يتغير كل شيء، ولا تتغير «زايو» التي تبقى وفية لسياسة التهميش والإقصاء واللامبالاة من قبل المسؤولين، الذين ضربوا المسؤولية المنوطة بهم عرض الحائط، وجعلوا هذه البلدة الواقعة في ضواحي إقليمالناظور تفتقر لأبسط المواصفات التي من شأنها أن تجعلها تنال لقب «مدينة»، في الوقت الذي تحولت إلى «حضيرة للصراع السياسي»، بين أشخاص اتخذوا من اللعبة السياسية وسيلة لتصفية الحسابات، الأمر الذي قالت عنه الساكنة: «إنها مدينة قد علاها الصدأ، وأصبحت لعبة للاعبين، وبقرة حلوبا لمن يريدون مراكمة الثروات». عقارب الساعة تشير إلى العاشرة ليلا، حركة عادية وظلام دامس يغطي سماء مدينة زايو،…ومن هنا وهناك، تتعالى أصوات مخمورين، يلعنون المدينة طولا وعرضا، ويسبون الأوضاع المزرية التي تعيش على وقعها، إذ هناك من قال إن الوضع الذي آلت إليه المدينة ساهمت فيه النزعة القبلية التي كرسها المستعمر الاسباني، والتي بفعلها تم الزج ب»زايو» في مستنقعات السواد. على طول الطريق الوطنية رقم 2 الرابطة بين الناظور ووجدة، تمتد مدينة زايو على مساحة 52 كلم مربع، ويكتسي موقعها الجغرافي أهمية استراتيجية من الناحية الاقتصادية، حيث تعتبر محورا لمرور البضائع والمنتوجات الفلاحية، بالإضافة إلى المواد المهربة من مدينة مليلية المغربية المحتلة والقطر الجزائري، وعلى طول الطريق تمتد العديد من المقاهي. سمير اسم لشاب ، يضع بفمه سيجارة ملفوفة، تنبعث منها رائحة «الحشيش»، ينفث دخانها ويبدأ في الحكي، «هاد زايو كلها ورايو»، ليضيف قائلا «مابقا فيه ما يدار، ولا صالح غير أل دوك اشوابن اللي عندهم التقاعد نتاع الخارج، أما الشباب لكن ماشي ديك مليلية والمازوت نتاع الجزائر اكونو حركو للخارج ولو في البسينة»، بسخرية يتحدث وبانفعال شديد يضيف، «إنها مدينة شاحبة بامتياز، تبعث اليأس والبؤس في النفوس، وتحتم على شبابها الانخراط في دائرة التهريب المعيشي والبحث عن لقمة العيش، كونها تفتقر للمشاريع الاقتصادية التي من شأنها أن تحد من شبح البطالة». مدينة زايو التي تركن على هامش الهامش، عرفت تقلصا في عدد الساكنة مقارنة مع إحصائيات سنة 2004، الأمر الذي قالت عنه مصادر «الاتحاد الاشتراكي»، إنه راجع إلى الهجرة سواء للديار الأوربية أو إلى المدن المجاورة، نتيجة تراجع الأنشطة التجارية والفلاحية بالمنطقة، إذ أن غالبية المهاجرين كان لهم ارتباط بالأنشطة المذكورة، حيث كانت إحصائيات 2004 قد حددت عدد الساكنة ب 29851 نسمة، مقارنة مع إحصائيات 2010 التي أشارت إلى أن عدد الساكنة محصور في 27123 نسمة، مما يبين أن عدد المهاجرين بلغ 2728 نسمة. واقع السياسة والتعليم الوضع السياسي المتأزم بالمدينة، جعل العديد من المواطنين يفقدون الثقة في الكائنات السياسية، ويعتبرونها لا تمثل سوى نفسها، في الوقت الذي تخلت عن هموم المواطنين وابتعدت عن المشاكل التي تؤرقهم بشكل يومي، فضلا عن تقديم المسكنات والوعود التي وصفوها ب«الكاذبة»، حيث جل القطاعات الحيوية بالمدينة أصابها الخلل، بفعل غياب المراقبة الفعلية للأجهزة المسؤولة وتقاعسها في تحريك المساطر القانونية المعمول بها في هذا الإطار، مما جعل ملف البناء العشوائي على سبيل المثال يتحول إلى ملف «للمزايدة السياسية» . وأشارت مصادر مطلعة، إلى أن القائمين على أمور المدينة ينهجون سياسة الكيل بمكيالين، لدرجة أنه تم تحوير مطالب الساكنة وإفراغها من محتواها، في الوقت الذي رفعت شعارات مطالبة بالحق في الشغل، والتعليم، والصحة، وخروج ما يناهز 15 ألف نسمة للشارع للمطالبة بحقها الدستوري، كون المدينة تعيش على وقع مجموعة من المشاكل التي من شانها أن تؤجج الأوضاع. ومن بين المشاكل التي تؤرق المشهد المحلي، واقع التعليم الذي أصبح الشغل الشاغل للقوى الحية والمتتبعين للشأن العام، حيث تتوفر المدينة على 8 وحدات مدرسية تستوعب 3636 تلميذا، يشكل الذكور نسبة 47.74 في المائة، والإناث نسبة 52.25 في المائة، وتتوفر على 108 أقسام، في حين يكون توزيع المؤسسات غير متكافئ بين الأحياء، مما يدفع بتلاميذ العديد من الدواوير إلى التنقل لمسافات متفاوتة إلى مدارس توجد بالأحياء المجاورة، الأمر الذي جعل عدد المنقطعين عن الدراسة يتجاوز 2 في المائة من الأطفال. وتوجد بالجماعة الحضرية، ثلاث اعداديات و ثانوية واحدة مكونة من 87 قسما، تستوعب 3813 تلميذا، يشكل الذكور نسبة 63 في المائة، والإناث 37 في المائة، وتضم الأقسام 44 تلميذا ، مما يدل على الاكتظاظ، في حين يلاحظ أن نسبة الانقطاع عن الدراسة تتجاوز نسبة 9.75 في المائة في التعليم الإعدادي، أما في التعليم الإعدادي و الثانوي ككل فالنسبة تبلغ 7 في المائة، و هذا ما يؤشر على الهدر المدرسي بما له من عواقب سلبية على مستقبل التلاميذ المعنيين. وفي هذا الإطار، شهد الدخول المدرسي لسنة 2013/2014، إقبالا متزايدا، مما جعل بعض المدارس بالمدينة تعرف وقفات احتجاجية متتالية، نتيجة الاكتظاظ داخل الأقسام، والتي وصل بها العدد إلى ما يناهز 50 تلميذا وتلميذة، الأمر الذي يرفع من نسبة المنقطعين عن الدراسة، أمام غياب مرافق تعليمية من شأنها أن تكون في المستوى المطلوب. وبخصوص التعليم الثانوي، فإن ثانوية حسان بن ثابت الوحيدة التي تتوفر عليها المدينة تعاني من الاكتظاظ داخل الأقسام، وسوء التسيير للإدارة المعنية، مما يجعل العديد من آباء وأولياء التلاميذ يعبرون عن استيائهم العميق ل»الاتحاد الاشتراكي» لما وصفوه ب «التسيير الأعوج» الذي قالوا عنه بأنه ينذر بكارثة في المستقبل، ويؤدي بمصير كل تلميذ وتلميذة إلى الشارع، أمام عدم الاكتراث لمطالب الساكنة من قبل المسؤولين على مستوى الإقليم. وضع صحي متدهور «هاد السبيطار داير بحال شي خربة مهجورة لوكان كان فحالي كاع مانجيلو»، تكررت هذه العبارة على لسان العديد من الوافدين على المركز الصحي بزايو، في الوقت الذي يعيش على وقع مجموعة من المشاكل التي أدت إلى تأزيم الأوضاع، حيث يفتقر إلى التجهيزات الضرورية ك «قسم الولادة، وسيارة الإسعاف، وجناح للمستعجلات، وغياب نظام المداومة الطبية، والنقص في الأدوية»، بفعل غياب المراقبة الفعلية للوزارة الوصية، في حين تتخوف الساكنة من تنصل وزارة الصحة من وعودها لانجاز مستشفى محلي متعدد الاختصاصات بالمدينة في أفق سنة 2013 . مصادر «الاتحاد الاشتراكي»قالت إن الطريقة التي يتعامل بها مسؤولو المركز الصحي مع المرضى والقاصدين لهذا المستوصف تتسم بالانتقائية والزبونية وغض الطرف عن الجهة التي يتدخل لها السياسيون لقضاء أغراضها، في حين يبقى المرضى البسطاء يعانون مرارة الانتظار بالطابور حتى تتم المناداة عليهم من طرف «الشاوش»، الأمر الذي يزيد من حدة مرضهم. يقول أحد المرضى في تصريحه ل»الاتحاد الاشتراكي» : «جيت ندير الدوا ورجعت أمريض، واش ممن حقيش نداوا؟ ولا نجي لسبيطار، ولا معنديش الحق من الاستفادة الطبية، راه هادا حقي ...»، ويؤكد أن قلة الشيء هي التي دفعته للمجيء إلى المركز الصحي، ليستطرد قائلا «أنا مواطن بسيط مفحاليش لوكان كان أفجهدي نمشي للمصحات الخاصة كاع مانجي نهز الجميل نتاع هاد الطبة، والسبيطار داير فحال شي خربة مهجورة». ويتوافد على المركز الصحي يوميا أزيد من مائة شخص ينحدرون من مدينة زايو، و جماعة أولاد ستوت، و جماعة حاسي بركان، وجماعة أولاد داود الزخانين وباقي المناطق المجاورة، في حين يتوفر المستوصف على طبيب واحد، وطبيبة واحدة، وبعض الممرضين والممرضات. ويرى متتبعون للشأن المحلي، أن المركز الصحي يفتقر إلى أطر طبية ذات خبرة عالية في مجال الطب، من شأنها أن تساهم في استتباب الوضع الصحي الذي تشتكي منه الساكنة، حيث تحول هذا المشكل إلى محطة نقاش عارم لدى مختلف الطبقات الشعبية بغرض إيجاد حل لهذه المعضلة، أمام عجز المجلس البلدي، وبعيدا عما طبل له المسؤولون في الحملات الانتخابية. تساؤلات حول الوضع الأمني الوضع الأمني الذي تعرفه مدينة زايو، أصبح يطرح العديد من التساؤلات، أمام الاحتجاجات التي عرفتها المدينة في الآونة الأخيرة، والتي طالب من خلالها الآلاف من المحتجين برحيل مجموعة من العناصر الأمنية المتهمة ب«الفساد»، في الوقت الذي كشف مواطنون عبر جهاز «مكبر الصوت» عن الخروقات والتجاوزات الموصوفة ب«الخطيرة»، والصادرة عن بعض العناصر الأمنية العاملة بمفوضية الشرطة بزايو. وهي الاحتجاجات التي كال من خلالها مواطنون اتهامات ل»العميد الممتاز»، كونه يتستر على العناصر الأمنية المتهمة بالفساد، ويستعرض سلطته على المستضعفين، في حين تم تسجيل شكاية ضده لدى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالناظور، من اجل«الشطط في استعمال السلطة، والسب والقذف». شرارة الاحتجاجات ضد عناصر الأمن، انطلقت في الوقت الذي أقدمت سيدة على وضع شكاية لدى وكيل الملك بابتدائية الناظور، والتي تتهم فيها رجل أمن برتبة «حارس أمن» بالتحرش الجنسي، وانتهاك حرمة منزلها، وهو العنصر الأمني الذي تم تنقيله إلى مدينة مكناس. وتشير المشتكية في الشكاية التي توصلت «الاتحاد الاشتراكي» بنسخة منها، إلى أن رجل الأمن يعمد إلى مضايقتها أثناء غياب زوجها وفي كل الأوقات، وذلك بإشارات(…) ويتلفظ بألفاظ للجنس ويدعوها لفراشه. وركز المحتجون بشكل كبير على المطالبة برحيل رئيس مفوضية الشرطة وتغييره بمسؤول آخر، وفتح تحقيق في الخروقات التي يرتكبها بعض رجال الأمن في حق المواطنين، في حين تمت الشهادة في بعض العناصر الأمنية كونها تؤدي واجبها المهني دون تسجيل أي خرق يذكر. وقالت مصادر حقوقية ل «الاتحاد الاشتراكي»، «نرصد بقلق متزايد واستياء عميق تنامي وتيرة الخروقات والتجاوزات الصادرة عن رئيس مفوضية الشرطة بزايو وبعض رجال الأمن، إذ ليست هي المرة الأولى التي يتعرض فيها مواطنو مدينة زايو لمثل هذه التعسفات، والتي باتت السبب في خيبة الأمل التي انتهى إليها الرأي العام المحلي جراء إحداث مفوضية للشرطة بالمدينة». وقد جرى إحداث مفوضية الشرطة بزايو سنة 2007، على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها المدينة آنذاك، إبان استفحال الجريمة المنظمة وظهور مجموعة من الشوائب الأمنية، بالإضافة إلى انتشار أباطرة المخدرات القوية. ويتساءل العديد من المواطنين، بخصوص تنقيل رئيس مفوضية الشرطة، خاصة وأنه يلاحظ أن الإستراتيجية التي تنهجها مصالح الأمن تطالها العديد من الشكوك، حيث هناك من يعتبر الحملات الأمنية ب»السابقة» مشيرين إلى أن هناك مجموعة من الخلفيات هي التي تحركها، والتي يكون الغرض منها في الدرجة الأولى الانتقام من المواطنين الذين رفعوا شعارات مطالبة برحيل بعض رجال الأمن المتهمين بالفساد، الأمر الذي جعل مصادر «الاتحاد الاشتراكي» تقول: «لمن تشتكي وخصمك الشرطي». فوضى و تسيب من فوق جبال «سيدي عثمان» الصامدة، تبدو مدينة زايو على شاكلة مداشر متفرقة، وواد «شرويط» يقسمها إلى نصفين، تتراءى المشاهد، وترتسم لكل زائر غريب للمدينة صورة تعكس الوضع الذي تتواجد عليه، بيوت هنا وهناك، على جنبات الأودية داخل (…) منتشرة كالفطر في كل مكان وبشكل عشوائي. الكل يتساءل، كيف تحولت مدينة زايو إلى مرتع خصب للبناء العشوائي أمام الحديث الرائج عن متابعة المسؤولين عن الشأن المحلي أمام القضاء؟ لصيانة ما أسمته المعارضة بالمجلس البلدي»حقوق المواطنين و المواطنات وإثبات النية المعلنة للدولة للقطع مع الفساد و المفسدين» . النسيج العمراني بالمدينة يتميز بعدم التوازن من حيث التجهيزات الأساسية التي تعرف نقصا ملحوظا في بعض أحياء المدينة، إن لم نقل المدينة بأكملها، حيث نتجت هذه الوضعية عن انفجار العمران العشوائي الذي لم يخضع للمقاييس القانونية باستثناء بعض الأحياء التي أنجزت مؤخرا، في حين تبقى معها العديد من الأحياء المهمشة تفتقر للماء الصالح للشرب والكهرباء والواد الحار، إلى حين إنهاء المتصارعين جولتهم الأولى من (الصراع المفتعل) ودخولهم الجولة الثانية التي ستعلن قبيل الانتخابات الجماعية المقبلة. عبر جولة صغيرة داخل أحياء مدينة زايو، يتضح أن المدينة قد طواها النسيان وكسرها الخمول، في الوقت الذي تعج بالمئات من الباعة المتجولين الذين احتلوا كل شيء، حتى أبواب المساجد، أما في ما يخص الملك العام فحدث ولا حرج، أمام صمت المسؤولين وغضهم الطرف عن الظواهر التي من شأنها أن تشعل الفتيل. أسواق مفتوحة بشوارع المدينة على مستوى شارع أثينا، القلب النابض، ينتشر المئات من الباعة المتجولين، الذين استوطنوا مختلف الأماكن المحيطة بالمركب التجاري، وحولوها إلى أملاك خاصة بهم دون أي ترخيص من السلطات المحلية ولا مصالح المجلس البلدي، حيث يجثم المئات منهم فوق الأرصفة والشوارع ويزاحمون أصحاب المحلات التجارية «المنظمة»، حيث تتوالى مشاهد الفوضى والتسيب، خارج رقعة المتاجر القارة، من عربات يدوية، وطاولات وصناديق خشبية ومنشورات من البلاستيك تؤثث الشارع يوميا، تعرض أنواعا شتى من السلع، وخلفها يقف شباب تتعالى صيحاتهم المبحوحة لإثارة اهتمام المارة لأهمية ما يعرضون من بضائع وسلع مختلفة. مختلف شوارع مدينة زايو تحولت إلى أسواق تكدست فيها البضائع والسلع… فأينما تولي الوجه تشاهد الباعة المتجولين قد اكتسحوا جميع الأمكنة والشوارع ولم يتركوا أي مكان إلا واستغلوه لعرض بضاعتهم، والتي تكون غالبا خضرا و فواكه، ومواد غذائية وألبسة مهربة. الواقع المعيش، الذي تعرفه المدينة، يبقى رهين صراعات مفتعلة مصدرها عدم التوافق على «الكعكة»، في حين تبقى الساكنة تترقب بشكل يومي بزوغ فجر الأمل والتغيير، أمام عدم الاكتراث لمطالبها واستيعاب الهتافات الغاضبة التي أظهرتها في الاحتجاجات السابقة بصوت عال جدا، وهي تقول: «الشعب يريد إسقاط الفساد»، وتبقى معها الأسئلة المطروحة إيقاظا للذاكرة.