الخميس 12 شتنبر 2013 تعتبر الكتابة أرقى وسيلة للتعبير عما يعيشه الانسان / الفرد داخل الوسط الذي ينتمي إليه، و مع مختلف الفئات المجتمعية التي يتعايش معها ويحتك بها، فالكتابة تجعل الكاتب يبذل قصارى جهده في القراءة والمطالعة من أجل تحليل وتفسير ووصف علمي دقيق للواقع اليومي والتغيرات والتحولات الاجتماعية والسياسية التي يشهدها المجتمع بعيدا عن الانحياز الاديولوجي فيها، الذي قد يؤطر ذهنية وعقلية كل كاتب معين. تعتبر الكتابة من بين الأجناس الأدبية التي عرفها الانسان منذ انفتاحه وابتكاره للمجال الأدبي الهادفة إلى التحرر من كل القيود والضغوط المرتبطة بعشيرة ما (العادات والتقاليد)، والساعية إلى كشف المستور والمخفي وكذا فضح كل من قد يساهم في استغلال الفرد والمجتمع، فأصبحت أداة للحكي والوصف وسرد الوقائع اليومية التي يعيشها في صورة واضحة ، وكل ما يراه صالحا و ملائما لتدوينه حتى يطلع عليه الآخرون، وكذا محاولة منح رؤية شاملة عن الحضارات التي يحتك بها ويصادف أثناء رحلاته وتجولاته. إن تطور الكتابة تزامن مع تطور المجتمعات وبالموازاة مع التلاقح الثقافي، الذي أعطى دينامية كبيرة للعقل البشري من أجل السمو في أفكاره ومواقفه وكذا معتقداته، فالثقافات المنفتحة والمتشبعة بالقيم الانسانية النبيلة كانت لها دور محوري في الرقي بعقل بلدان العالم الثالث أو كما يصطلح عليها اليوم بالبلدان في طور التنمية. يرتبط مفهوم الكتابة بالمعرفة والعلم، فالمعرفة كيفما كانت، وكيفما كان مجالها (الفلسفة، العلوم…) هي المحركة للكتابة وهي القادرة على وصف وتفسير تلك التقدمات التي تعرفها هذه المجالات الحيوية، كما أنها مقرونة أيضا بفن التحليل والسرد العقلاني القادرين على إقناع المتلقي / القارئ باستعمال المنطق والمنهج العلمي للأفكار وتسلسلها الزمني والمكاني فمثلا لا يمكن استباق طرح فكرة مستقبلية معينة، دون أن يتم التأصيل لها زمنيا ومكانيا (بناء الأفكار). صنفت بعض المنظمات العالمية المغرب ضمن البلدان الأسوأ التي يمكن للانسان / الفرد أن يولد فيها، وبنت تصنيفاتها ومواقفها التي يمكن اعتبارها في حقيقة الأمر جريئة وذات أبعاد وأهداف مهمة بخصوص مستقبل هذا البلد، حيث يحرم هذا النظام السياسي المواطن المغربي والفاعليين السياسين والحقوقيين والتربويين من مجموعة من الحقوق والحريات العامة التي تندرج ضمن الإعلان العالمي لحقوق الانسان ويتم التضييق عليها يوميا وقمعها كما حدث أثناء الحراك الشعبي لحركة 20 فبراير في جل المناطق وما قبلها من اعتقالات في صفوف الحركة الأمازيغية والتي راح ضحيتها الشبلين المناضلين كل من مصطفى أسايا وحميد أعضوش بعشر سنوات سجنا نافذة بتهمة الدفاع عن القضية الأمازيغية وحق الطلبة في التعبير عن حقوقهم ومطالبهم كفئة مثقفة قد تساهم في التغيير الجذري داخل المجتمع، واختطاف اللساني بوجمعة الهباز، وما تلاها من مضايقات واستفزازات في حقهم، (تارة حقيقية وتارة أكذوبات وإشاعات من أصحابها من أجل كسب التعاطف والتضامن الحقوقي والسياسي و بلوغ مرحلة التفاوض مع المخزن وأجهزته). تعتبر الأزمات والمشكلات العويصة التي يعاني منها الشعب المغربي، معروفة ومعلومة لدى كل مواطن سواء أكان داخل البلاد أو خارجها، لأنها وليدة سلسلة وتراكمات لمجموعة من السياسات الفاشلة والمُفشلَة، المُنعكِسة بشكل سلبي على نمو وازدهار مختلف قطاعات هذا البلد الذي يتوفر على مؤهلات جغرافية، طبيعية وبشرية جد مهمة وقادرة في نفس الوقت إن أُحسن استثمارها على المساهمة في الحد من العديد من المعضلات التي حطمت آمال وأحلام وأهداف كل مواطن، بل الأكثر من ذلك أنها كانت سببا وراء عزوف العديد من الشباب العاطل عن العمل عن الزواج، مما سيقلص مستقبلا من نسبة النمو الديمغرافي ومعدل الخصوبة. إن الحديث عن الأنانية الصحفية، يجعلنا نصب اهتمامنا وتركيز حول بعض كتابات ومنشورات بعض الكُتّاب المغاربة سواء على مستوى الصحافة المكتوبة (الجرائد والمجلات) أو على مستوى الصحافة الإلكترونية ومختلف مدونات هؤلاء الكتاب، وكذا تفاعلا مع كتابات الكُتّاب الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك والتويتر) مع عدم نكران أو نسيان أو تجاهل مجهوداتهم الجبارة بخصوص الاطلاع على المواد الفكرية ومحاولاتهم في توعية المواطنين والقراء بما يعيشه المغرب من مشاكل وفي فضح كل المتأمرين والمتواطئين على مصالح المواطنين المغاربة وحقوقهم العادلة والمشروعة التي ضمنتهم لهم المواثيق الدولية لحقوق الانسان ومحاولاتهم اليومية في التحكم بهذه العقول وأدلجتها (من الاديولوجية) لخدمة أجندة سياسية موالية للنظام المخزني ودكاكينه السياسية. هذه العقول المفكرة والمحللة التي كادت تزامنا مع الاحتجاجات الأخيرة أن تحدث تغييرا جذريا وطفرات نوعية في بنية ونسق هذا النظام لولا يقتظه واحتوائه لهذا الحراك وتسييره وفق التوجهات التي تشرعن استمراريته وتحافظ على ثوابته. أصبح ميول هؤلاءالكُتّاب المغاربة يبعد نوعا ما عن الهموم الحقيقية واليومية للشعب المغربي، وهذا جد مشروع بحكم الايمان بمبدأ الاختلاف والتعدد من أجل إغناء الأفكار ومقارعة الحجة بالحجة، ويعتبر أمرا طبيعيا نظرا لاختلاف المرجعيات الفكرية والرؤى المستقبلية لدى كل كاتب وما يجب أن يكون و ما لا يجب أن يكون في نظره، فحبذوا فتح نقاشات (وربما تعمّدوا فتحها) لم يحن وقتها ولم تحن فترة الخوض في أمرها، لأن هناك الكثير من المغاربة الذين يعيشون بمناطق المغرب العميق ولم يتم الحسم في مشاكلهم، سكان وواقع يعجز العقل عن وصف حالتهم المريرة و لا يعرفون حتى أنهم مواطنين موجودين يعيشون ضمن نطاق جغرافي اسمه المغرب، ولا يعرفون حتى أدنى حقوقهم المشروعة. لكن، همّهم الوحيد هو الحصول على ما قد يسد جوعهم وعطشهم والنوم على أمل أن يعثر عليهم أحد ما ويحس بألهم ومعاناتهم التي تعجز الكلمات التعبير عنها وإيجاد لغة ملائمة ومعبرة للتضامن معهم وتساندهم في محنهم وصراعهم من أجل البقاء أمام قسوة المناخ وصعوبة التضاريس وانعدام منابع ومصادر الاقتيات اليومي. إن التهليل اليومي لهؤلاء الكُتّاب في المنابر الإعلامية المتاحة لهم بمسائل وقضايا الحريات العامة والفردية جعلهم ينسوا أو يتناسوا بأن هذا المفهوم يتبوأ المرتبة الثانية فقط بعد مفهوم حقوق الانسان (الحريات الفردية أصلا جزأ من حقوق الانسان) الذي يعتبر لزاما على كل دولة احترامها وتفعليها وتكريسها في كل المؤسسات الادراية والتربوية والثقافية. سكان أنفكو وإيمضر وغيرها من مناطق المغرب المهمشة والمتجاهلة، لا يطالبون بشرعنة المثلية الجنسية في إطار قانون، و لا يطالبون بالحق بممارسة الجنس قبل عقد الزواج، و لا يطالبون بحرية التدين أو الاعتقاد، و لا يطالبون باللجوء السياسي…الخ، بل يطالبون بأول حق لهم من حقوق الانسان، ألا وهو الحق في الحياة، والإحساس بإنسانيتهم وكينونتهم والتمتع به على قدم المساواة بين المواطنين الآخرين المغاربة، مع التوفير لهم ظروف حياة صحية ومناسبة. إن التركيز على معالجة قضايا يمكن اعتبارها حاليا ثانوية، والتفكير في حل لها طول اليوم وفي جل الحوارات والكتابات، يضعنا أمام واقع الأنانية الفكرية والسياسية لدى الكُتّاب المغاربة، وإذا كنا نعتقد بأن هؤلاء السكان أداة أو ورقة للاسترزاق الحقوقي والضغط السياسي نتلاعب فيها وقتما أردنا ذلك، فعلينا أن نراجع فهمنا لحقوق الانسان وأن نضع أنفسنا مكانهم ونتدوق ولو في أحلامنا مرارة فقرهم وجوعهم ومرضهم وإعاقتهم الجسدية والذهنية وعوزهم واحتياجاتهم حتى نعرف الفرق بين الانسان وبين المُتَّصَف بمفهوم الانسان فقط. ما يحز في النفس ويؤلم عمق الانسان، هو أن تقرأ شعرا يعبر عن جنسانية التفكير لدى كاتبه وسعيه المتكرر إلى تقديس جسده ومنحه مرتبة فوق إنسانية أو فوق حياتية، أو أن تقرأ مقالة أو أسطر تتضامن مع سوريا وفلسطين والعراق…(أومن بأحقية كل الدول وكل الشعوب في استقلالهم وأدين كل السياسيات الاستطانية، وحقهم العادل في إنشاء مظام سياسي يضمن لهم هذه الحقوق وحرية التمتع بها) والتفكير الطويل والعميق لدى البعض منهم من أجل صياغة عبارات وجمل ومقالات تعبر عن السمو الفكري والاديولوجي و إقصاء كل رأي آخر مخالف لهم، ومحاولة إيهام القُرّ اء والمتتبعين بعلو مستوى تفكيرهم وأسلوبهم في التحليل والتفسير…، وترى في نفس الوقت انعدام ولو وقفة تأمل أو تساؤل ولو لبرهة حول حال ومصير المغاربة الذين يقطنون أكواخا في الجبال والغابات، أو في " بَرّكَاتْ " من القصب وأغصان الأشجار دون أدنى غطاء أو لباس يواري عوراتهم ويستر ويحمي أجسادهم من الجراثيم والميكروبات والحيوانات الفتاكة والسامة. إذا كانت قضية اغتصاب الأطفال الأحد عشر من طرف البيدوفيل دانييل كالفان، قد أقامت المغاربة من مختلف مقاعدهم ومن مختلف التيارات والمرجعيات الفكرية وتلاوينهم السياسية وجعلتهم ينتفضون ويثرون من أجل العدالة وكرامة المواطن المغربي ومن أجل حماية حقوق الطفل، فإن هؤلاء السكان الذي لا نعرف عنهم إلا القليل من التفاصيل والمعلومات قد اغتصبناهم نحن بتجاهلنا لهم وبتجنب الحديث عن أمورهم، ونحن من داس على شرفهم لأننا لم نخصص لمآسيهم ولو صفحة من كتاباتنا وأفكارنا، لأننا اعتبرناهم وجعلنهم مجرد لوحات وصور فنية وفوتوغرافية نضعها ونزين بها جدارنا وحائطنا على الفيس بوك والتويتر، لكي نأخذ قناع ذلك الشخص الانساني المتآخي والمتضامن الحامل لهموم الشعب المقهور والمسحوق. ختاما، فالأكيد أن ما يكتب أو سيكتب آجلا أو عاجلا حول سكان المغرب العميق لن يستوفي معاناتهم وقهرهم، فعلى الكتاب المغاربة والصحفيين والمثقفيين والمفكريين المناهضين لسياسات التهميش، التفقير، الإقصاء، التهميش والتجويع التي ينهجها هذا النظام بدعم من أبواقه الإعلامية التي تتحاشى وتتغاضى دائما عن زيارات إلى هذه المناطق ومحاولة التحقيق في أمورها اعادة النظر في كتاباتهم الفكرية والصحفية، من أجل الغوص في أسرار هذه المناطق الهامشية ان الحق في الحياة والعيش الكريم والحساس بالكرامة، من الأولويات التي يجب التركيز عليها والتعميق في فحواها ومضامينها الكونية، وأما مسألة الحريات الفردية وغيرها من الأخرى التي أخذت مجالا واسعا من اهتمامات المغاربة، فأظن أن وقتها لم يحن بعد ولن يتم في نفس الوقت اهمالها أو التحاشي عن النضال لتحقيقها. كما أن الاتكال على الآخر من أجل الانصاف وهم تروج له الاديولوجية السائدة.