حاليا خاصة خلال شهر رمضان، كما يستهلك السكان بهذه المناسبة كميات كبيرة من اللحوم خاصة لحوم الدواجن التي تذبح عند عتبات المنازل لصد جميع أنواع الشرور التي قد تصيب الإنسان، كما يتم إعداد طعام الكسكس من دقيق الشعير ومن جميع أنواع الحبوب والخضر المعروفة في منطقة الأطلس، كما توضع فوق الموائد أطباق تقليدية ” إينوذا” مليئة بالفواكه الجافة من لوز وجوز وتين وزبيب… وتعمل النساء على تنظيف البيوت وتزيينها، ويضع الرجال قصبا طويلا وسط الحقول حتى تكون الغلة جيدة وتنمو بسرعة، فيما الأطفال يقومون بقطف الأزهار والورود ووضعها عند مداخل المنازل وبتغطية أرضية حظائر الحيوانات الداجنة بالأعشاب الطرية. ويرتدي الجميع ملابس جديدة، وتحلق رؤوس الصغار وتعهد ضفيرتهم. في قبائل دادس وإيمغران وتدغت وأيت عطا على سبيل المثال، تقوم النساء يإعداد طبق كسكس يسقى من مرق مكون من اللحم وسبع خضر أو أكثر، يضعن فيه نوى تمر واحد، يعتقدن أن من يجد هذه النوى أثناء الأكل سيكون سعيدا ويعتبر المحظوظ والمبارك فيه خلال السنة. ومن الأقوال المأثورة أيضا عند سكان هذه القبائل أن من لم يشبع من الطعام في ليلة رأس السنة فإن الجوع سيطارده طيلة تلك السنة. ومن جملة هذه المعتقدات كذلك أنه إذا أمطرت السماء في تلك الليلة أو في اليوم الأول من السنة الجديدة، فإن الأمطار ستنزل بغزارة خلال هذه السنة وسيكون الموسم الفلاحي جيدا وتكون المحاصيل الزراعية مهمة. أما في منطقة حاحا فإن النساء يقمن خلال ليلة رأس السنة بوضع ثلاث لقمات قبل النوم في سطوح المنازل، ورقم ثلاثة يرمز إلى الشهور الثلاثة الأولى من السنة: يناير، فبراير و مارس، واستدرارا للمطر يرشن من بعيد المكان الذي وضعت فيه اللقمات بشيء من الملح، وفي الغد يقمن بتفحص هذه اللقمات، ويعتقدن أن اللقمة التي سقط عليها الملح تحدد الشهر الذي سيكون ممطرا. أما ساكنة المغرب الشرقي فتولي أهمية بالغة لحلول السنة الأمازيغية الجديدة، إذ يتم الاحتفال برأس السنة بشكل كبير على غرار باقي الأعياد الدينية ويتم خلالها تبادل الزيارات والتباريك والتهاني بين أفراد العائلة التي يتجمع أغلبها في جو احتفالي يبدأ الإعداد له بأسبوع تقريبا، وتعج أسواق المنطقة بمختلف الفواكه الجافة كالجوز واللوز والزبيب والفول السوداني (كاوكاو – قاويت)… التي يتم خلطها داخل نفس الكيس، إضافة إلى حلويات من مختلف الأنواع (ويشتهر منها النوع المعروف بالكعك) وتباع بأثمنة مناسبة. ويتم إعداد وجبة عشاء: “بركوكش” الذي يفتل ويصنع يدويا من دقيق الشعير وأحيانا من القمح ( أبرابر – أفرفور) وتخلط معه القطاني والحلبة والطماطم والقزبور واللحم الذي يكون في الغالب دجاجا. وتقدم طيلة اليوم الفواكه الجافة للضيوف مع الشاي، وفي بعض المناطق يتم ترك حصة من العشاء في الهواء الطلق تحت القمر تبركا بالموسم الجديد. إضافة إلى ما سبق، فإن سكان منطقة فكيك يحضرون ما يسمونه “الكليلة” وهو لبن يتم تجفيفه محليا في مواسم وفرة الحليب، إذ يحول إلى حبوب تشبه الحصى، وخلال احتفالات رأس السنة يصبون الماء على هاته الحبوب ويصنعون منها لبن الكليلة الذي يوزع على الضيوف وأفراد العائلة، وغالبا ما يوزع إلى جانبه اللبن الطري إذا توفرت عليه العائلة يوم رأس السنة. في منطقة جبالة وبالضبط بقبيلة بني زروال يبتدئ الاستعداد لرأس السنة الفلاحية التي يطلق عليها بالحوز (بتشديد الواو) بيومين قبل حلولها، حيث يقوم الصبية بالتجول في حومات المدشر بغية جمع الهبات والعطايا العينية والنقدية فيقصدون كل المنازل على التوالي ويقفون بشكل جماعي عند باب الدار وهم يرددون نداءات إيقاعية موزونة يستحثون عبرها أهل تلك الدار أن يجودوا بهدية (زبيب – تين جاف – فواكه – زيت – نقود…)، ومن بين تلك الشعارات / النداءات يمكننا أن نذكر: أهيا دراري لا تخافوش *** أنا معاكم قد باباكم وهذا الشعار الاستهلالي يهدف ضمنيا إلى تشجيع الأطفال على الانضمام للموكب، الذي ما أن يلتئم فيه العدد الكافي من الصبية حتى يرفعوا أصواتهم امتداحا لأهل البيت الذي يجدون أنفسهم أمامه: باش تعيد هاد الدار *** بالحولي لشقر وقوالب السكر وحين يعلمون بوجود رب البيت بمنزله فإنهم ينادون باسمه صياحا لإيقاض نخوته بشعار مثل: عمي حميدو رجل مزيان *** ما يرضاشي يردنا بلاشي أو عمي اعليلو ما يرضاشي *** يردنا بلاشي واهيا لولاد وعند الوصول لبيت معروف بكرم أهله وسخائهم فإنهم يرددون: مالين الغرفة *** يعمروا القفة *** حتى للشفة والمقصود بالغرفة جرة المؤونة الممتلئة بالمحاصيل الفلاحية. لكن إذا وقفت جموع هؤلاء الصبيان – الذين يتهيأون لاحتفال الحوز – أمام منزل ولم يلب أهله النداء فإن رد فعل الأطفال المتطلعين إليه سوف يكون عبارة عن شعارات قدحية ساخرة تحط من قيمة سكان ذلك المنزل، فتسمعهم يصيحون: باش تعيد هاد الدار *** بلكراع د لكيضار أو بشعار أقل حدة: النجم طاح طاح ** والحال صباح **وعيني حوالو ** وعلى والو. يوم الحوز، تظهر على الشيوخ والكبار عموما ملامح الفرحة، فيتبادلون التهاني في اجتماعات حميمية بالقرية، كما تقوم ربات البيوت بإعداد مختلف الأطعمة وأساسا طبق الحمص والشعير والفول المعروف في العديد من المناطق المغربية. كما يعطى للأطفال البيض المسلوق والسفنج المحشو بالسردين و”بشاق عينو” وهو حمص يبخر ويقلى بعد ذلك. وفي الليلة، ليلة الاحتفال بالسنة الفلاحية الجديدة، يجتمع الكل حول المائدة لتناول عشاء السنة، عشاء قوامه ديك أو دجاجة ذبحت في العشية.في الليل، بعد أن يكون الأطفال قد جمعوا عدة حزم من نبات بري يابس، يقوم كل طفل بحمل حزمة في يده ويوقدها على شكل مشعل ثم يطوف جميع الأطفال بالقرية جريا وهم يلهون ويمرحون. وهذا التقليد مازال على سبيل المثال بدوار مقبل ببني مجرو. وبالريف وتحديدا بقبيلة إبقوين فيخصص يومين للاحتفال بقدوم السنة الجديدة: ففي اليوم الأول الذي يصطلحون عليه بالريفية: ب “أس نثشاريت إينوذا” (أي يوم ملء الأطباق الكلاسيكية المصنوعة بالحلفاء، وإينوذا جمع أندو أو ثندوت) حيث تملأ هذه الأخيرة بجميع أنواع الفواكه الجافة التي يملكونها أو التي يعمدون إلى شرائها قبل يوم الاحتفال( اللوز– ثيموياز– التين اليابس – الزبيب- الحمص، الفول…) وتقوم النساء بصنع كميات كبيرة من الفطائر ( المسمن و البغرير)، ويتوزع صبيان القرية إلى مجموعات، ويطوفون على بيوت الدوار مرددين عبارة: يانوب– يانوب… فتعمد النساء إلى إعطاء كل مجموعة نصيبها من الفواكه الجافة والفطائر، وقد يقفون أمام منزل يأوي عروسين حديث الزواج، فيرددون العبارات التالية: يانوب، يانوب *** أثسريث أنع انجذيذ أوشانا شواي نتريذ *** نيغ أم نعرض ذ كوبريذ. ومعناها بالعربية: يانوب يانوب، يا عروستنا الجديدة، أعطينا شيء من الفطائر، وإلا فسنعترض طريقك. وعندما ينتهي الصبية من الطواف على المنازل، يجتمعون فيما بينهم في المساء، حيث يقومون بتوزيع ما جمعوه فيما بينهم. وفي اليوم الثاني: تقوم النساء بإعداد وجبة عشاء مميزة، غالبا ما تكون عبارة عن دجاج بلدي… وفي قبائل أيث ورياغل – أيث تمسمان – أيث وليشك – أيث توزين – إقرعيين – أيث سعيد… فإن عادات الاحتفال تكاد تتشابه فيما بينها، إذ يتم توفير بعض الفواكه الجافة وخاصة التين والزبيب وإعداد وجبات من الحبوب والقطاني مثل: ثيغواوين أو تيموياز التي يتم إعدادها بتحميص القمح أو الشعير ووجبة إمشياخ التي تجمع بين القطاني كالعدس والفول والجلبان والحبوب وخاصة الذرة والقمح إضافة إلى الثوم، كما يتم إعداد وجبة البقول إغديون أو إوذب حسب إقرعيين وذلك من النباتات التي تكون موجودة في فترة الاحتفال. أما في وجبة العشاء التي تعتبر أساسية فيتم إعداد عدد كبير من الرغايف أو ثاغيفين أو رمسمن وكمية مهمة من التريد وهو نوع من الرغائف الرقيقة والدائرية والتي يتم طهيها على الترادة التي تكون عبارة عن قدر / أقتوش ( تشبه في طهيها طريقة إعداد ما يسمى بالورقة الخاصة بالحلويات)، كما يتم ذبح ديك بلدي وطبخه في المرق الكثير دون فواكه، ويتم تقطيع مختلف الرغائف التي تم إعدادها في حصن أو قصعة كبيرة لإعداد أبون أو أرفيس ويصب عليها الدجاج المطبوخ بمرقه ولحمه. وإلى هذه الوجبات تضاف في بعض المناطق كتمسمان وأيث توزين، بعض الفواكه الطرية الموجودة والبيض المسلوق الذي يوضع فوق الرفيس. أما في قبيلة أيث ورياغل فيمكن ذبح أكثر من ديك إذا كانت العائلة ميسورة ويوضع إلى جانب المأكولات السابقة الذكر اللبن وخاصة لبن الماعز الذي يكون في هذه الفترة من السنة بخلاف حليب الأبقار الذي لا يتوفر بكثرة عند حلول السنة الأمازيغية. وتشترك جل القبائل الريفية في خاصية أساسية هي الاستبراك بموسم فلاحي جيد والتضرع إلى الله ليبارك زرعهم وضرعهم ويزيد فيه. وهناك طقوس خاصة بهذا الاستبراك، ففي أيث ورياغل مثلا، يعمد السكان بعد الانتهاء من أكل وجبة العشاء إلى ترك ما يقابل حصة فرد واحد من الأكلة لتوزع على جميع زوايا البيت، كتعبير عن اقتسام ما تجود به الأرض مع كائنات خفية أو قوى مباركة. أما في أيث وليشك فيذهب كل فلاح مالك لبقرة إلى الفقيه أو الطلبة في الجامع ليكتبوا له تميمة على غصن صغير من شجرة ذكر التين ( الدوكا ) بهدف حماية حليب هذه البقرة من القرصنة، لأنه يسود لدى الفلاحين اعتقاد مفاده أن الحليب يمكن أن يقرصن من بقرة إلى أخرى. وأخيرا فإن هذا الموضوع الغني، بحاجة إلى تغذيته بالأبحاث التاريخية والأنتربولوجية الجادة لتفسير هذه الظواهر المرتبطة ببلدان شمال أفريقيا، وتعميق البحث في الجانب الثقافي والوعي الجماعي وتاريخ الذهنيات، وخاصة بالريف. وكل سنة والأمازيغ بألف خير. asgwas amaynu amazigh n 2961 damgaz davhudan d ifulk