ينشر بالاتفاق بين أريفينو و الكاتب د.جميل حمداوي عن كتابه ثقافة الأمازيغيين وحضارتهم مرحلة النشأة والتأسيس: لقد انطلقت عروض المسرح الأمازيغي منذ السبعينيات من القرن العشرين، قبل أن تظهر النصوص المسرحية المكتوبة إلى حيز الوجود. ومن هنا، فإن أول نص أمازيغي مكتوب كان في سنة 1984م تحت عنوان( أوسان أوصميدنين/ الأيام الباردة) لمومن علي الصافي [1] الذي يتبعه بشير القمري بمسرحيته الأمازيغية المعربة (إكليدن/ الملوك)[2] سنة 2002م، ويعقبهما جميل حمداوي بأول نص مسرحي أمازيغي مكتوب باللغة العربية عنوانه ( نحن أحفاد ماسينيسا) سنة 2009م [3]. بينما هناك كثير من النصوص المسرحية لم تطبع بعد مثل: نصوص محمد العوفي، وعبد الخالق كرابيلا، وعمر بومزوغ، وبنعيسى المستيري... هذا، ومن أولى العروض المسرحية التي قدمت في السبعينيات في منطقة الريف نذكر مسرحية( ءييرحاگد ءاميثناغ/ وصل ابننا) التي عرضت بالناظور سنة 1978م، وقد شارك في إخراجها كل من فاروق أزنابط ورشيد العبدي وعبد الكريم بوتكيوت وفخر الدين العمراني، ومسرحية ( إيهواد أوكامباوي ءاذي يكسي پاسابورتي/ ذهب البدوي إلى المدينة للحصول على جواز السفر) التي تم تشخيصها بالناظور سنة 1979م. وبعد ذلك، تعاقبت مجموعة من العروض المسرحية الكلاسيكية التي كانت تؤرخ لمرحلة النشأة كعروض فؤاد أزروال، مثل: (أذوزوغ ذي ثيوث) (أبحث في الضباب) بالاشتراك مع المخرج بوتكيوت عبد الكريم، و( أغنيج إذورار) (أغنية الجبال)، و(أغيور إينو إيعيزان) (حماري العزيز) نقلا عن توفيق الحكيم، و(أمزروض) (الفقير)، و( بوسحاسح ) (الكذاب) باشتراك مع المخرج بوتكيوت عبد الكريم، و( أسي أسنوس) (السيد الجحش)، و( علال ذ گليمان) (علال في ألمانيا)، و( لمفتش إيرحاگد) (لقد وصل المفتش) نقلا عن الكاتب الروسي گوگول، و( ياما عيشة)(أمي عائشة)، وعروض فاروق أزنابط كمسرحية( أرياز ن وارغ) ( رجل من ذهب )، و( ثازيري ثاميري) ( القمر العاشق)، و( تاسليت ن ءوزرو) ( عروس الحجر)، و(ءيجيس ءوجديد) (بنت السلطان)، و(بوثغواوين)(صاحب القمح المحمص)...، وعروض فخر الدين العمراني( أرياز ن وارغ) ( رجل من ذهب)، و( نشين سا) (نحن من هنا)، ومسرحية( رماس) (الفناء أو المراح)، وعروض ماجدة بناني كمسرحية ( تمرد امرأة)، وعروض عمرو خلوقي كمسرحية ( ءانان ءيني زمان) (قال الأجداد)، وكل هذه العروض المسرحية – التي أتينا على سردها- لا تخص سوى المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف. أما فيما يتعلق بالمسرح في منطقة سوس والأطلس المتوسط، فيمكن الحديث عن عروض كل من: خالد بويشو، ومحمد البرومي، وعبد الله أوزاد، ومحمد اسمينة، والوردي التهامي بوشعيب، ومحمد داسر،.... وعلى أي، فقد تناول هذا المسرح قضية الهوية واللغة والكتابة وكينونة الإنسان الأمازيغي ، مع التركيز على قضايا أخرى لها علاقة بالإنسان الأمازيغي ، مثل: الهجرة والفقر والأمية والتهميش والإقصاء واللامبالاة والتشبث بالأرض، علاوة على المواضيع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والتأرجح على مستوى الرؤية بين الألم والأمل، والضياع والوجود، والحزن والفرح... ومن حيث التشكيل الفني، فقد استخدمت هذه العروض المسرحية القالب الكلاسيكي من خلال احترام الوحدات الثلاث: وحدة الحدث، ووحدة الزمان، ووحدة المكان. كما استثمر هذا المسرح الأرسطي مميزات الدراما الواقعية والطبيعية والرومانسية والتاريخية. أما التأثيث السينوغرافي، فقد كان تأثيثا تقليديا مغلفا بالديكور الواقعي الساذج أو الديكور الفني الإيهامي، سواء أكان وظيفيا أم غير وظيفي. D مرحلة التجريب والتأصيل: انطلق المسرح الأمازيغي في التجريب والتأصيل منذ فترة التسعينيات من القرن العشرين ، فواصل ذلك التحديث مع امتداد سنوات الألفية الثالثة متأثرا في ذلك بالمسرح الغربي المعاصر والمسرح العربي التجريبي، دون أن ننسى تأثره المباشر والواضح بدعوات وتنظيرات وبيانات مسرح الهواة بالمغرب الذي انتعش فعليا في سنوات السبعين من القرن العشرين انتعاشا كبيرا. ومن أهم المخرجين الذين حاولوا التجريب والتأصيل داخل المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف نذكر – على سبيل التمثيل لا الحصر-: شعيب المسعودي في مسرحيته ( أربع أوجنا يوظاد/ أوشكت السماء أن تتحطم)، ومسرحية( تمورغي/ الجراد) ، وسعيد المرسي في مسرحيته ( ثسيث/ المرآة)، ومسرحية ( تاسيرت/ الطاحونة)، ومسرحية ( ثانوغ ثيارجا ذي ثاندينت/ غرق الحلم في المدينة) ، ومحمد بنسعيد في مسرحية ( ثوارث ءيمظران/ باب القبور)، ومسرحية ( ثايوجيرت/ اليتيمة) ، ومحمد بنعيسى في مسرحية (ثيرجا سثنيفست/ أحلام من رماد)، ولويزا بوسطاش في مسرحيتها التأصيلية ( أقلوز)، والطيب معاش في مسرحيته ( ثيارجا برا ثيري/ أحلام بلا ظلال)، وعبد الواحد الزوكي في مسرحية (تشومعات/ الشمعة)، وفاروق أزنابط في مسرحيته (ءيجيس ن ءوجديد/بنت السلطان)، وحفيظ بدري في مسرحيته(مارمي غانبذا بصاح/ متى سنبدأ جادين)... ونذكر من مخرجي منطقة سوس : مصطفى حمير في مسرحيته (في انتظار كودو)، ورشيد أبيدار في مسرحية( نتات/ هي)... ونستحضر من منطقة الأطلس المتوسط مجموعة من المخرجين ، مثل: أبو عماد ومصطفى برنوصي عن مسرحية( ءيدرياضنين)، وكريم الفحل الشرقاوي عن مسرحية ( أركاز ءيزانزان تافوكت/الرجل الذي باع الشمس)... وعلى العموم، فقد تناول هذا المسرح قضايا الإنسان من وجهة فلسفية وميتافيزيقية، مع تمثل مذهب مسرح اللامعقول ومسرح العبث، وانتقاء مواضيع المسرح الوجودي ، مثل: القلق واليأس والملل والسأم والوجود والحرية ، والعزف على تيمة انعدام التواصل ، والتوسل بالتعبير التراجيدي لإثبات تمزق الذات البشرية وجوديا، وانشطارها عضويا ونفسانيا وكينونيا. ومن الناحية الفنية ، فقد جرب المخرجون الأمازيغيون المعاصرون بعض ملامح المسرح التجريبي ، مثل: تكسير منطق الأحداث، والانزياح عن تسلسلها الكرونولوجي، وخلخلة مواضعات التمسرح الكلاسيكي، واستعمال التجريد الرمزي، وتوظيف الاحتفالية الشاملة، وتشغيل الكروتيسك المفارق، وتكسير الجدار الرابع ، ونوظيف سينوغرافيا صامتة أو فوضوية أو رمزية أو عابثة. وهناك من المسرحيات الأمازيغية الناجحة كوريغرافيا؛ لأنها استفادت من الميم وبلاغة الجسد والرقص الشاعري، كما يبدو ذلك جليا في مسرحية ( نتات/ هي) لرشيد أبيدار . وأخيرا، يتبين لنا – من خلال هذا العرض السالف ذكره- بأن المسرح الأمازيغي قد قطع مجموعة من المراحل التاريخية، فقد تأثر في البداية بالمسرح الفرعوني، والمسرح اليوناني، والمسرح الروماني. لكنه سينكمش مرحليا إبان الفتوحات الإسلامية بسبب موقف الإسلام من الشعر والتصوير والتمثيل. إلا أنه قد تبلور في شكل فرجات فطرية، سميت بالأشكال الفرجوية ماقبل المسرحية، لينتهي هذا المسرح بتدشين فترة التأسيس و النشأة، ولتعقبها أيضا فترة التجريب والتأصيل. وبناء على ماسبق، يتبين لنا بأن المسرح المغربي له نشأة أمازيغية قديمة، تعود إلى المرحلة اللاتينية. لذا، فنشأة هذا المسرح ليست حديثة، كما قال الكثير من النقاد المغاربة (حسن المنيعي- مصطفى بغداد- مصطفى المهماه- محمد الكغاط...)، عندما ربطوا وجوده ببناء معهد سيريفانتيس بطنجة سنة 1913م، أو بسنة 1923م حين تقديم مسرحية طلابية بإحدى ثانويات مدينة فاس، أو اقترانه بمجموعة من المسرحيات العمالية أو المولييرية أو العبثية التي قدمها الطيب الصديقي بالمسرح البلدي بالدارالبيضاء بعد الاستقلال مباشرة. [1] – مومن علي الصافي: ءوسان ءيصميدنان، مطبعة الأندلس، الدارالبيضاء، الطبعة الأولى سنة 1984م. [2] – البشير القمري: إيكليدن، دار البوكيلي، القنيطرة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2002م. [3] – د. جميل حمداوي: نصوص مسرحية للصغار والكبار، مطبعة الجسور بوجدة، الطبعة الأولى سنة 2009م.