[email protected] توطئة: يعد سعيد الجراري إلى جانب الحسين القمري من المؤسسين الفعليين للمسرح العربي بمنطقة الريف، بل نعدهما أيضا من المؤسسين الحقيقيين للمسرح الأمازيغي بطريقة غير مباشرة، وذلك عن طريق تكوين مجموعة من الشباب اليافعين العاشقين للفن الدرامي، وتأطيرهم في مجال العمل المسرحي تثقيفا وتأليفا وتأهيلا وتشخيصا وإخراجا، والذين سيكونون في المستقبل بمثابة لبنة المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف، ونستحضر من هؤلاء على سبيل التمثيل كلا من المخرجين التالية أسماؤهم: فخر الدين العمراني، وفاروق أزنابط، وعبد الكريم بوتكيوت… وإذا كان الحسين القمري قد عرف كثيرا في منطقة الريف بالإخراج المسرحي وتدريب الممثلين ، والبحث في الظواهر الاحتفالية الأمازيغية ما قبل المسرحية كما يتجلى ذلك واضحا في كتابه القيم” إشكاليات وتجليات ثقافية في الريف” ، فإن سعيد الجراري قد تميز خصوصا بالعناية الكبرى بالتأليف المسرحي، وخاصة التأليف التربوي والمدرسي. إذاً، ماهي مسيرة سعيد الجراري الثقافية والفنية؟ وماهي أهم إسهاماته في مجال الدراما والمسرح والتنشيط الثقافي والفني؟ هذا ما سنعرفه في ورقتنا هاته. سعيد الجراري بين الذاكرة والبيوغرافيا: ولد سعيد الجراري بمدينة أدريوش قرب الناظور سنة 1939م، فحفظ القرآن الكريم على يد والده المرحوم الفقيه محمد الجراري، كما حفظ كثيرا من المتون اللغوية والدينية والشرعية في المدارس العتيقة. وبعد ذلك، أحرز على شهادة البكالوريا في الشعبة الأدبية بثانوية قاضي عياض بمدينة تطوان. وقد تعلم اللغة الإسبانية مبكرا على غرار أبناء المغاربة وأبناء المستعمر في تلك الفترة العصيبة من عهد الحماية الإسبانية. وبعد حصوله على شهادة الأهلية التربوية في التعليم ، عين معلما ، فمدرسا للغة العربية ، ثم حارسا عاما ، ثم مديرا بالمؤسسات التعليمية بإقليمالناظور. و لقد تقاعد عن العمل سنة 1999م، وذلك بعد سنوات حبلى بالعمل البناء، والتنشيط الهادف، والإبداع المفيد، والتكوين الجاد، والعطاء غير المحدود، والإنتاج الزاخر. ومن المعروف أن سعيد الجراري كان يكتب الشعر والمسرح والبحث والمقال، وكان يمارس هواية التمثيل والتشخيص فوق خشبات ركحية عديدة. ومن ثم، فقد كون العديد من الممثلين والمخرجين الأكفاء بمدينة الناظور. ويعترف الجميع في منطقة الريف بأن الأستاذ سعيد الجراري كان من السباقين إلى تأسيس الكثير من الجمعيات المدنية والثقافية والتربوية ، والتي كان يهدف من ورائها إلى تنشيط مدينة الناظور مسرحيا واحتفاليا، وتأهيلها ثقافيا وحضاريا واجتماعيا. وقد نال عدة جوائز مادية ومعنوية، وتم تكريمه مرات عدة من قبل جمعيات ثقافية وفنية بإقليمالناظور ومدينة أدريوش… وآخر ما نختم به هذه البطاقة البيوغرافية أن سعيد جراري قد صدر له مؤخرا ديوان شعري رائع تحت عنوان” من بروج الذاكرة” ، وهو من تقديم الدكتور عيسى الدودي، وجمع ودراسة للدكتور جميل حمداوي. البداية المسرحية الأولى: من المعلوم أن سعيد الجراري بدأ حياته الثقافية والفنية بممارسة التمثيل والتنشيط والتشخيص بمدينة أدريوش القريبة من مدينة الناظور منذ منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، حيث شارك كممثل رئيس في أولى مسرحية عربية تم تقديمها بمنطقة الريف، وذلك على خشبة السينما الإسباني بمدينة الدريوش في شهر يونيو من سنة 1956م، وكانت تحت عنوان :” عودة محمد الخامس من المنفى”. ويتبين لنا من خلال عنوان المسرحية أنها ذات أبعاد تاريخية ووطنية وسياسية، تبارك العودة الميمونة لمحمد الخامس من منفاه، وذلك لإخراج المغرب من عهد الحجر نحو غد الاستقلال والأمل. والمسرحية كما هو معروف للدكتور عبد الله عاصم تأليفا وإخراجا. أما التشخيص فوق الخشبة الميزانسينية، فقد شارك فيه مجموعة من شباب مدينة أدريوش الذين كانوا يتكونون من أكثر من اثني عشر فردا . ومن هؤلاء: عبد الله عاصم، والأستاذ سعيد الجراري، والأستاذ عبد السلام بوعنان، ومحمد بوعنان، والأستاذ الصغيّر الوكيلي ، وميمون الحقوني ، ومحمد الحقوني ، وعثمان عاصم، وأحمد البوفراحي، ومحمد المزوجي، ومحمد التمسماني، ومحمد التجاني… ومضمون هذه المسرحية هو تصوير عودة محمد الخامس من منفاه إلى أرض الوطن عن طريق التشخيص الدرامي، والإشادة بهذه العودة المظفرة، والثناء على المقاومين والفدائيين والمجاهدين الذين استبسلوا بالنفس والنفيس من أجل طرد المستعمر الغاشم، وكل ذلك بغية نيل الحرية، والظفر بالاستقلال، وتحقيق السيادة الوطنية في ظل العهد الجديد . وبعد هذه المبادرة المسرحية الأولى تفرق الممثلون كلهم، وأخذ كل واحد وجهته المناسبة والملائمة في الحياة. فهناك، من أصبح رجل تعليم أو التحق بالمحاماة، وهناك من أصبح مقاولا، وهناك من صار رجل أعمال. سعيد الجراري ومراحل التنشيط الفني والمسرحي: عرفت حياة سعيد الجراري على مستوى المسرح عدة محطات فنية ومراحل تاريخية، تتمظهر بكل جلاء في تأسيس مجموعة من الجمعيات الثقافية والفنية بمنطقة الريف، وتأليف العديد من المسرحيات، والمساهمة في تكوين الممثلين الشباب تنشيطا وتثقيفا وتوعية وقيادة، وتأهيلهم تدريبا وتشخيصا وتأطيرا، والمشاركة في إخراج مجموعة من المسرحيات بشكل من الأشكال. ومن أهم هذه المراحل التي مر بها سعيد الجراري فنيا ومسرحيا، لابد من التوقف إلى المحطات البارزة التالية: 1- جمعية المشعل المسرحي: كان سعيد الجراري من السباقين إلى تأسيس الجمعيات الثقافية بالناظور وأدريوش، فقد أسس بمعية الحسين القمري، والبشير القمري، ومحمد القضاوي، ومحمد بيجو، وحسن الهلالي، وأحمد المعاشي، وبنعيسى دراز… أول جمعية ثقافية بمدينة الناظور في 03 يوليوز من عام 1964م، وكانت تسمى بجمعية ” المشعل المسرحي”. ومن المعروف أن مقر الجمعية المؤقت كان بدار الشباب بمدينة الناظور. ولم تكن الفرقة تظفر بأي عون مادي أو معنوي، بل كانت تتلقى كثيرا من الإهانات والكلمات النابية الساقطة، ووابلا من كلمات التجريح والهجاء والتعيير، وتعابير الاحتقار والازدراء، وأبشع الأوصاف. بيد أن الفرقة لم تفشل، ولم تن، ولم تبال بتلك النعوت والاتهامات الشنيعة، ولم يفل عضدها القوي كما يقول سعيد الجراري في مذكراته الشخصية، بل ازدادت الفرقة قوة وصمودا وصعودا وشهرة ، وذلك بفضل الإرادة و العمل والعزيمة والإصرار على الفوز والنجاح. هذا، وكانت تداريب الفرقة تتم في مرآب الشبيبة والرياضة بصفة مؤقتة، إلى أن أغلق هذا المكان في وجه الفرقة، فاضطرت للبحث عن مكان آخر، فلم تجد سوى غرفة خارج المدينة قرب ضريح سيدي علي لا إنارة فيها ولا ماء. اكترتها الفرقة لتقوم فيها بتداريبها الليلية، ثم تتركها باقي ساعات الليل وكل ساعات النهار ليقطن فيها أحد الدراويش إكراما لشيخوخته وغربته. وبعد ذلك، انتقلت الفرقة إلى إحدى غرف منزل الأستاذ سعيد الجراري الذي كان عاشقا ومولعا إلى درجة الجنون بفن المسرح. ويشرح لنا الأستاذ سعيد الجراري طريقة التداريب والإخراج والتمثيل التي تقوم بها هذه الفرقة بالكيفية التالية:” كانت التداريب في بادئ الأمر تبتدئ من رأس التمثيلية، وطورا تشرع من نهايتها، وطورا تقفز إلى وسطها بالطريقة الإيطالية أحيانا، وأخرى بتشخيص الأدوار، أو تسرع في المكان الذي يجب أن تتأتى فيه، أو بالعكس، أو يصرخ أحدهم في وجه صاحبه في حين أنه يجب أن يجهر لا أن يصرخ. ولم تكن تتبع برنامجا محدودا في التداريب، إلا بعد مضي سنة من نشأتها، حين أصبحت التداريب تسير سيرا عاديا منظما وفي أوقات معلومة يشرف عليها مدرب من أعضاء الفرقة، فيبدأ معهم من الفصل الأول ثم الثاني ثم الذي يليه، ليتوقف بين حين وآخر من أجل إصلاح بعض الأخطاء في الحركات أو الإشارات أو الخطوات أو الأصوات أو تعبيرات الملامح، أو كيفية الدخول إلى الخشبة والخروج منها. كما يسمح بإبداء الملاحظات حول تلك الأعمال كلها.” ويعني هذا أن التدريب المسرحي كان خاضعا للارتجال الفطري، والاعتماد على طريقة الطاولة، والاستعانة بالتدريب الميزانسيني، والتركيز على تحسين مخارج الألفاظ، وتنويع السجلات اللغوية والأسلوبية والحوارية، والاهتمام بترويض الصوت، ومعرفة مواقع التمركز والانتقال الحركي فوق الخشبة، وتقديم المسرحيات المتنوعة من حيث التيمات والأشكال باللغة العربية أو العامية المغربية أو ما يسمى في المسرح عند توفيق الحكيم باللغة الثالثة. أما عن الإنتاج المسرحي ، فيمكن الإشارة إلى مجموعة من المسرحيات العربية التي تم تأليفها بشكل جماعي كمسرحية ” النور ” ، والتي عرضت بسينما الريف في سهرة ليلية بتاريخ 07 يوليوز سنة 1964م. والمسرحية من حيث مضامينها دينية المقاصد، إذ تصور حالة العرب قبل الإسلام وبعده. وقد قدمت أثناء السهرة تمثيلية هزلية بعنوان:” طبيب الأسقام”، وهي من تأليف الفرقة بطريقة جماعية. وبعد ذلك ، عرضت الفرقة مجموعة من العروض الهزلية كمسرحية:” باعطى”، ومسرحية ” لمعلم علوش” ، ومسرحية” قتلت ولدي” ، ومسرحية “الحاج الغلاق الفلاق”، ومسرحية” عمالقة يذوبون”، ومسرحية:” بطولة عرش” ، ومسرحية :” البخيل بوكرشة ” ، ومسرحية: ” المتمردون” ، والتي أخرجها رئيس الفرقة الحسين القمري ،وقد تم تشخيصها بقاعة سينما الأندلس ببركان. ومن المعلوم أن معظم هذه المسرحيات قد عرضت في سينما الريف، وقاعة الصيادين، وتم تشخيصها أيضا بالقاعة السينمائية الخاصة بالقوات المسلحة الملكية بأزغنغان، أوفي الهواء الطلق أمام مقهى البحيرة . وكل هذه المسرحيات كانت تقدم للناس بالمجان. وفي الأخير ، لقد تعاطف الناس مع هذه الفرقة المسرحية؛ نظرا لما قدمته من مسرحيات رائعة للجمهور الناظوري ؛ لأنها تخاطب عقله ووجدانه وبعده الحسي والحركي، وتتناول القضايا التي تؤرقه سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ودينيا وثقافيا. لذا، تجاوب الكثير من الناس مع هذه العروض المسرحية الناجحة. ومع بداية السبعينيات، توقفت جمعية ” المشعل المسرحي” عن العطاء والإنتاج وتحقيق التراكم لأسباب ذاتية وموضوعية ، لتحل محلها جمعيات ونواد ثقافية أخرى عربية وأمازيغية على السواء كجمعية ” أهل الدربالة للموسيقى والمسرح” على سبيل التمثيل والتميز. 2- جمعية النهضة الثقافية: انتخب سعيد الجراري في جمع عام سنة 1964 م رئيسا لثاني جمعية ثقافية بإقليمالناظور، وهي جمعية ” النهضة الثقافية”. وكانت هذه الجمعية تقوم بأعمال ثقافية واجتماعية لصالح منطقة الريف بصفة عامة ومدينة الناظور بصفة خاصة. وعلاوة على ذلك، فقد كان سعيد الجراري كذلك من الأعضاء الفاعلين والبارزين في جمعيات ثقافية أخرى كالمكتب التنفيذي للجمعية الثقافية و الاجتماعية للبحر الأبيض المتوسط. 3- مرحلة التكوين والتأطير والتأهيل: مارس سعيد الجراري مهمة التكوين والتأطير وتأهيل الشباب في ميدان الفن والمسرح منذ سنوات الستين إلى غاية سنوات التسعين من القرن الماضي، فقد أنشأ فرقة مسرحية بثانوية الكندي كانت تضم نخبة من نجباء التلاميذ الذين مارسوا المسرح تحت إشرافه. و أصبحوا اليوم من الأطر المحترمة داخل الوطن وخارجه، ونذكر منهم: الأستاذ الدكتور حسن وقاص، والأستاذ محمد بودهان الناشط الأمازيغي المعروف بجريدته :”تويزا”، و الطبيب الكاتب عبد الحكيم معيوة، والطبيب بوبكر أقوضاض ، والأستاذين: حسن أخنوش وعبد الرحمان الصقلي، والمخرجين المتميزين في منطقة الريف، وخاصة في المسرح الأمازيغي والمسرح المدرسي السادة : فخر الدين العمراني، و عبد الكريم بوتكيوت، و فاروق أزنابط. 4- مرحلة التنشيط الفني والثقافي: شارك سعيد الجراري في تنشيط العديد من الحلقات التلفزيونية والفنية بمنطقة الريف منذ وقت مبكر. ومن بين تلك المهرجانات الفنية التي ساهم فيها سعيد الجراري باعتباره منشطا أو مؤلفا أو شاعرا أو عضوا في لجنة التحكيم ، نستحضر من ذلك مهرجان: ” سباق المدن” ، وهو مهرجان ثقافي فني تلفزيوني يقوم على عقد مسابقات بين أقاليم المغرب. وشارك سعيد الجراري أيضا بصدق وتفان وإخلاص في إثراء برنامج ” كنوز” لمعده الباحث الأمازيغي: الدكتور عمر أمرير. النصوص المسرحية المؤلفة: ألف سعيد الجراري مجموعة من المسرحيات التربوية والدينية والاجتماعية الهادفة الموجهة إلى الكبار والصغار على حد سواء. ويعني هذا أن سعيد الجراري كان يهتم اهتماما كبيرا بأدب الأطفال بصفة عامة والمسرح المدرسي بصفة خاصة. ولاسيما أنه كان رئيسا لفدرالية جمعيات التعاون التربوي بإقليمالناظور، وانتخب أيضا في جمع عام وطني سنة 1975 م بوزارة الشبيبة و الرياضة نائب رئيس الفدرالية الوطنية لجمعيات التعاون التربوي التابعة لمديرية نشاطات الشباب بوزارة الشبيبة و الرياضة، ومثل إقليمالناظور سنة 1969 م بغابة المعمورة في التدريب الوطني لتكوين أطر الأنشطة الموازية للتعليم. ومن أهم النصوص المسرحية التي ألفها سعيد الجراري، نذكر منها: مسرحية” وطن التحدي” التي عرضت سنة 1987م في القناة التلفزية المغربية الأولى، وكانت من إخراج فخر الدين العمراني، وتشخيص كل من: خديجة بوشوش، ونعيمة بلكمش، وميمون كرابيلة، ومحمد الكبداني، ومحمد المسعودي…وقد حصلت المسرحية على تنويه من قبل مدير القناة الأولى . وهناك أيضا مسرحية: ” المفاخر” التي تم عرضها بالإذاعة سنة 1990م، وهي من إخراج فخر الدين العمراني، وتمثيل كل من: رشيد الطاهري، وفيزاء بنطالب، ونزيهة صباغ… ومن أهم النصوص المسرحية التي ألفها سعيد الجراري مسرحيته الدينية الرائعة:” الرشد وصراع الغي”، و التي ألفها في يناير من عام 1996م، وهي تمثيلية من فصلين معدة للفرق المدرسية من تلاميذ الإعدادي وطلبة الثانوية اليافعين. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن سعيد الجراري كان يهتم كثيرا بأدب الأطفال بصفة عامة والمسرح المدرسي بصفة خاصة. والسبب في ذلك أنه كان مدرسا قريبا من تلامذته وطلبته أيما اقتراب، يتفهم حاجياتهم النفسية والعضوية والذهنية والحركية. ومن هنا، فمسرحية سعيد الجراري كتبت بطريقة إخراجية سيناريستية قابلة للإخراج الميزانسيني على الخشبة الركحية . كما أن هذه المسرحية محشوة بالإرشادات المسرحية الموجهة من المؤلف إلى الممثل والمخرج والقارئ على حد سواء لتمثلها والاستفادة منها على مستوى التشخيص أو القراءة أو اللعب الركحي. وتنصب هذه الإرشادات النصية المرافقة على تحديد الخلفية السينوغرافية، ورصد مواصفات الشخصيات، وإبراز خصوصيات الفضاء الدرامي، وتقديم لمحة عن الفصول والمناظر المسرحية. وتتكون المسرحية من فصلين متكاملين: الفصل الأول يعبر عن بداية ظهور الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية، وانتشاره في بقاع المعمور بفضل قوة المسلمين ووحدتهم المتينة بسبب اعتصامهم بحبل الله ، وتمثلهم لهدي النبي (صلعم) شريعة ومنهاجا واقتداء. بينما الفصل الثاني يشير إلى مجموعة من مآسي المسلمين كسقوط الأندلس، واشتعال الثورات والفتن في البوسنة والهرسك وفلسطين وأفغانستان والشيشان. وكل ذلك بسبب تمزق المسلمين وتناحرهم وتفرقهم شذر مذر. ويلاحظ على هذه المسرحية الإسلامية الهادفة، أنها تمثيلية كلاسيكية أرسطية القالب؛ وذلك بسبب التتابع المنطقي للأحداث الدرامية، والخضوع للتسلسل الكرونولوجي استفتاحا وتأزيما وتصعيدا وانفراجا، وانقسامها إلى مجموعة من المناظر والمشاهد، واحترامها لوحدة الجنس والتغريض الذي يتمثل في الطابع التاريخي للتمثيلية. كما أن المسرحية خاضعة لمنطق المحاكاة من خلال تناول قضيتين جدليتين عكسا واطرادا، ألا وهما: قضية الوحدة وقضية التمزق، وتمثل التاريخ الإسلامي بغية الاعتبار والاستفادة من الدروس. كما نستشف من وراء سطور هذه المسرحية أن سعيد الجراري متمكن من عملية الكتابة الدرامية تأليفا وتأثيثا وديكورا وإخراجا وتشخيصا، وكان يعتمد في كتابة مسرحيته هاته على مجموعة من المصادر والمراجع لتوثيق محتوياتها الدرامية والتاريخية. كما كان يضمنها فنيا وجماليا وذهنيا ومعرفيا بالشعر والمعلومات التاريخية ، ويطعمها بالحقائق السياسية والاجتماعية، وينضدها بالنصوص الدينية تناصا واقتباسا وإحالة وإيحاء. خاتمة: ذلكم هو سعيد الجراري الذي كرس حياته كلها لخدمة المسرح العربي والأمازيغي بمنطقة الريف، وذلك عن طريق تكوين مجموعة من الفاعلين الشباب الغيورين على المسرح والعاشقين للفعل الدرامي. كما كان سعيد الجراري من الممثلين الأوائل في مجال التشخيص المسرحي منذ منتصف الخمسينيات من القرن العشرين. ولا ننسى أيضا أنه من المؤسسين النشيطين للكثير من الجمعيات المدنية والثقافية والفنية والاجتماعية والتربوية ، ومن الكتاب الفعليين الذين ساهموا في إغناء أدب الأطفال بصفة عامة والمسرح المدرسي بصفة خاصة بمنطقة الريف إلى جانب الحسين القمري وعبد الكريم بوتكيوت. ويكفيه فخرا أنه ألف العديد من المسرحيات الهادفة والملتزمة التي كان لها إشعاع تربوي وأخلاقي نير بين أوساط المتعلمين والطلبة اليافعين والمثقفين الشباب بمنطقة الريف. ولا ننسى فضله الكبير كذلك في تكوين مجموعة من المخرجين المتميزين بمنطقة الريف ، والذين رفعوا راية المسرح الأمازيغي والعربي على حد سواء في عنان السماء كالمخرج فخر الدين العمراني ، والمخرج فاروق أزنابط، والمخرج عبد الكريم بوتكيوت