سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سعيد الصديقي، مستشار لدى مركز الدراسات الدولية بالرباط، ل"التجديد" المغرب أمامه تحدي أخطر هو تحييد الاتحاد الأوربي ونزع الطابع الغربي لاسترجاع سبتة ومليلية
يؤكد الدكتور سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة فاس، أن المغرب بحاجة ملحة إلى إستراتيجية بعيدة المدى لاسترجاع مدينتي سبتة ومليلية والجرز المحتلة، منتقدا ما وصفه ب"دبلوماسية الانفعال" التي تحكم ردود فعل صانع القرار تجاه مبادرات الإسبان. واعتبر أن ما حدث أخيرا مجرد سحابة ردود فعل عابرة. مؤكدا أن إسبانيا منذ الثمانينات نهجت سياسة فرض وإدامة الأمر الواقع عبر الديمغرافيا، وفرض الطابع الأوربي للمدينتين، وبناء سياجات يموّلها الاتحاد الأوربي أصبحت اليوم بمثابة حدود له. وقال الصديقي إن المغرب أثار وضعية المدينتين دائما في الأممالمتحدة، ولدى الاتحاد الأوربي، لكن سياسته لم تثمر أية نتيجة. مستبعدا أن ينعكس حصوله على "الوضع المتقدم" على مطالبه. وقال إن المغرب أمامه هو تحييد الاتحاد الأوربي كطرف، والقيام بإستراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى نزع "الطابع الأوربي" على المدينتين. وفيما يلي نص الحوار: ثمة قناعة تؤكد أن الخمسين سنة الماضية تقاعس المغرب عن إطلاق مبادرات للمطالبة باسترجاع سبتة ومليلية والجزر المحتلة، في مقابل تقدم إسباني استطاع تأسيس واقع مادي عبر منح الحكم الذاتي للمدينتين، وإدراجهما ضمن سياسات الاتحاد الأوربي الخاصة بالهجرة، وضمن سياسات الناتو كذلك، إلى أي حدّ يعتبر ذلك صحيحا؟ نظرا للأبعاد المركبة لقضية سبتة ومليلية وباقي الجزر المغربية التي لا تزال تحتلها إسبانيا، والتأثير المباشر والكبير لأي خطوة سياسية أو دبلوماسية غير محسوبة على بعض المصالح والقضايا الأخرى على رأسها قضية الصحراء، فإن المغرب يتعامل مع هذه الثغور المغربية المحتلة بحذر شديد ويحاول أن يجعل مدى تأثيرها محدودا ما أمكن في العلاقات المغربية-الاسبانية وتحييد باقي الأطراف وعلى رأسها الاتحاد الأوربي. لذلك فالحكم على أي سياسة أو سلوك دبلوماسي مرحلي لا بد أن يقيم في سياقه الزمني، خاصة وأن الدبلوماسية المغربية لا تزال تتسم بردود الفعل على التصرفات الاسبانية المستفزة، ولم تنتقل بعد إلى مرحلة الفعل والمبادرة الجدية. إذن كيف تقرأ الأحداث الأخيرة بين المغرب وإسبانيا على إثر ما وقع في مليلية؟ يبدو أن توتر العلاقات المغربية الاسبانية خلال الأسابيع الماضية هو مجرد صحابة صيف عابرة. هذه الأحداث ليست جزءا من إستراتيجية حقيقية لإثارة قضية سبتة ومليلية بشكل جدي، بل هي رد فعل على بعض السلوكات الإسبانية لاسيما ما يتعلق بتحليق مروحية بشكل مستفز في شمال المغرب، وهذا ما تناقلته الكثير من وسائل الإعلام التي أشار بعضها إلى أن هذا الحدث تم تداوله بين المسؤولين المغاربة والإسبان، باعتباره سببا أساسيا للتوتر الراهن للعلاقات بين البلدين. يجب أن نستحضر هنا ردود فعل سابقة من جانب المغرب ضد زيارة ملك إسبانيا للمدينين السليبين. هاتان الزيارتان كادتا أن تعصفا بالعلاقات بين البلدين، وقبل ذلك حادثة جزيرة المعدنوس أو ما يسمى بجزيرة ليلى أضف إلى ذلك زيارات أعضاء الحكومة الاسبانية للمدينين، حيث يرد المغرب عادة بالتنديد والاحتجاج، وقد يصل الأمر إلى استدعاء السفير المغربي، لكن ذلك لا يصل إلى حد الأزمة المستعصية، وهذا ما يجعلنا نعتبر الردود المغربية وتوتر العلاقات حوادث عرضية، لا يمتد تأثيرها إلى المستقبل، فلا تلبث العلاقة بين البلدين أن تعود إلى سالف عهدها. إن ما يحتاجه المغرب اليوم وبشكل ملح هو سياسة الفعل والمبادرة ووضع استراتيجة شاملة بالمدينين، وليس مجرد دبلوماسية الانفعال التي تنطفئ شعلتها سريعا. ألا ترى أن اسبانيا قد استغلت هذه السياسة المغربية لفرض أمر واقع، خاصة التغيير الديمغرافي بحيث تفيد آخر الإحصاءات أن عدد المغاربة تراجع إلى الثلث؟ في الواقع سعت إسبانيا منذ منتصف الثمانينات إلى وضع إستراتيجية متعددة الأبعاد لفرض واقع الاحتلال في المدينين وباقي الثغور المحتلة من خلال قوانين الهجرة والجنسية تتضمن شروطا مجحفة في حق المغاربة الساكنين بالمدينتين المحتلتين، وقد أثارت هذه القوانين احتجاجات كثيرة من قبل المغاربة داخل المدينين. كان الهدف الأساسي من هذه القوانين تحديد عدد المغاربة في المدينتين والحفاظ على التفوق العددي للإسبان. رغم ذلك، تشير العديد من الدراسات خلال السنوات الأخيرة إلى النمو الكبير في عدد المغاربة داخل المدينين بالمقارنة مع الإسبان الذين يتقلص عددهم بسبب نقص عدد المواليد في صفوفهم من جهة، ورغبة الكثير منهم في الرحيل عن المدينين والانتقال للسكن في المدن الاسبانية، من جهة أخرى، حيث لم تعد سبتة ومليلية مركزي جذب للإسبان للسكن فيها. كما أن الحكومة الاسبانية مع بداية عقد التسعينات، ولا تزال، تبني سياجات وتعززها بمختلف أنواع التكنولوجية الأمنية على حدود المدينتين. هذه السياجات هي الحواجز الأولى التي تبنى في أوربا بعد انهيار جدار برلين، وهي بذلك تحمل أكثر من دلالة سياسية وفكرية. رغم أن الهدف المعلن بخصوص سياجات سبتة ومليلية هو وقف الهجرة غير النظامية، إلا أن الهدف البعيد المدى وغير المعلن هو فرض أمر الواقع وتعزيز الوجود الإسباني شمال المغرب، لاسيما وأن هذه السياجات أظهرت عدم فعاليتها في وقف الهجرة غير النظامية لأن المرشحين والراغبين في هذا النوع من الهجرة يجدون دائما طرق بديلة لذلك. يبقى التحدي الكبير لهذه السياجات هو تمويل الاتحاد الأوربي لجزء مهم من ميزانية بنائها، وهذا ما يهدد بفرض الطابع الأوربي عليها وتحويلها إلى حدود جنوبية لإتحاد. كما تندرج زيارة ملك إسبانيا وأعضاء حكومتها ضمن هذه الاستراتيجة الهادفة إلى فرض أمر الاحتلال على المدينتين. عموما، يمكن إدراج كل السياسات الاسبانية تجاه المدينتين ضمن إستراتيجية شاملة ومتعدد الأبعاد لفرض وإدامة واقع الاحتلال في هذه الثغور المغربية المحتلة، غير أنه رغم ما يمكن أن يوجه من انتقادات إلى سياسة ردود الفعل التي ينهجها المغرب، أن هذه الردود بالكاد تُبقي قضية سبتة ومليلية حيتين في الشعور الوطني، وهي، على كل حال، مناسبة لتذكير العالم بواقع الاحتلال الذي توجد فيه المدينين وتجديد المطالبة المغربية باسترجاع كل هذه الثغور إلى الوطن الأم. في سنة 1987 اقترح المغرب على إسبانيا مشروع خلية للتفكير حول مستقبل المدينتين، لكن اسبانيا رفضت ذلك وأصرت عليه، وكان المنتظر أن يطرح المغرب قضية مدنه المحتلة على اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار بالأممالمتحدة، لكنه لم يفعل، ما هي الأسباب التي منعت المغرب من مثل هذه الخطوة لحد الآن؟ في الواقع، لم يتوقف المغرب منذ حصوله على الاستقلال في عام 1956 عن المطالبة باستعادة جميع أراضيه التي تحتلها اسبانيا في شمال البلاد. في أول وثيقة قدمها المغرب إلى الأممالمتحدة بوصفه عضوا في هذه المنظمة عرض فيها قائمة للنزاعات الإقليمية العالقة مع اسبانيا بما في ذلك سبتة ومليلية. كما قامت البعثة المغربية لدى منظمة الأممالمتحدة في 27 يناير 1975 بتقديم مذكرة إلى اللجنة الرابعة قصد إدراج كل المناطق التي تحتلها إسبانيا في شمال المغرب في لائحة الأممالمتحدة للأقاليم غير المتمتعة بالاستقلال الذاتي. لكن يلاحظ لاحقا أن المغرب يحاول دائما أن يبقي على قضية الأقاليم المحتلة في شمال البلاد في إطار نزاع ثنائي مغربي إسباني، ويتفادى إشراك أطراف أخرى في حلها، لأن ذلك لن يزيد القضية إلا تعقيدا، وفي هذا الإطار يأتي اقتراح تشكيل خلية تفكير مغربية إسبانية للتفكير في مستقبل المدينتين. وهذا ما جعل المغرب يتجنب عرض مرة أخرى وضع المدينتين على أنظار اللجنة الرابعة للأمم المتحدة. ويمكن تفسير هذا الموقف المغربي في كون تطبيق مسلسل تصفية الاستعمار كما هو مطبق عادة في هذه اللجنة الأممية، في ما قامت به إسبانيا منذ احتلالها للمدينتين من تغيير كبير للتوازن الديموغرافي لصالح الجانب الاسباني. ذلك أن تصفية الاستعمار في القانون الدولي في القضايا المشابهة نسبيا لحالة المدينتين معناه استعمال مبدأ تقرير المصير ومن ثمة إعمال آلية الاستفتاء التي لن تكون في صالح المغرب. ويجب أن نستحضر هنا أن هذا المقترب أقرب إلى الإستراتيجية الاسبانية، ويتبين هذا من خلال منح كلا من سبتة ومليلية وضع مدينتين ذات حكم ذاتي. وهذا معناه إشراك طرف جديد في المعادلة وهم سكان المدينتين الذين يتشكل أغلبهم من الإسبان الذين سيرجحون دون شك كفة الالتحاق بالدولة المحتلة نظرا لعدة اعتبارات تاريخية واجتماعية ومصلحية. ما الحل الممكن إزاء السياسة الديمغرافية الإسبانية إذن؟ هل تتفق مثلا مع الطرح الذي يدعو إلى جعل الوحدة مع المغرب جاذبة عبر ترسيخ الديمقراطية والتنمية، وتحسين رفاهية السكان؟ لا شك أن العامل الديموغرافي سيكون حاسما في مستقبل المدينين، وهذا حاضر دائما في أذهان صناع القرار في إسبانيا، كما أن الجانب المغربي ينظر إلى هذا العنصر برؤية تفاؤلية كبيرة، وهناك من يراهن على عملية مغربة للمدينتين بشكل هادئ وطويل المدى عبر تشجيع النمو الديموغرافي في أوساط المغاربة داخل المدينتين وتعزيز روابطهم مع البلد الأم، خاصة على مستوى المؤسسات المدنية. أما في ما يتعلق بالشق الثاني بالسؤال، فتجدر الإشارة إلى أن التحدي الأكبر أمام المغرب هو الدولة الاسبانية التي لم تقبل بعد الجلوس إلى طاولة الحوار مع المغرب، بشأن مستقبل المدينتين، وتحاول فرض سياسة الأمر الواقع و"أوربة" المدينتين، أما سكانها من المغاربة فيظلون شديدي الارتباط بهويتهم الإسلامية المغربية، يحلمون باليوم الذين يستعيدون فيه ارتباطهم القانوني والسياسي بالمغرب. لذلك فنجاح مشاريع التنمية وتعزيز الديمقراطية سيعزز هذه الروابط، فأكبر عدو للنزعة الوطنية الصادقة هو الاستبداد والاستئثار وتزييف إرادة الشعب وتمييعها. لذلك فلا غرو أن تظل دائما على مر التاريخ الجبهة الداخلية المتماسكة هي الحصن المتين ضد التهديدات الخارجية. طبعا عندما نتحدث عن تحصين الجبهة الداخلية، فلا يعني تأسيس جمعيات مصطنعة تحرك بالأوامر، يعلو صوتها عندما تؤمر ويخفت بمجرد إيماءة. الجبهة الداخلية هو بناء مجتمع مدني حي ومستنير وصادق وهو وحده القادر على الصمود أمام العواصف الخارجية وهو الضامن الحقيقي للأمن الداخلي والخارجي للدولة. ثمة تصور لدى أكثر من طرف يقول بأن إصرار المغرب على طرح ملف سبتة ومليلية والجزر المحتلة على إسبانيا سيؤدي إلى انقلاب موقفها تجاه قضية الصحراء المغربية، وبالتالي انحيازه المطلق للبوليساريو، إلى أي حد يعتبر هذا التصور صائبا؟ يظل هذا التصور صحيحا إلى حد كبير وهذا ما أشرت إليه سلفا، خاصة وأن قضية الصحراء تمر خلال السنوات الأخيرة بمرحلة حاسمة بعد إقدام المغرب على نهج دبلوماسية جديدة تهدف إلى تكثيف المقترحات والبدائل بدلا من الاكتفاء بالدفاع وردود الفعل. لذلك فإن أي موقف حازم من الجانب المغربي تجاه قضية المدينتين ربما ستكون له تداعيات كبيرة ومباشرة على قضية الصحراء. في الحقيقة شكلت قضية الصحراء دائما قيدا على الدبلوماسية المغربية ليس في شأن سبتة ومليلية فقط بل وفي قضايا مصيرية أخرى، حيث لم يستطع الدبلوماسي المغربي إلى الآن أن يتخلص من ثقل قضية الصحراء التي تعيق حركيته وفعاليته. لذلك من بين التحديات الكبيرة أمام الدبلوماسية المغربية الراهنة، هو ابتكار استراتيجية قادرة على نزع صفة التأثير المتبادل بين قضاياه المصيرية خاصة بين قضية سبتة ومليلية من جهة وقضية الصحراء من جهة أخرى. وهي غاية من الصعب بلوغها خاصة مع التداخل والاعتماد المتبادل المركب بين القضايا الدولية المعاصرة. بعض الأطراف تراهن على المقابلة بين جبل طارق من جهة وسبتة ومليلية من جهة ثانية، وتعتقد أن حلّ الأول سينعكس على الثاني، مع العلم أن الملك الحسن الثاني الذي طرح هذا الموضوع في نونبر 1975 تراجع عنه في 1987، ما رأيكم؟ اعتمد المغرب في البداية على إستراتيجية ربط مستقبل سبتة ومليلية بمستقبل جبل طارق لاسيما خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي. كان يعرف هذا التصور في المغرب حسب تعبير الأستاذ محمد العربي المساري ب"مذهب الحسن الثاني"، والذي يعني ربط حل قضية المناطق الخاضعة للسيطرة الاسبانية في شمال المغرب بتسوية مسألة جبل طارق. لكن مع منتصف عقد الثمانينات قرر المغرب فصل مستقبل سبتة ومليلية عن قضية جبل طارق. حيث أعلن الملك الراحل الحسن الثاني في عام 1987 خصوصية المدينتين مقارنة مع وضع جبل طارق وأنه لا مجال للمقارنة بينهما، على اعتبار أن جبل طارق موجود في أوروبا وتحت سيطرة قوة أوروبية حليفة لإسبانيا من خلال الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. وهذا التحول في الموقف المغربي استدعته خطورة ربط مصير المدينتين المتميزتين بخصوصيات تاريخية وقانونية وجغرافية وحضارية مختلفة تماما عن وضع جبل طاق، لذلك فإن استمرار بعض القوى السياسية في الربط بين القضيتين يعود بشكل أساسي إلى عدم الوعي بتداعيات وآثار مثل هذا الربط، وإلى افتقار الاحزاب المغربية إلى الخبراء في الشؤون الدولية والقانون الدولي. تجدر الإشارة في هذا الجانب، على أنه رغم ما قامت به الأحزاب السياسية من إبقاء المطالب الوطنية حية في ضمير الشعب المغربي، فإنها جميعها تفتقر إلى الجرأة في تقديم مبادرات جريئة مستقلة، حيث ظلت دائما رهينة لما تعرضه الدولة من مشاريع ومقترحات ومواقف، وهذا من أكبر العلل التي تعيق من المساهمة الفعلية للأحزاب المغربية في حل هذه المناطق المحتلة، عكس الأحزاب الاسبانية التي تتمتع بهامش واسع للمبادرة وحتى الاختلاف مع الحكومة في بعض القضايا المصيرية وهذا ما يتيح للحكومة الاسبانية هامشا واسعا للمناورة. حين وقع المغرب اتفاقية مع السوق الأوربية المشتركة، ألم يستحضر المغرب حينها قضية سبتة ومليلية وباقي الجزر المحتلة في مفاوضاته مع الاتحاد الأوربي؟ نعم أدرج المغرب موقفه في المذكرة التي قدمها إلى السوق الأوربية المشتركة بمناسبة توقيع اتفاقية تعاون بين الجانبين (مذكرة 28 مايو 1988)، والتي اعتبر فيها المغرب أن تلك الاتفاقية لا تعني الاعتراف بالوضع القائم في سبتة ومليلية. وقبل ذلك الوقت، قدمت بعثة المغرب في المجموعة الأوروبية إلى الأمانة العامة للجنة الأوروبية مذكرة مماثلة فيما يتعلق بوضع الثغور المحتلة بمناسبة انضمام اسبانيا إلى الاتحاد الأوروبي. اعتياد المغرب على هذا السلوك الدبلوماسي أمر ضروري حتى لا يفسر السكوت في مثل هذه المناسبات بكونه اعترافا مغربيا بواقع الاحتلال الاسباني. لكن ظل هذا السلوك الدبلوماسي في إطار الإعلان عن الموقف ولم يصل إلى مستوى طرحه على طاولة المفاوضات مع المجموعة الأوربية كشرط سياسي مغربي لتحديد طبيعة العلاقة بين الطرفين. لكن يبدو أن هذه المواقف المغربية لا أثر لها على سياسة الاتحاد الأوربي تجاه المدينتين، خاصة وأن اتفاقية شينغن اعتبرت أن حدود الاتحاد تتسع لتشمل حدود المدينتين؟ طبعا إلى حد الآن لم تؤتي المواقف المغربية ثمارها في إقناع الأوربيين بمغربية هذه الأقاليم المحتلة. الخطير هو أن الاتحاد الأوربي أصبح يمول مشاريع في سبتة ومليلية المحتلتين وعلى رأسها بناء سياجات على حدود المدينتين، مما قد يعني إقرارا أوربيا بامتداد الاتحاد الأوربي ليشمل الثغور المغربية المحتلة. هذا التطور سيعقد أكثر قضية المدينتين، لذلك نجد المغرب يتحاشى ما أمكن إضفاء الطابع الأوربي وحتى الدولي أحيانا على النزاع وإبقائه في إطاره الثنائي. هناك متغير استراتيجي كبير حدث مع حصول المغرب على موقع "الوضع المتقدم" لدى الاتحاد الأوربي، هل تتصور أن ينعكس هذا الموقع الجديد على مطالبه باسترجاع المدينتين المحتلتين، وكيف سيكون ذلك؟ لا أعتقد أن حصول المغرب على الوضع المتقدم في علاقته مع الاتحاد الأوربي سيؤثر على مطالبته باسترجاع سبتة ومليلية، هذا يتوقف فقط على إستراتيجية الدبلوماسية المغربية. نحن نعرف أن انتماء كل من إنجلتراوإسبانيا إلى الاتحاد الأوربي لم يمنع الأخيرة بالمطالبة باسترجاع جبل طارق. أعتقد أن التحدي الأكبر الذي ستواجهه الدبلوماسية المغربية هو تحييد الاتحاد الأوربي كطرف، والقيام بإستراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى نزع "الطابع الأوربي" على المدينين. بنظركم، ما هي أفضل المداخل الممكنة لدفع إسبانيا نحو التنازل عن استعمارها للمدينتين وباقي الجزر المحتلة؟ لا شك أن الثغور المحتلة في شمال المغرب التي ظلت لقرون تحت الاحتلال الاسباني، تحتاج إلى إستراتيجية طويلة المدى ومتعددة الأبعاد، تتكامل فيه العناصر القانونية والسياسية والاقتصادية. فما أحتل لقرون لا يمكن استعادته في شهور وربما حتى في سنوات. السؤال الأساسي الذي ينبغي طرحه على الدولة المغربية، هو هل فعلا لها الإرادة الآن في وضع هذه الإستراتيجية، أما أنها تؤجل الخوض بجدية في الموضوع وتركه لما بعد حل قضية الصحراء، والاكتفاء الآن فقط بردود الفعل وإبقاء القضية حية في الضمير المغربي ولدى الرأي العام العالمي كآخر المستعمرات في أفريقيا. هذا الخيار يتفق إلى حد كبير مع السياسة التي نهجها المغرب تجاه أقاليمه المحتلة حيث فضل ما يمكن تسميته بإستراتيجية قطعة قطعة، بمعنى البدء بالقضايا الأقل تعقيدا والتدرج إلى القضايا الأكثر تعقيدا (سيدي إفني بعد ذلك السياقية الحمراء ووادي ثم لاحقا سبتة ومليلية وباقي الثغور). من جهة أخرى، لا بد للمغرب من إثارة عنصر جيواستاتيجي مهم جدا، وهو عدم استعداد العالم ليسلم بقدرة دولة وحيدة بمراقبة ضفتي البحر المتوسط، وهذا محتمل وقوعه إذا استعادت إسبانيا جبل طارق مع إبقائها لاحتلال سبتة ومليلية وباقي الثغور المغربية. هذا موضوع جيواستراتيجي بالغ الأهمية وله حساسية كبيرة بالنسبة للقوى الكبرى وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية.