ولولا أنني تيقنت أن مساحة مقالي لن تطفئ ولن تلهب شيئاً من جمرة فتاة اليوم لما خضت فيها مع كل هذا الزخم الذي استأثرت به للأسف قصة حياة عائلة. يأخذنا درس فتاة اليوم إلى اكتشاف مساحة الجنح الاجتماعي الذي نحن فيه ونحن عمداً، وبكل الأطياف والأطراف، نخوض فيها وكأننا نتحدث عن سيارة مسروقة أو خلاف بين قريتين، فكأننا لم نقرأ النهي الرباني عن كراهية الذين “يحبون أن تشيع الفاحشة”. سبعة وحوش يهتكون عرض امرأة في لحظة واحدة فضاع سبق جريمتهم المدوية في لحظة انشغالنا بجدل القاضي مع المحامي حول التفاصيل الأخرى، ونسينا الفعل البهائمي الذي لا يحدث من سبعة وحوش في غابة بهذه التفاصيل وإطار هذه الصورة. إعلام بكل أطيافه يتصيد القصة عناوين للإثارة وكأن البلد، والدنيا، خلت من العناوين وجمهور عريض واسع يتلقف الأخبار فكأنه يتلذذ بالجديد في الجدل بين قصة الفتاة وأطراف القضية. قضاة ينظرون القضية ثم يحكمون ثم يعودون لذات الملف حين اكتشفوا شوارع لم تطرق من قبل وهم الذين بالافتراض طرقوا كل شوارعها تحقيقا وبحثا ولهذا كان الجدل. زوج لم يتكتم ولم يوجه بما فيه الكفاية لإدارة قضيته ولهذا لم يعد يتسع له كل إعلامنا المحلي فخرج يهاتف القنوات الفضائية “بارداً” كأنه يعرض تفاصيل منزله المسروق أو وظيفته التي لم يحصل فيها على ترقية مناسبة. كأنه لم يدرك أنه يتحدث عن تفاصيل مؤلمة لزوجة، وكلنا تسابقنا معه إلى المحطة وتسمرنا أمامها وكأننا، أستغفر الله، ملائكة مطهرة، دون أن نعي أن فتاة اليوم قد مرت من قبل وستمر من بعد على كل القرى والمدن والحارات، وكل فرد فينا له الابن والبنت، الزوجة والأخ والأخت، وكل فرد فينا معرض، إلا بمشيئة الله، لأن يكون ذات القصة. خلاصة القول إن المجتمع للأسف الشديد بات يستمرئ ما كان من عرفه سراً وحياة خاصة.