أريفينو / بروكسيل / عادل أربعي لابد للمتتبع المالك ولو لشيئ بسيط من البديهة وهو يتابع أثار الفيضانات الاخيرة بالمغرب وبالريف خصوصا أن يكتشف مدى الحقد والاستحقار الذين تكنهما “الحكومة الفاسية” لضحايا الكارثة الطبيعية التي ألمت بأبناء الريف العزيز. ...إقليم بكامله تحت رحمة الفيضانات طيلة أسبوع كامل, أرواح بشرية سافرت إلى ربها بلا رجعة، “أشباه قناطر” و”أشباه طرق” قطعت تماما في وجه المواطنين، سلطة محلية “بدون بوصلة” لا تعرف من أين تبدأ وأين تنتهي وكأن منطق السلطة يعني فقط الإخبار والاستخبار ولا يدخل في قاموسه تفقد أحوال المواطن في السراء والضراء، بل وحتى الموتى اقتلع الفيضان جثثهم من المقابر وجرفها إلى حيث لا يعلم احد. كل هذا وطيلة مدة ستة أيام و الحكومة تتفرج في شخص “عباسها” الذي لم يكلف نفسه عناء السفر العاجل إلى الإقليم المنكوب, بل وبدا “صم بكم عمي” في مجرد فكرة إعلان إقليمالناظور منطقة منكوبة, وكأنه سيدفع من جيبه ما قد ينتج عن ذلك من تجنيد لإمكانات مالية ولوجيستية وغذائية. “أسي عباس غير قولها أوصاف, أرجال كاينين, الخير راه برا موجووود” لعلك ترضى. طبعا لا ندعي شيئا نحن لا نراه على ارض الواقع, فالإقليم منكوب بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وأعين الحكومة العباسية وحدها التي لا ترى في مثل هذه الحالات، فالأمر الملكي الموجه للحكومة القاضي باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لإغاثة المواطن المنكوب لم يعطى أدنى اهتمام من طرف أعضاء الحكومة, وإنقاذا لماء الوجه “خطف” اثنان من أعضائها زيارة بالطائرة الخاصة في رمشة عين للإقليم وتفقدوا مقر العمالة ونواحيها ونظرة خاطفة على جماعة الدريوش “الدرويش مسكين”، تاركين الطائرة “أمارش”, ثم هرعوا مسرعين بعد تأدية “الواجب الوطني”: (إيوا الله يرحم من زار أو خفف). الأمر الملكي دعى الحكومة إلى الوقوف الفعلي على أثار الفيضانات وزيارة جميع المناطق المنكوبة والتواصل مع الضحايا وأقارب المنكوبين لأخذ معطيات دقيقة وصحيحة حول حجم الخسائر البشرية والمادية، إلا أن بنموسى وغلاب وبنسليمان هذا الأخير الذي لا نعلم لم أتى، ربما لتفقد استعداد “رجاله” لكل “فهامة زايدة” من طرف المنكوبين، فهؤلاء الثلاثة لم يكلفو أنفسهم الذهاب لتفقد منكوبي قاسيطة، تليليت، بني نصار، زغنغن، ميضار، بوعرك، أزلاف، أركمان، تمسمان و تفرسيت التي بالمناسبة ينحدر منها عامل الإقليم “يا حسراه”. فالواجب الوطني، إن كانوا فعلا وطنيين، كان يجدر بهم كخدام للوطن زيارة المنطقة عبر الطريق من العاصمة إلى الريف أو “قندهار” المغرب، لمعرفة حقيقية وغير مزيفة للواقع المعاش في البنية التحتية والإهمال التام للمسالك الطرقية والقناطر بل وحتى إشارات الاتجاهات لا اثر لها، فحقا وكأنك في قندهار، فبمجرد خروجك من مدينة تازة، لا تعلم إلى أين تتجه وأي مصير ينتظرك إن أنت ترجلت وأخذت اتجاها دون أخر، هل إلى مدينة مجهولة الاسم أم إلى حدود برية أو جوية، لا احد يعلم الاتجاه سوى من يقطن بهذا “القندهار” المنسي. عبر الطريق وفقط كان سيعلم خدام الوطن الثلاثة هؤلاء جيدا إلى أين هم يتوجهون، فجلهم لم تطأ رجلاه الناظور من قبل إلا مرافقة لزيارات جلالة الملك. هذه الحكومة التي تدعي تمثيلها للشعب، كان واجبا عليها وقف جميع الأنشطة الوزارية والتوجه فورا إلى المنطقة المنكوبة كما تفعل الحكومات المنتخبة ديموقراطيا والممثلة للشعب من خلال صناديق الاقتراع وليس “بالوحي العباسي المنزل ليلة القدر”. آنذاك سنحس جميعا أننا فعلا مواطنون بمواطنة كاملة وذا أهمية داخل هذا الوطن العزيز الذي فداه أبائنا وأجدادنا بحياتهم ويشهد التاريخ لبطولاتهم دفاعا عن كل شبر من أرضه ضد المستعمر. فأكثر ما أثارني في الفيديوهات والتسجيلات الصوتية والمصورة من طرف مراسلي “الأخ يوتيوب وإخوانه” هو ذلك التصريح العفوي المصور لمواطن عندما “طلعلو الدم” وقال : “شوفو اسبانيا، هاداك راه ساباطيرو ماشي عباس”. زيارة هؤلاء لم تأتي لأقارب المنكوبين إلا باليأس وتزايد الإحساس بالظلم والإهمال، أم أننا فعلا وجب علينا أن لا ننتظر أحدا من هؤلاء سوى الله والملك الذي يستمع للفقير والغني، للمعاق والصحيح، للمنكوب والمهموم، فكيف ننتظر من سيادتهم ترك الكراسي الدافئة للطائرة والمجيئ عبر الطريق لمعرفة أن هذا الشعب ضل ولعقود يسافر على خط لا يملك من كلمة الطريق سوى الإسم، بل وسيكتشفون مدة السفر من الرباط إلى “أدغال الغابون” عفوا إلى الريف المنسي والتي تزيد عن العشر ساعات وعلى ذكر الزمن فمدة الطائرة من المغرب في اتجاه الولاياتالمتحدة عشر ساعات ونصف، مما يعني أن المسافر من الرباط في اتجاه الريف يصل في نفس زمن وصول المسافر إلى أمريكا بفرق بسيط هو أن المسافر لأمريكا سيصل وشهية التجول والتبضع تنتظرانه، بينما صاحبنا المسافر للريف فلا يرى عند وصوله بين عينيه سوى فراشا ووسادة يريح فوقها عظامه المهشمة على الطريق. بالرجوع إلى التعامل التقزيمي لفيضانات الريف من طرف الإعلام المغربي المرئي، سنكتفي بالإشارة إلى التحقير الذي طال منكوبي هذه الكارثة من طرف “قناتي لحلاقم”، فجل الأخبار كانت تحمل في عناوينها نبأ كارثة فيضان الريف، هذا لا ننكره، لكن المؤسف هو الإستغباء الذي تتعامل به قناتي “واد الحار” مع المواطن عند إدراج تقارير على ما يحدث، فنجد في النشرات بالعربية تقديم مقتطف وشبه مختصر وسريع لما وقع، دون ذكر للمستجدات أو ربط اتصالات مباشرة من عين المكان وإدراج إحساس المواطنين والمنكوبين ليرى المغربي والأجنبي ما يعانيه كل من أصبح بين عشية وضحاها يعيش تحت الماء في هذه الربوع من الوطن، دون الحديث عن سهرات الشطيح والرديح ليلة إحصاء المنكوبين لضحاياهم. أما في النشرات بالأمازيغية فهنا الكارثة، فالأخبار تأتيك بتفاصيل وبسرد للدواوير والقرى المتضررة بل وقد تسمع اسم دوارك أو مدشرك بطلاقة، لنتسائل هنا : هل وجب الحديث بالتفصيل عن أماكن الكوارث والضحايا إلى الحكومة والأجانب في النشرة بالعربية أم إلينا نحن المنكوبين بالأمازيغية. فنحن نعلم الذي حدث ونعلم الدواوير المنكوبة، فقد أغاثها أبنائها مشيا على الأقدام كجماعة : امجاو، تليليت، قاسيطة، تروكوت وميضار. إعلاميا دائما، فالتلفزيون المغربي بقناتيه كان كلما انتهى من فيضان الريف يقفز لفيضان “اليمن الشقيق” ربما (ليبرد) من غضب أبناء الريف ويريهم ما فعل شقيق عدوهم الفيضان لدولة “اليمن الشقيق”، وأخذ العبرة والاستسلام للواقع. فربما حكومتنا لم تعلم لحد الآن أن فيضان الريف كان فيضانا وكارثة بمعنى الكلمة، فالدور التي جرفتها المياه لم تكن جميعها من الطين كما هو الشأن لليمن الشقيق المعروف ببنائه الطيني عبر التاريخ ليومنا هذا، أما كارثة الريف فقد جرفت منازل عصرية تقدر بالملايين مما يجعلنا نصنف هذا الفيضان ب “الطوفان” الحقيقي دون إغفال التدمير التام لدور الطين. وما دام إعلامنا يريد منا أخذ العبرة من “فيضان اليمن الشقيق” فإننا نطلب منه نحن أيضا الاقتداء بتلفزيون اليمن الذي ضل طيلة أسبوع كامل يغطي فيضان مدينة “حضرموت” الطينية بل واستنفر الجميع بالبلد بما فيهم الشعراء الذين أبدعوا عن الفيضان بل وسمو برنامجا خاصا على التلفزيون اليمني ب “الشعر وأحزان الكارثة”. فلتقتدي قنواتنا بقناة اليمن الوحيدة وتسمي برنامجا : النثر وأحزان الكارثة. أم أننا نسينا عندما سمت برنامجها “الويكاندي” : الشطيح وأحزان الكارثة. بقي في الأخير أن أتقدم لجميع الشباب الساهر على المواقع الالكترونية الإخبارية بالإقليم دون استثناء بالشكر الجزيل على لعبهم الدور الإعلامي الممتاز في سبيل نقل كل صغيرة وكبيرة عن الكارثة بالصوت والصورة، فقد أصبح الجميع لا يثق بقنوات “الواد الحار” العموميتين وأصبح الجميع لا ينتظر الجديد سوى عبر المنابر الالكترونية. صور من أزغنغان بعدسة هشام خوجة صور من بني انصار بعدسة ابراهيم بوجيدان صور من حي إشوماي بعدسة محمد مرابط صور من حي لعراصي بعدسة أحد زوار الموقع صور من ميضار بعدسة محمد عرقوبي