مرّت الذكرى السنوية ال25 للانتفاضة التاريخية للساكنة الأصلية لمدينة مليلية وسط صمت مطبق لفّعها وجعلها غائبة عن ألسنة التداول.. إذ رغما عن اكتمال ربع قرن، بحلول يوم أوّل أمس الثلاثاء، عن هذا الموعد المصيري الذي أثّر بشكل كبير في البنية الديموغرافية والاجتماعية والسياسية بالمدينة، إلاّ أنّ هذه المناسبة لم تواكب بما يليق وثقلها لدى الساكنة الأصلية الأمازيغية المغربية المستقرّة بالثغر الرازح إلى اليوم تحت التواجد الإسباني.. إذ اكتفت بعض الصحف المحلّية المليلية بنشر قصاصات جدّ مقزّمة عن “ثورة 23 نونبر 1985″ مُراعية الظرفية الاجتماعية الحالية لذات الشريحة السُّكانية الأصلية التي ترى بأنّ دواعي قيام “تورة الماضي” لا زالت في جوهرها صالحة لقيام “ثورة جديدة“. انتفاضة الساكنة الأصلية لمليلية كانت قد جاءت، قبل ربع قرن من الآن، بخروج آلاف الأفراد إلى الشارع احتجاجا على “قانون الأجانب” الذي كان يروم زيادة الحصار المفروض أصلا على حقوق “أبناء مليلية”، وهو ذات الخروج الذي أشرف على بقيادته وتأطيره عدد من كبار هذه الشريحة المُهمّشة بناء على معايير ميز عرقية وأخرى إثنية.. منهم سِيدي إدريس عبد القادر، رئيس جمعية مسلمي مليلية آنذاك.. ومَارْتِينْ بِيرِيزْ الشاغل إبّانها لمنصب الكاتب العام لرابطة حقوق الإنسان بإسبانيا، إضافة لمحمّد عمرو الفونتي، المعروف بعمرو دُودُوح، وهو الذي سبق وأن شغل منصبا ساميا بوزارة الدّاخلية الإسبانية خلال ذات سنوات الثمانينيات قبل أن يُحارب ويُضطرّ للتواجد إلى حدود اليوم ضمن سلك الولاة الملحقين بوزارة الدّاخلية المغربية. أرقام المشاركين ضمن انتفاضة الساكنة الأصلية لمدينة مليلية لفّها الغموض دون التمكّن من التأثير على أهمّيتها، إذ في الوقت الذي تصرّح تقارير المصالح الأمنية والحكومية الإسبانية بأرقام متراوحة بين ال4 آلاف وال6 آلاف محتجّ، قال المنظّمون بأنّ عدد الغاضبين الذين قصدوا الشارع ضمن “الاحتجاجات على قانون الأجانب” قد جاوز ال20 ألف، هذا في الوقت الذي سبق وأن نشرت منابر إعلامية موادّا عن ذات الأحداث بأرقام مُقدّرة لعدد المحتجّين ما بين ال7 ألاف و ال12 ألف مليلي أصلي، كما أورد ضمن ذات التغطيات بأنّ المحتجين استاؤوا من أداء الحكومة الإسبانية الذي يستهدفهم جورا ب “قانون الأجانب” الذي يجعلهم مُستثنين من الجنسية الإسبانية رغما عن كونهم مزدادين بمليلية ومتأصّلين منها. فورة غضب الساكنة الأصلية المليلية إبّان منتصف ثمانينيات القرن الماضي اكتسبت طابعا سلميا حضاريا فاجأ كافة الفرقاء السياسيين كما فاجأ متبنّي المقاربات الأمنية الذين حاولوا استخلاص قرار باللجوء إلى العنف المُفرط، إذ تابع الكلّ ما لجئ إلىه من تنظيم لمسيرة حاشدة غُيبت عنها صور العنف، وشاركت فيها مختلف الشرائح العمرية، وانطلقت من ساحة القائد بِينِتِيثْ.. بحلول الساعة الرابعة والربع من بعد الزوال.. قاصدة الشارع الحامل لاسم خْوَانْ كَارْلُوسْ الأوَل.. حيث رُدّدت شعارات أقواها: “نحن المليليون الأصيلون” و”قانون الأجانب لا يعنينا.. نحن أصحاب الأرض”.. كما طولب شعبيا بأن يقدّم المندوب المحلّي للحكومة المركزية لاستقالته بدعوى فقده لدعم أغلبية الساكنة، ونودي أيضا بوجوب تدخّل ملك إسبانيا من أجل الإسهام في إيقاف الاستهداف المُفعّل ضدّا على حقوق الساكنة الأصلية لمدينة مليلية.. ما أفضى بعدها إلى خلق جدال سياسية أفضى في النهاية إلى إيقاف المساعي التي رامت التنكيل بمصالح الساكنة الأصلية عبر تطبيق القانون المثير للجدل. السكان الأصليون للثغر المليلي غفلوا بدورها عن استحضار الذكرى ال25 لموعد جمع عزائمهم من أجل تحقيق مناهضة جماعية لقانون رام تحويلهم إلى أجانب وهم بقلب أرض الأجداد.. إذ انشغل الجميع، أكثر من أي وقت مضى، بالبحث عن كافة صيغ الحلول الفردية والجماعية الكفيلة بتحسين المستوى الاجتماعي الذي يَحيَوْنه هذه الأيّام بأحيائهم الهامشية التي لا زالت مُحتضنة لما تبقى من الخسائر النّاجمة عن الانتفاضة العنيفة التي فعّلت من لدن ذات السكّان الأصليون قُبَيل أسابيع قليلة ماضية، وبالضبط بمناطق متعدّدة ك”لاَكَانْيَادَا” و “المُونْتِي” و “كَامَايُّو”، ضدّا على سياسة الميز التي اتّهِمت مندوبية الحكومة المركزية بشنّها في حقّ ذات الشريحة أثناء عمدها لمعالجة المعطيات الإدارية الخاصة بالمبادرات الرامية لتوفير مناصب شغل مؤقّتة للعاطلين عن العمل بالمدينة.. إذ شهدت “الاحتجاجات الحديثة” استحضارا من نوع خاص لذكريات “احتجاجات الماضي” خصوصا بعدما رفعت الأغلبية الغاضبة من نفس الساكنة الأصلية الأمازيغية المغربية لمدينة مليلية شعارات مشابهة لتلك التي رفعت قبل 25 سنة بذات الحاضِرة.. أبرزها: “نحن المليليون الأصليون” و”لماذا الميز ونحن أصحاب الأرض؟”، في حين طُالب “المنتفضون الجُدد” باستقالة المندوب المحلّي لحكومة مدريد، غْرِيغُورْيُو إيسْكُوبَار، إذا مَا عجز عن تصحيح الأوضاع الموصوفة ب “النشاز